يوجد الماء على كوكبنا في دورة مغلقة، ما يعني وجود كمية ثابتة منه، ولا يمكن تكوين المزيد من المياه. وتستمر الطبيعة بإعادة تدوير كمية المياه الموجودة على الكوكب، مع ذلك، فإن ما يلبي الاحتياجات البشرية من هذه الكمية الهائلة من مياه الكوكب، هو الجزء الضئيل من المياه العذبة الخالية من الملح وغير الملوثة.
تزود السلطات الحضرية والهيئات البلدية المدن بالمياه النظيفة لأنشطتنا اليومية، لكن في كثير من الأحيان، لا يكفي ما تقوم به. ففي الهند مثلًا، 70٪ من المياه السطحية ملوثة.
وتظهر مشكلة أخرى في هذا المجال وهي أنك إذا كنت تعيش في مبنى قديم به سباكة قديمة، فقد تتآكل الأنابيب من الداخل بفعل الصدأ والبكتيريا، ما يؤدي إلى تلويث المياه.
لذلك، وبناءً على البلد أو المنطقة التي تقيم فيها، قد ينتشر استخدام مرشّح مياه التناضح العكسي لضمان أنظف مياه ممكنة.
ما مرشح التناضح العكسي؟ وفيمَ يُستعمل؟
يعني التناضح العكسي تدفق جزيئات المُذيب -الماء في هذه الحالة- من خلال غشاء شبه نفّاذ انتقائيًا إلى منطقة أقل في تركيز الذائب (الأملاح مثلًا).
الغرض الرئيسي من مرشّح التناضح العكسي هو إزالة الكائنات الحية الدقيقة والمواد الصلبة الذائبة الموجودة في الماء. تشمل المواد الصلبة الذائبة المعادن والجزيئات العضوية الموجودة في الماء. بين هذه الجزيئات الصغيرة، قد توجد بعض المعادن النزرة -الشحيحة- المفيدة، لكن أكثرها غالبًا ملوثات سامة.
لا يُطبق التناضح العكسي في مرشحات المياه المنزلية فحسب، لكن أيضًا على نطاق أوسع بكثير في محطات معالجة مياه الصرف الصحي، ومحطات تحلية المياه، والنباتات التي تستخرج الملح من الماء، وتُستعمل هذه الطريقة أيضًا لجعل مياه البحر صالحة للشرب، وتتيح للسفن في البحر تنقية مياه البحر للحصول على مياه شرب عذبة.
آلية مرشح التناضح العكسي
إن إعداد مرشح كهذا بسيط للغاية. فيدخل الماء من أنابيب المبنى أو أي مصدر آخر إلى آلة التناضح العكسي ويمر عبر مرشح مبدئي، وهو مرشح يوضع قبل الغشاء شبه النفّاذ. وظيفة هذا المرشّح المبدئي هي تصفية جميع الجسيمات الكبيرة، مثل الرواسب والأوساخ والصدأ الذي قد يأتي عبر أنابيب الماء. هذا المرشّح رخيص نسبيًا ويزيد من العمر الإجمالي لمرشح التناضح العكسي.
بعد عبور المرشح الأولي، يصل الماء إلى الغشاء شبه النفّاذ، المعروف أيضًا باسم غشاء التناضح العكسي. وهو غشاء متعدد الطبقات مصمّم بعناية، مصنوع من البوليمرات مثل البولي أميد والسليلوز. يمكن تصنيع مادة البولي أميد، أو الحصول عليها من مصادر طبيعية، مثل الصوف والحرير. تُعد أغشية السليلوز هي الأقدم، إذ استُخدمت منذ عام 1955، لكن البولي أميد أكثر كفاءة.
تُستخدم مضخة ضغط لدفع الماء عبر غشاء التناضح العكسي. يبلغ حجم مسام غشاء التناضح العكسي أقل من 1 نانومتر، أي نحو 90 ألف مرة أقل من عرض شعرة الإنسان! تزيل هذه المرشّحات جميع الجراثيم الموجودة في الماء، إلى جانب المركبات الكيميائية الدقيقة الأخرى التي قد توجد فيه.
قد تحتوي بعض مرشحات التناضح العكسي أيضًا على مرشّحات ما بعد المعالجة، التي تعمل على تحسين مذاق الماء. إذ إن أحد الآثار الجانبية للتناضح العكسي هو أن مذاق الماء عادةً ما يكون أسوأ مقارنةً بالماء الداخل. ويرجع ذلك أساسًا إلى إزالة المعادن النزرة والعناصر الأخرى من الماء. عادةً ما تحتوي المياه العذبة الطبيعية على قدر من المياه المعدنية والعضوية، لذلك تطور البشر ليستسيغوا طعم هذا الخليط للتأقلم مع هذا التأثير الجانبي. قد يحتوي المرشح اللاحق على كرات معدنية تعمل انتقائيًا على تجديد المعادن الجيدة المفقودة في أثناء عملية التناضح العكسي.
