يوجد أكثر من مليارَي لاعب في جميع أنحاء العالم، أي ما يعادل 26% من سكان العالم، ما يجعل قطاع ألعاب الفيديو أحد أضخم القطاعات، إذ تتجاوز أرباح ألعاب الفيديو السنوية مجموع إيرادات هوليوود وجميع الأحداث الرياضية في الولايات المتحدة.
تربح شركات مثل سوني ومايكروسوفت وأكتيفجن مليارات الدولارات كل سنة من بيع الألعاب وملحقاتها، ولكن بفضل تقنية بلوكتشين – Blockchain يمكنك الآن كسب المال من طريق الألعاب التي تعتمد على الميتافيرس.
تمكنت العلامات التجارية ومطورو إنتاج ألعاب الفيديو من تحقيق أرباح في هذا المجال، إضافةً إلى اللاعبين الذين يكسبون المال من طريق البث المباشر أو اللعب في البطولات، ولكن وجود تقنيات تعتمد على بلوكتشين، مثل NFTs والعقود الذكية وعوالم الألعاب الافتراضية؛ أدى إلى ظهور نموذج جديد للعب من أجل تحقيق الربح (P2E) في مجال الألعاب.
إذ يسمح النموذج الجديد للاعبين بربح جوائز مالية في أثناء اللعب، من طريق تداول العناصر داخل اللعبة في أسواق مختلفة على الإنترنت.
كيف أحدثت تقنية بلوكتشين ثورة في صناعة الألعاب؟
تقنية بلوكتشين هي نظام لا مركزي لتسجيل البيانات، أو سجل رقمي يخزن المعلومات في وحدات تتوزع عبر شبكة من أجهزة الكمبيوتر.
تُؤمَّن وحدات المعلومات تلك باستخدام تجزئة التشفير، وهي خوارزمية برمجية لا يمكن عكسها، فلا يمكن أبدًا تغيير المدخلات التي أُجريَت على البلوكتشين، إضافةً إلى أن كل جزء من البيانات على بلوكتشين يكون مرئيًا لجميع المستخدمين على الشبكة، ما يجعله نظامًا موثوقًا يتمتع بالشفافية.
إن الاستخدام الأكثر شيوعًا لتقنية بلوكتشين هو التعامل مع NFTs والعملات الرقمية على الإنترنت على شبكات بلوكتشين المختلفة.
هنالك ما يقرب من 300 مليون مستخدم للعملات الرقمية في جميع أنحاء العالم؛ يشكلون اقتصادًا بقيمة ثلاثة تريليونات دولار، وكل ذلك يعمل على بلوكتشين لا مركزية.
أصبح استخدام العملات الرقمية والرمزية شائعًا جدًا لدرجة أن العديد من الألعاب أطلقت NFTs خاصة بها داخل اللعبة، وعملات رقمية يمكن اللاعبين تداولها لكسب جوائز في أثناء اللعب.
مثلًا تعتمد لعبة أكسي أنفنتي على بلوكتشين، وهي لعبة على الإنترنت على منصة إيثريوم، يستطيع اللاعبون فيها ربح رموز للعملات الرقمية مثل قطع أكسي أنفنتي (AXS) في أثناء اللعب، ويمكن بعد ذلك تداول هذه الرموز في بعض البورصات الرقمية.
تستخدم اللعبة أيضًا رموزًا يمكن شراؤها وبيعها وتداولها وتنميتها، وإن تنافس أصحابها في ما بينهم يكسبهم المزيد من الرموز الرقمية.
تجمع لعبة سوراري بين كرة القدم الخيالية وبلوكتشين في لعبة يمكن اللاعبين فيها الفوز على منصة إيثريوم.
تسمح لعبة المغامرات ثلاثية الأبعاد Age of Rust للاعبين بالبحث عن عملات بيتكوين وإنجين، إضافة إلى NFTs ذات أداء عالي، التي تحتوي أيضًا على ملايين الدولارات من قيمة إعادة البيع بسبب فائدتها الكبيرة عبر نظام بلوكتشين.
كانت لعبة Age of Rust عام 2007 من أوليات الألعاب التي استخدمت عملة إنجين بلوكتشين لصك ودمج NFTs، التي يمكن استخدامها لأشياء مثل فتح المحتوى.
