أسوأ شئ قد يحصل لك على متن سفينة في وسط المحيط هو دخول الماء للسفينة وجعلها تغوص.
لكن إذا كنت على متن غواصة، سيكون الغوص مطلبك الأساسي!
علي عكس السُفن التي تهتز وتميل بينما تصارع الأمواج، تنزلق الغواصات بسرعة وهدوء خلال المياه الهادئة في الأعماق.
إنها آلات عسكرية خفيفة، خبيثة، وبإمكانها أن تظل مغمورة لأسابيع أو حتى أشهر في كل مرة.
دعونا نُلقي نظرة حول كيفية عملها!
ما هي الغواصات؟
المحيطات أكثر اضطرابًا حيثما تتقابل الرياح بالمياه، أي على سطحها.
الأمواج المتسابقة عبر البحر علامة على وجود طاقة، منقولة بالأصل من الشمس ومُحفزة من الرياح، تتسابق من جهة في الكوكب إلى الأخرى.
تخوض السفن وتترنح عبر البحار العاتية التي لا تعوم فيها أي أسماك.
تستغل السفن الشراعية الرياح جيدًا، إذ تسخر هبوب الرياح بفاعلية لتكون قوة دفع جيدة.
بينما تبقي السفن العاملة بمحركات الديزل (Diesel Powered Ships) على سطح المياه لسبب مختلف: إذ تحتاج محركاتها لإمدادات مستمرة من الأوكسجين لحرق الوقود.
نظريًا، سيكون من الأسهل للسفن أن تعوم تحت الأمواج حيث المياه أهدأ وتضع مقاومة أقل؛ عمليًا، ستنشأ سلسلة من المشاكل.
إذا جربت رياضة الغطس الحر أو الغطس السطحي، ستعلم أن الحياة تحت المياه مختلفة تمامًا عن الحياة علي السطح.
فالمكان مظلم وتصعب الرؤية فيه، لايوجد هواء للتنفس، وضغط المياه الشديد يُصعّب من كل شيء.
الغواصة هي قطعة هندسية بارعة صُممت لتحمل الناس بأمان خلال تلك البيئة الصعبة.
بالرغم من أنها بالأساس مصممة لأغراض عسكرية، كما أن أكبر الغواصات لا زالت تٌبنى لصالح أسلحة البحرية، تعمل بعض الغواصات الأصغر كخلايا بحثية علمية (Scientific Research Vessels).
الكثير منها من الطراز المصغر (Submersibles)، وهي غواصات صغيرة بلا محركات تسع لشخص أو اثنين، مرفقة بسفن البحث العلمي.
أجزاء الغواصة
الفكرة الأساسية للغواصات بعيداً عن التطورات التكنولوجية ، الغواصة يو اس اس هولاند (USS Holland) أول غواصة أمريكية . الصورة بإذن من المركز التاريخي البحري
حجرة الضغط
المياه الضاغطة إلى الداخل تشكل أكبر المشاكل لأي شخص يريد أن يُعمِّق تحت سطح المحيط.
حتى مع خزانات للتنفس، يمكننا الغطس عميقًا لكن الضغط المتزايد سيجعل من المستحيل التنفس.
في عمق 600 متر، أعمق نقطة يمكن للغواصة الوصول إليها، ضغط المياه أعلى بمقدار 60 مرة عن السطح!
كيف تتحمل الغواصات تلك الظروف بينما لا يتحملها الإنسان؟ هيكل السفينة العادية عبارة عن هيكل معدني عازل للمياه.
في حين تمتلك أغلب الغواصات هيكلين، أحدهما بداخل الآخر.
أقوى الغواصات لديها هياكل مصنوعة من الحديد المُقوّي أو التيتانيوم.
أجنحة الغطس
أجنحة الغطس في الناحية الأخري من برج الغواصة ، الغواصة يو اس اس إيموري .
إس لاند لجاؤيد ألدابي (Jared Aldape) ، بإذن من البحرية الأمريكية
مثلما تملك القروش زعانف تساعدها على الغطس والسباحة، كذلك الغواصات لديها زعانف تُسمى بأجنحة الغطس أو الأجنحة المائية.
تعمل مثل الأجنحة وأسطح التحكم (أجنحة الدوران – Swiveling Flaps) المتواجدة في الطائرات، إذ تخلق قوةً رأسية تُدعى قوة الرفع.
خاصية الطفو (Buoyancy) تعبر عن ميل الجسم للغرق، الارتفاع، أو الطفو في عمقٍ معين.
أثناء وجودها تحت الماء، تكون الغواصة سالبة الطفو (Negatively Buoyant)، ما يعني أنها تميل للغرق، متروكة لأجهزتها، إذا لم تكن تتحرك.