المنتج النهائي الخارج من الفلتر هو مياه الشرب النظيفة الصالحة للشرب. إلى جانب ذلك، تترك النفايات والأوساخ الفلتر عبر وصلة خط أنابيب أخرى تذهب إلى الصرف.
.
مزايا مرشحات التناضح العكسي
مرشّحات التناضح العكسي هي أفضل مرشّحات مياه متاحة حاليًا، وهي أفضل من الخيارات التقليدية الأخرى.
تعمل أنظمة التناضح العكسي على ترشيح البكتيريا والفطريات والفيروسات جيدًا، إذ إن كثير منها مسؤول عن التسبب في أمراض الأمعاء الشائعة وغيرها من الاضطرابات الصحية. هذه الفلاتر فعالة أيضًا في إزالة المكونات الكيميائية السامة، مثل المعادن الثقيلة والأملاح الصلبة المختلفة. إن الماء الذي يترك نظام التناضح العكسي خالٍ من 97-98٪ من الأيونات الذائبة و99٪ من الجراثيم والملوثات الأخرى. تجعل قدرة الترشيح المحسّنة مرشحات التناضح العكسي أفضل بأشواط من مرشّحات المياه القياسية التي تستخدم الحرارة أو المواد الكيميائية أو الأشعة فوق البنفسجية لمعالجة المياه.
هذه التكنولوجيا أيضًا صديقة للبيئة تمامًا، فهي لا تخلّف الكثير من التلوث، ولا حاجة لاستعمال المواد الكيميائية في العملية.
من الشائع جدًا أن تدمج مرشحات التناضح العكسي تقنيات ترشيح إضافية، مثل المرشحات الأكثر كفاءة أو المتعددة. وقد تشمل نظام ترشيح إضافي مثل ضوء فوق البنفسجي مثبت. تطلق مصابيح الأشعة فوق البنفسجية المثبتة أشعة فوق البنفسجية، تقضي على جميع الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في الماء بإتلاف حمضها النووي.
عيوب مرشحات التناضح العكسي
للأسف، لا يخلو أي أمر جيّد من العيوب، فالعيب الرئيسي لمرشحات التناضح العكسي هو صعوبة الصيانة.
قد يحدث خلل في المضخّة يؤدي إلى انخفاض ضغط الماء، ما يعني أن تدفق المياه عبر غشاء التناضح العكسي سيكون بطيئًا جدًا. سيؤدي ذلك إلى زيادة الوقت الذي يستغرقه مرشح التناضح العكسي لتنقية المياه. وإذا لم تُنظف المرشّحات بانتظام، قد ينسد نظام التناضح العكسي وتتشكل أغشية حيوية بكتيرية داخل الجهاز، ما يؤدي إلى زيادة تلوث المياه القادمة من الأنابيب.
عيب آخر هو أن شرب مياه التناضح العكسي يؤدي إلى استنفاد المغذّيات الدقيقة. إذ إن المياه المرشحة بتقنية التناضح العكسي تكاد تخلو تمامًا من العناصر النزرة والمغذيات، فتتسرب العناصر النادرة كالمغنيسيوم والكالسيوم والنحاس والمنغنيز من الجسم. هذه العناصر ضرورية للعديد من وظائف التمثيل الغذائي في الجسم.
يشكل هذا بعض المخاطر الصحية، لكن يمكن تجنبه باتباع نظام غذائي صحي، ما يساهم في تأمين الجرعات المطلوبة من الفيتامينات والمعادن.
خاتمة
تؤدي التطورات التكنولوجية إلى طرق أفضل للحصول على المياه النظيفة، وهو أمر ضروري للغاية من أجل الحياة. يجب أن يحصل كل إنسان على مياه شرب نظيفة، ونأمل أن تكون مرشحات التناضح العكسي إحدى الطرق لضمان ذلك، مع انخفاض السعر.
تُستخدم تقنية التناضح العكسي حاليًا في جميع أنحاء العالم لتصفية مياه الصرف الصحي ومياه الصنبور ومياه البحر. تركّز الأبحاث في هذا المجال أساسًا على تحسين استدامة مرشحات التناضح العكسي، بتقليل متطلبات الطاقة وتحسين متانة أغشية التناضح العكسي.
اقرأ أيضًا:
احذروا عبوات الرضاعة البلاستيكية، فهي مصدر لملايين الجزيئات الضارة التي قد يشربها الأطفال يوميًا
نقرأ عبارة ماء نقي في كل مكان، فهل له وجود حقًا؟
ترجمة: أناغيم أبو خضور
تدقيق: جورج حلبي
مراجعة: أكرم محيي الدين