بعض الأمثلة والجوانب المثيرة للاهتمام لتقنية بلوكتشين في الألعاب:
كانت جميع الشخصيات والأسلحة والجوائز والعناصر الأخرى المختلفة للألعاب ملكًا لمطوري اللعبة قبل إدخال NFTs والعملات الرقمية في ألعاب الفيديو. لم يكن هنالك أي طريقة تجعل اللاعب يسترد أو يستثمر أي عنصر داخل اللعبة حالما تخرج اللعبة عن الخدمة أو يغلقها المطور، ولكن السيناريو تغير مع تزايد شعبية الألعاب اللا مركزية، مثل Splinterlands وCryptoMines وألعاب أخرى، وإن العديد من مؤسسي وناشري الألعاب يخالفون القواعد للاستيلاء على أكبر حصة من سوق الألعاب اللا مركزية.
قررت شركة الألعاب الأمريكية أتاري فتح قسم بلوكتشين في أبريل 2021، الذي سيركز على إنشاء رموز رقمية لألعاب الشركة، وأطلقت مؤخرًا شركة ألعاب الفيديو العملاقة يوبي سوفت أيضًا منصة كوارتز التي تمكن اللاعبين من الحصول على ملكية العديد من البنود في اللعبة على شكل NFTs تُسمى خانات أو أرقام، التي ستكون متاحة على صورة عناصر داخل اللعبة، مثل المركبات والأسلحة والمعدات، وسيكون لها رقم تسلسلي خاص بها يمكن رؤيته في اللعبة.
تؤدي تقنية بلوكتشين إلى ظهور اقتصاد ألعاب جديد، فقد أصبحت ألعاب الفيديو التي تعتمد على اللعب من أجل الربح -التي يشار إليها أيضًا باسم GameFi (دمج الألعاب والتمويل)- شائعةً أكثر من خدمات DeFi (التمويل اللا مركزي) الرقمية التقليدية. وكشف تقرير صادر عن شركة DappRadar أن نحو نصف إجمالي مَحافظ العملات الرقمية في العالم مرتبطة بواحدة أو أكثر من هذه الألعاب.
يدّعي بيدرو هيريرا -محلل بلوكتشين رفيع المستوى في شركة DappRadar- أنه يُسجل 100 مليون معاملة وسطيًا في اليوم من ألعاب بلوكتشين المختلفة والعديد من هذه التطبيقات تصنع اقتصادًا صغيرًا خاصًا بها.
إضافةً إلى ذلك، على غرار تطبيقات DeFi المختلفة، تشجع الألعاب التي تعتمد على بلوكتشين أيضًا معاملات P2P الرقمية بين مستخدمي الإنترنت. من طريق العقود الذكية (الاتفاقيات الرقمية المخزنة على بلوكتشين) يستطيع مطورو الألعاب استخدام الأنظمة بفاعلية من أجل اقتصاد الألعاب التي طُورت حديثًا، ويمكنهم ضمان التبادل العادل للرموز الرقمية في ألعابهم، وكذلك فإنهم قادرون على تحقيق دخل إضافي من طريق فرض رسوم على الأنشطة التجارية المختلفة داخل اللعبة.
ولقد أتاح ظهور بلوكتشين للمطورين الفرصة لإنشاء عوالم افتراضية غامضة أو ميتافيرس، إذ لن يستطيع المستخدمون اللعب فقط، بل أيضًا تداول الأصول الافتراضية وتجربة الواقع الافتراضي. يمكن أيضًا فهم القبول المتزايد لتكنولوجيا بلوكتشين بين المطورين بحقيقة أن 58% من مطوري الألعاب قد بدؤوا باستخدام تقنية بلوكتشين بالفعل.
أثبت نموذج الألعاب التي تعتمد على اللعب للربح نجاحًا كبيرًا في عام 2021 من طريق جذب مستخدمين جدد.
وتسمح بعض ألعاب ميتافيرس التي تعتمد على بلوكتشين، مثل Decentraland وSandbox، للمستخدمين بشراء وبيع العقارات الافتراضية.
في لعبة Decentraland، تنجَز المعاملات باستخدام MANA (العملة الأصلية للعبة)، ويُتَحقق من إثبات ملكية الممتلكات الافتراضية عبر NFTs.
بعد بيع قطعة أرض في لعبة Decentraland مقابل 2.1 مليون يورو، تداولت العملة الرقمية MANA بسعر 4.06 يورو في نوفمبر 2021، بينما كانت قيمتها في بداية العام 0.07 يورو فقط.
