الصحاري هي مناطق حارة عمومًا، بسبب الحرارة النوعية المنخفضة للرمال والصخور، وتنشأ نتيجةً لعوامل متعددة، منها مناطق الضغط الجوي المرتفع والقاريّة والتبريد الساحلي ومناطق ظل المطر، وهي عوامل سنتناولها في هذا المقال بالتفصيل.
تمثل الصحاري 20% من سطح الأرض
عندما نفكر في الصحراء، فإننا نفكر تلقائيًا في الحرارة والجفاف والقحط وندرة الحياة، لكن ليس هذا حقيقيًا دائمًا، في الواقع كثيرًا ما تكون الصحراء غنية بالحياة.
من المعلومات الشائعة أن الصحراء الأكبر في العالم هي الصحراء الكبرى Sahara Desert (تبلغ مساحتها أكثر من 9 ملايين كيلومتر مربع)، لكن هذه المعلومة ليست دقيقةً تمامًا؛ إذ إن الصحراء الكبرى هي أكبر صحراء (حارة) في العالم، أما أكبر صحراء باردة فهي القارة القطبية الجنوبية Antarctica (تبلغ مساحتها أكثر من 14 مليون كيلومتر مربع).
نعم، يوجد ما يُسمى الصحاري الباردة. توجد الصحراء عامةً في المناطق التي يبلغ معدل تساقط الأمطار فيها أقل من 50 سنتيمتر سنويًا، ما يعني أن درجة الحرارة ليست شرطًا للتصنيف.
أين نجد الصحاري؟
إذا سافرت 30 درجة شمال مدار السرطانTropic of Cancer ، أو 30 درجة جنوب مدار الجدي Tropic of Capricorn؛ أي ما يعرف بدوائر عرض الخيل Horse Latitudes، فستعثر على الصحاري، وإن وُجدت أكثر اليابسة في العالم في نصف الكرة الشمالي، وكذلك أكثر الصحاري. إذن ليست الصحاري مبعثرةً عشوائيًا حول العالم، لكنها تتواجد متقطعةً في حزامي دوائر عرض الخيل.
كيف تنشأ الصحاري ؟
تنشأ الصحاري، أو المناطق القاحلة عامةً، متأثرةً بأربعة عوامل:
أولًا: خلايا هادلي Hadley Cells، أو مناطق الضغط الجوي المرتفع
تتعامد أشعة الشمس عند خط الاستواء the equator، ما يعني تركز حرارة الشمس في هذا النطاق، ويؤدي ذلك إلى ارتفاع الهواء الساخن عن اليابسة والمسطحات المائية، وبما أن الهواء الساخن أقدر على الاحتفاظ بالرطوبة من الهواء البارد، ونظرًا لوجود مساحات كبيرة من مياه المحيط حول خط الاستواء، لا يحمل هذا الهواء الساخن المتصاعد الحرارة فحسب، بل يحمل بخار الماء أيضًا، وعندما يصعد الهواء الدافئ والرطب إلى طبقات الجو العليا الباردة، يبرد، فيتكاثف، وتهطل الأمطار في المناطق الاستوائية، ما يفسر وجود الغابات الاستوائية المطيرة عند خط الاستواء.
ثم ينتقل الهواء شمال وجنوب خط الاستواء بعد أن فقد أكثر رطوبته، أي في اتجاه مداري السرطان والجدي، وعندما يصل إلى دوائر عرض الخيل يصبح جافًا، يسبب هذا الجفاف -مع أنماط دوران الهواء المعقدة- وجود الصحاري، وتسمى هذه الظاهرة خلايا هادلي.
ثانيًا: القاريّة Continentality
يشير مصطلح القاريّة إلى وجود مساحة بين المحيط وبين المناطق الداخلية من القارات، وما لذلك من تأثيرات مناخية. عندما يتبخر الماء من المحيط ويتساقط المطر على اليابسة، تتلقى المناطق القريبة من المحيط أكثر الرطوبة، ويفقد الهواء أكثر رطوبته أثناء تحركه نحو المناطق الداخلية، ما يؤدي إلى وجود الصحاري في هذه المناطق البعيدة عن الساحل، نتيجةً لفقدان التيارات الهوائية أكثر رطوبتها بعد السفر لمسافات طويلة. نرى هذه الظاهرة غالبًا في الصحاري الأسيوية مثل صحراء جوبي Gobi وصحراء تكلا-ماكان Takla-Makan.
