كيف تعمل الساعة الذرية؟
ضبط الوقت يمكن أن يكون بسيطاً، الحيلة تعتمد على عد الفترات الفاصلة من شيء ما يحدث مراراً وتكراراً مع أقل قدر ممكن من الاختلاف. فمثلاً، النواس المتأرجح، يتأرجح بشكل دوري يعادل تقريباً الثانية، وهي وحدة ضبط الوقت الأساسية المعروفة التي تُشكل الدقائق والساعات.
ولكن حتى أفضل النواسات الميكانيكية والساعات المعتمدة على الكريستالات المتكونة من الكوارتز من شأنها أن تطور تناقضات أو فواصل زمنية مختلفة إلى حد معيّن، بالتالي نخسر الدقة في حساب هذه الفواصل. الطريقة الأفضل لضبط الوقت هي “الاهتزاز” الطبيعي والمحدد في ذرة متنشطة.
عندما تتعرض تلك الذرة لترددات معينة من الإشعاع، مثل الموجات الراديوية، فإن الجسيمات دون الذرية التي تُسمى الإلكترونات والتي تدور حول نواة الذرة ستقفز ذهابًا وإيابًا بين المستويات (الحالات) الطاقية. إن الساعات التي تعمل بناءً على هذا القفز داخل الذرات من شأنها أن توفر وسيلة دقيقة للغاية لعد الثواني.
إنه ليس بالأمر المُفاجئ أبدًا أن المعيار الدولي لمدة الثانية الواحدة يقوم على الذرات، فمنذ عام 1967، حُدِّدَ التعريف الرسمي للثانية بمدة 9192631770 دورة من الإشعاع المنبعث نتيجة انتقال إليكترون بين مستويين طاقيين محدَدين في ذرة السيزيوم-133.
داخل ساعة سيزيوم ذرية، يتم تحريك ذرات السيزيوم خلال إنبوب قِمعي حيث تمر خلال موجات راديوية بتردد معين، فإذا كان هذا التردد هو بالضبط 9192631770 دورة في الثانية فإن ذرات السيزيوم “تطن” وتُغير مستوى الطاقة الخاص بها.
بعد ذلك يقوم كاشف في نهاية الإنبوب بتتبع عدد ذرات السيزيوم التي وصلت إليه والتي قد تغير مستوى الطاقة الخاص بها. كلما كان تردد الموجات الراديوية مضبوطًا على 9192631770 دورة في الثانية الواحدة، كلما زاد عدد ذرات السيزيوم التي تصل إلى المكشاف.
يُلقم الكاشف المعلومات مرة أخرى إلى مُولد الموجات راديوية، الذي بدوره يُزامن ويضبط تردد الموجات الراديوية مع العدد الأقصى من ذرات السيزيوم التي تصطدم بالكاشف. ويكون هنالك إلكترونيات أُخرى في الساعة الذرية تحصي هذا التردد، وكما هو الحال مع تأرجح واحد من النواس الميكانيكي، فدقة الثانية الواحدة تتحدد عندمت يتم عد (حدوث) هذا التردد.
هذا وإن الساعات الذرية الجيدة الأولى التي صُنِعت في خمسينيات القرن العشرين كانت قد قامت على عنصر السيزيوم، مثل تلك الساعات جعلت الوقت بالغ الدقة، وهي لا تزال الأساس المستخدم للحفاظ على الوقت الرسمي في جميع أنحاء العالم حتى الآن.
تم الاحتفاظ بأجود الساعات في الولايات المتحدة الأمريكية في المعاهد الوطنية للمعايير والتكنولوجيا (NIST) في بولدر – كولورادو، ومرصد البحرية الأمريكية (USNO) في العاصمة واشنطن.
يمكن لساعة السيزيوم الذرية NIST-F1 أن تُنتج تردد دقيق للغاية بحيث يكون المعدل اليومي للخطأ بها حوالي 0.03 نانو ثانية تقريبًا، الأمر الذي يعني أن الساعة سوف تفقد ثانية واحدة بعد مدة تبلغ مائة مليون سنة.
إن ضبط الوقت الفائق الدقة هو جزء أساسي من العديد من ملامح الحياة الحديثة، مثل الاتصالات الإلكترونية عالية السرعة، والشبكات الكهربائية ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وطبعا معرفة وقت برنامجك المفضل في التليفزيون!
إعداد: مريم خالد
تدقيق: الياس سعود
المصدر