لكن مع دفع مراوح الغواصة إلى الأمام، تتسارع المياه علي الأجنحة، خالقةً قوة رأسية تسمى بالرفع، والتي تساعدها على البقاء على نفس العمق، مسببة حالة الطفو المحايد (Neutral Buoyancy) أي أنها تطفو.
يمكن إمالة الأجنحة لتغيير قوة الرفع، وبالتالي التحكم في صعود وهبوط الغواصة خلال البحر، على حسب الحاجة.
تعزز الأجنحة أكثر تحكم الغواصة في مدى العمق أغلب الوقت.
ويعتمد مقدار الرفع الذي تنتجه على الزاوية المُمالة إليها وعلى سرعة الغواصة (مثلما يعتمد الرفع الذي تصدره أجنحة الطائرة على سرعتها و على زاوية الهجوم Angle Of Attack) .
خزانات الثقل
توجد مساحات بين الهيكلين يمكن ملؤها بالهواء أو بالماء.
تسمى تلك المساحات بخزانات الثقل، وتستخدم بالإضافة لأجنحة الغطس لإعطاء تحكم إضافي في طفوها، خصوصًا في بداية عملية الغطس أو أثناء صعودها من الأعماق إلى السطح.
الخزانات التي في المقدمة (معروفة بالخزانات التقليمية – Trim Tanks) عادةً ما يتم ملئها بالماء أو الهواء أولًا، فتغوص أوتطفو مقدمة الغواصة قبل مؤخرتها.
خزانات الثقل يمكنها أيضًا المساعدة على تعويم الغواصة في الحالات الطارئة.
المحركات
تحتاج محركات البنزبن ومحركات الديزل المستخدمة في السيارات والشاحنات، وكذلك المحركات النفاثة المستخدمة في الطائرات، إلى الأوكسيجين من الهواء لكي تعمل.
يختلف الأمر في الغواصات، التي تعمل في الأعماق السحيقة حيث لايوجد هواء.
أغلب الغواصات عدا النووية تستخدم محركين، أحدهما يعمل بالكهرباء والآخر يعمل بالديزل.
تعمل محركات الديزل عندما تكون الغواصة قريبة من السطح لكنها لا تشغل محركات الدفع مباشرة.
بدلًا عن ذلك، فإنها تشغل مولدات كهربائية تشحن بطاريات عملاقة.
تلك البطاريات تشغل المحرك الكهربائي والذي بدوره يشغل محركات الدفع.
حالما يتم شحن البطاريات بواسطة محرك الديزل، يمكن للغواصة أن تطفئ المحرك وتغوص إلى الأعماق، حيث تعتمد كليًا علي البطاريات لتشغيل المحرك الكهربائي.
استخدمت الغواصات العسكرية القديمة أنابيب تنفس لتغذي محركاتها بالهواء من سطح الماء، لكن هذا كان يعني أنهم كانوا على مقربة من السطح وأنهم عرضة للهجمات الجوية.
تعمل أغلب الغواصات العسكرية الضخمة الموجودة الآن بالطاقة النووية.
كمحطات الطاقة النووية، لديها مفاعلات نووية صغيرة، لا تحتاج للهواء لتشغيلها، بإمكانها إنتاج الطاقة لتشغيل المحركات الكهربائية سواءً كانوا على السطح أو في الأعماق.
البرج
تتخذ الغواصات شكل السيجار (Cigar) لكي تنساب بسهولة في المياه.
لكن يوجد في منتصفها برجٌ طويل مملوء بمعدات الملاحة وغيرها.
في بعض الأحيان تُعرف ببرج التحكم – Conning Tower (لأنها، تاريخيًا، احتوت علي أدوات تحكم الغواصة – Controls)، تسمى أيضًا ببساطة بالبرج أو الشراع.
نظم الملاحة
لايمر الضوء جيدًا خلال الماء، لذا تزداد الظلمة أكثر فأكثر مع ازدياد العمق.
في أغلب الأوقات، لا يرى قائدو الغواصة أين يذهبون تحديدًا! تحتوي الغواصات علي مناظير أفقية (Periscopes)، لكن تقتصر أهميتها على السطح فقط أو تحته قليلًا.
تتنقل الغواصة باستخدام مجموعة من المعدات الإلكترونية.
كبداية، يوجد بها نظام تحديد المواقع (GPS) للتنقل بمساعدة الأقمار الصناعية، والذي يعتمد على الأقمار الصناعية لتحديد موقع الغواصة.
يوجد أيضًا نظام سونار (SONAR)، وهو نظام يشبه الرادار، يرسل نبضات صوتية عبر البحار ويستمع لصدى الصوت المنعكس عن قاع المحيط أو الغواصات القريبة.