ثالثًا: التبريد الساحلي Coastal Cooling
قد تنشأ الصحاري نتيجةً لتبريد الهواء ثم إعادة تسخينه، إذ يحمل الهواء البارد -كما أسلفنا- رطوبةً أقل مما يحمله الهواء الدافئ، يحمل الهواء عند درجة حرارة 30 مئوية 30.4 غرام ماء لكل متر مكعب من الهواء (بفرض احتفاظه بالرطوبة بنسبة 100%)، لكن عندما تنخفض درجة حرارته من 30 درجة إلى 10 درجات مئوية، تنخفض الرطوبة إلى 9.4 غرام لكل متر مكعب، أي أن رطوبة الهواء تنخفض إلى 31%، ما يؤدي إلى جفاف هذه المنطقة ونشأة الصحراء فيها.
لكن كيف يبرد الهواء ثم يسخن مجددًا؟
عندما ينتقل الهواء من المناطق الساحلية (مثل باجا Baja في كاليفورنيا) أو مناطق ظل المطر (سنشرحها لاحقًا)، يكون الهواء باردًا، ثم ترتفع درجة حرارته فور انتقاله إلى المناطق الأعلى حرارةً، ما يسبب فقدان الهواء لرطوبته، وتكون الضباب.
رابعًا: مناطق ظل المطر Rain shadow area
حسب الاتجاه السائد للرياح في المناطق الجبلية، يكون أحد جانبي سلسة الجبال مواجهًا للرياح في حين لا يتعرض إليها الجانب الآخر، ما يؤدي إلى نشأة الصحراء في هذا الجانب، إذ يرتفع الهواء المحمل بالرطوبة عندما يصل إلى سلسلة الجبال، ثم يبرد ويتساقط المطر على الجانب المواجه للرياح، وبعد أن يجتاز الهواء الجبل ويصل إلى الجانب الآخر، ينحدر ويبدأ عملية التسخين، ويُصعِّب الهواء الساخن تشكل الغيوم، ما يؤدي إلى ندرة الأمطار ونشأة الصحاري. مثال ذلك وادي الموت Death Valley في أمريكا.
لماذا تكون الصحاري عادةً حارةً جدًا؟
ترتفع درجة حرارة المواد عندما تتعرض للتسخين، لكن باختلاف أنواع المادة يختلف سلوكها عند التعرض للحرارة. في الصحراء، يندر الماء وتكثر الرمال والصخور التي تسخن أسرع من الماء، أي أنها تختلف في الحرارة النوعية للمادة specific heat capacity (shc)، وهي خاصية فيزيائية تعني مقدار الحرارة الذي يجب أن تتعرض له المادة لترتفع درجة حرارتها بمقدار درجة مئوية واحدة. الحرارة النوعية للماء هي 4.19، وللرمال والصخور 0.8، لذلك تسخن الصحاري بسرعة أكبر من أي منطقة تحوي أو تجاور مسطحات مائية.
لماذا تكون الصحاري باردة ليلًا؟
غالبًا ما تنخفض درجات الحرارة في الصحراء ليلًا، مهما بلغت درجة حرارتها نهارًا، وهو أمر مثير للتساؤل، أن تصبح الصحراء الحارقة شديدة البرودة ليلًا! تفسير ذلك أنه مثلما تكتسب الرمال والصخور الحرارة سريعًا، تفقدها سريعًا أيضًا، لذلك تكون الصحراء حارة نهارًا وقت سطوع الشمس، لكن إذا غابت الشمس تفقد الصحاري حرارتها سريعًا وتصبح باردة.
من كل ذلك نستنتج أنه ليست الحرارة العالية ما يؤدي إلى تكون الصحراء، لكنه الجفاف الشديد، الذي قد يتمثل في قلة هطول الأمطار، أو الهواء قليل الرطوبة. يمكن أن تتحول المناطق الواقعة على جانب الجبل البعيد عن المطر، أو تلك البعيدة عن المسطحات المائية إلى صحراء تدريجيًا، شرط استقرار الظروف المناخية لفترة طويلة نسبيًا، وهو ما يُعَد أعجوبةً من أعاجيب الطبيعة.
اقرأ أيضًا:
الصحراء الكبرى: أكبر صحراء حارة على وجه الأرض، الجغرافيا، المناخ، والتنوع الحيوي فيها
أكبر أسرار أنتاركتيكا، القارة القطبية الجنوبية
ترجمة: أسامة ونوس
تدقيق: أكرم محيي الدين