هذا التزايد السريع وإمكانية تحقيق الأرباح، أدى إلى أن يجدب نظام الألعاب الجديد الذي يعتمد على بلوكتشين اللاعبين العاديين، إضافةً إلى المستثمرين ليصبحوا جزءًا من اقتصاد الألعاب.
حققت لعبة أكسي أنفنتي وهي واحدة من أكثر الألعاب الشعبية في هذا القطاع؛ مبيعات بقيمة 2.5 مليار دولار، وتضم نحو 1.8 مليون لاعب يوميًا.
هل من الممكن إضفاء اللا مركزية الكاملة على صناعة الألعاب؟
تنقسم صناعة الألعاب بالفعل حول استخدام تقنية بلوكتشين.
وقد أدخلت منصة ستيم قاعدة جديدة تحظر على ناشري الألعاب إدخال ألعاب بلوكتشين على المنصة. لم يكن العديد من محبي الألعاب راضين عن القرار، ولا حتى الشركات، مثل SpacePirateGames، التي كانت تتطلع إلى إطلاق لعبتها الجديدة المعتمدة على NFT على المنصة.
وكتب تيم سويني المبرمج والرئيس التنفيذي لشركة Epic Games -وهي منصة منافسة لمنصة ستيم- بعد إطلاق ستيم لتلك القاعدة الجديدة: «سيرحب متجرنا بالألعاب التي تستخدم تقنية بلوكتشين بشرط الالتزام بالقوانين، والكشف عن شروطها، وتُصنف حسب العمر من قبل مختصين».
سواء كانت المنصة تظهر اهتمامًا بألعاب بلوكتشين أم لا، فهناك العديد من التحديات الأخرى التي يجب على شركات الألعاب التغلب عليها لجعل عالم الألعاب مناسبًا لتقنية بلوكتشين.
مثلًا، كيف سيضمن المطورون بقاء الألعاب ديموقراطية؟ فمثلًا حين نجد لاعبًا مبتدئًا وثريًا يشتري جميع الأصول المهمة داخل اللعبة (مثل الأسلحة والجلود والإكسسوارات)، سينتهي به الأمر إلى الفوز على اللاعبين ذوي الخبرة العالية، قليلي المال.
تحاول يوبي سوفت التغلب على هذا من طريق جهاز Digit NFT، إذ لا يؤثر على طريقة اللعب بأي شكل من الأشكال.
سيُطلب من شركات الألعاب أيضًا تطوير بنية تحتية إضافية لدعم حجم المعاملات الكبير على شبكات بلوكتشين الخاصة بهم، وقد يستغرق ذلك الكثير من الوقت والميزانية.
لا يزال العديد من اللاعبين لا يعلمون بالابتكارات، التي تعتمد على بلوكتشين، مثل NFTs، لذا فإن الاستخدام المفرط لهذه التقنيات في الألعاب الشعبية قد يصعّب على اللاعبين الجدد الدخول للألعاب.
يتمثل التحدي الآخر للمطورين بالتأكد من أن ألعاب بلوكتشين ومنصات الألعاب والأسواق اللا مركزية متوافقة مع بعضها حتى يتمكن اللاعبون من تداول أصولهم الافتراضية داخل اللعبة بسهولة عبر الألعاب والمنصات.
قد تكون هنالك مشكلة أخرى وهي كون بعض هذه الألعاب تنتهك قواعد القمار.
لعبة سوراري مثلًا، تخضع حاليًا للتحقيق من قبل لجنة القمار في المملكة المتحدة، التي تسعى لإثبات ما إذا كانت الشركة تحتاج إلى رخصة تشغيل.
على الرغم من تنامي أسواق NFT والعملات الرقمية بنحو مدهش، فإنه من السابق لأوانه التنبؤ؛ هل تقنيات بلوكتشين ستحقق نجاحًا في الألعاب أم لا؟. ومع ذلك، نظرًا إلى قدرتها الكبيرة على تحويل صناعة الألعاب، فمن المرجح أن يتوسع استخدامها.
اقرأ أيضًا:
ما هو ميتافيرس؟ ومن يتحكم فيه؟ وكيف سيؤثر في حياتنا؟
ترجمة: عمرو أحمد حمدان
تدقيق: عبد الرحمن داده
مراجعة: حسين جرود