نظام ملاحي هام آخر على متن الغواصة وهو التوجيه بالقصور الذاتي (Inertial Guidance).
طريقة تعتمد على استخدام منظار تحديد الإتجاهات (Gyroscopes) لمتابعة مدى بعد الغواصة عن نقطة البداية، وفي أي اتجاه، دون الحاجة لأي معلومات خارجية.
التوجيه بالقصور الذاتي دقيق لمدة محدودة (حوالي 10 أيام)، وأحيانًا قد يحتاج لأن يتم تصحيحه باستخدام البيانات من نظم الملاحة الأخرى.
نظم دعم الحياة
تحوي الغواصات العسكرية الكبيرة العشرات من البشر علي متنها.
كيف يأكلون، ينامون، ويتنفسون، بينما هم مدفونون في البحار العميقة، في المياه المتجمدة، لأشهر على التوالي؟ تعتبر الغواصات بيئة كاملة محصنة؛ إذ يولد المحرك النووي الدفء والكهرباء، وتُشغل الكهرباء كل نظم دعم الحياة التي يحتاجها طاقم الغواصة.
فهي تصنع الأوكسجين لتساعد الطاقم علي التنفس عبر التحليل الكهربائي للمياه يتم فصل الجزيئات المياه كيميائيًا (تحول جزيئات H2O إلى H2 و O2)، و تنظف الهواء من ثاني أكسيد الكربون (CO2) غير المرغوب فيه.
تستطيع الغواصات أيضًا أن تصنع ماءً صالحًا للشرب من مياه البحر بإزالة الملح منها كهربائيًا.
تُكبس المخلفات في علب معدنية، وتطرد عبر نظام قفل هوائي Airlock System (وهو مخرج مانع للماء يوجد في هيكل الغواصة)، وتترك في قاع البحر.
من هو مخترع أول غواصة ؟
1620 : بني رجل إنجليزي يُدعي كورنيليس دريبل (Cornelis Drebble) أول غواصة عن طريق عزل قارب خشبي بيضاوي الشكل مُغطى بالجلد والشمع.
العلماء ليسوا متأكدين ما إن كان قارب كورنيليس قد أبحر قط.
1776 : أثناء الثورة الأمريكية، بنى دفيد بشنيل (David Bushnell) غواصة تعمل بطاقة اليد تتسع لفرد واحد سماها ذا ترتل (The Turtle) لتهاجم السفن البريطانية.
1800 : صمم مهندس القوى البخارية روبرت فلتون (Robert Fulton) سفينة قابلة للتحول ذات أشرع قابلة للطي والتي بإمكانها أن تتحول لغواصة للتنقل تحت الماء.
1900 : أطلقت البحرية الأمريكية أول غواصة لها على الإطلاق، يو اس اس هولاند (USS Holland)، نسبة لمخترعها الأمريكي ذو الأصول الأيرلندية جون هولاند (John Holland)، بالرغم من عرضه للغواصات على البحرية قبلها بعدة سنين، لكنها لم تكن تعطي اهتمامًا بها في البداية.
1914 – 1918 : خلال الحرب العالمية الأولى، أدارت البحرية الألمانية أسطولًا من الغواصات العسكرية عالية الفاعلية سُميت باليو بوتس (U-Boats) اختصارًا لكلمة Unterseeboot ، وتعني السفن الغاطسة.
في ثلاثينيات القرن العشرين، بدأ الألمان في استخدام أنابيب الهواء (المُخترعة من قبل مهندس هولندي) لتزويد محركات الديزل والكهرباء بالهواء، مُعطيةً إياها مدىً وفاعلية أكبر.
1955 : أطلقت البحرية الأمريكية أولى الغواصات النووية وهي يو اس اس نوسيليس (USS Nautilus).
1968 : أطلق الاتحاد السوفييتي (روسيا وحلفائها السابقون) الغواصة كي-162 (K-162)، أول غواصة بهيكل من التيتانيوم والأسرع في العالم.
1969 : أطلق السوفييت أولى غواصاتهم النووية ذات الهيكل المصنوع من التيتانيوم، السريعة، والملساء: ألفا كلاس (Alfa Class).
العقد الأخير من القرن العشرين (1990’s): استخدمت الغواصات النووية، والتي أصبحت زائدة بانتهاء الحرب الباردة، في بحوث علوم المحيطات والمناخ في القطب الشمالي في المشروع المُسمي بـ Science Ice Exchange (SCICEX) .
- ترجمة : ماريو جورج سامي
- تدقيق: أحمد اليماني
- تحرير: ناجية الأحمد
- المصدر