حلقت مركبة ناسا «نيو هورايزونز» في الفضاء بدفعة من بلوتو لتكمل رحلتها لما بعد النظام الشمسي، مقتربة شيئًا فشيئًا من حزام كايبر، وشهدنا مؤخرًا صورًا عالية الدقة للكوكب القزم جليدي السطح مأخوذة بعدسة المركبة الاستطلاعية طويلة المدى والمسماة «لوري»، وهي واحدة من أصل سبع أدوات تشكل مجتمعة حمولة المركبة العلمية التي جمعت البيانات خلال رحلتها على طول المسافة القريبة من بلوتو والتي تعادل 7800 ميل، وكانت تلك الصور في بعض الحالات بمثابة المقبلات لما سوف يأتي من بعدها من كم هائل.
وستنقل لنا المركبة المزيد عن بنية الغلاف الجوي لبلوتو، بالإضافة إلى معلومات عن جيولوجية سطح الكوكب والتفاعل بينه وبين الرياح الشمسية، وستكشف أيضًا عن ماهية المواد المغادرة لغلاف الكوكب الجوي، والحبيبات الرملية الناتجة عن التصادمات بين الكويكبات وحزام كايبر.
وجمعت نيو هوراينز كمية هائلة من البيانات -خزنت على قرصين صلبين مساحة كل منهما 32 جيجا- ستصل إلى كوكب الأرض في غضون 16 شهرًا.
ولكن لماذا تستغرق هذه البيانات وقتًا طويلًا لتصل إلينا؟ فكر لوهلة بالمسافة التي يتعين قطعها والبالغة 3 مليارات ميل، فضلًا عن أنه لو انتقلت بسرعة الضوء، لاحتاجت الصورة الواحدة أربع ساعات ونصف الساعة لتصل إلينا.
ويجب أن لا ننسى التحدي الكامن في تغير معدل البيانات، إذ يقول «كريس ديبوي» مهندس الاتصالات ضمن فريق نيو هورايزنز، بأنه بالتقاط المركبة للبيانات، تنتقل البيانات إلى مسجل بيانات صلب الحالة -مشابه لذاكرة التخزين الموجودة في الكاميرا الرقمية- فتنضغط فيها، وتغير صيغتها، ومن ثم تنتقل إلى الأرض عبر نظام اتصالات المركبة الراديوي المتمثل في هوائي يصل طوله إلى 2.1 متر، ويملك الهوائي قدرة إنتاجية تعادل 12 واط، ويستقبل إشارة من الأرض تقدر بواحد مقسم على مليون مليار جزء من الوات، واضعين بعين الاعتبار طول المسافة وضعف الإشارة، كما أن خط الاتصال مع نيو هورايزنز «داونلينك» منخفض السرعة نسبيًا، خصوصًا عند مقارنته مع خطوطٍ إنترنت سريعة موجودة حاليًا تنقل البيانات بسرعة 100 ميجابيت في الثانية، علمًا بأن معدل البيانات التي تنقلها مركبة نيو هورايزونز يقدر بحوالي 1 إلى 2 كيلو بايت في الثانية.
يضيف كريس ديبوي قائلًا: «تغطية هذا القدر الشاسع من المسافات يكلفنا تخفيضًا في معدل البيانات.»
إن مركبة نيوهورايزونز تعمل كالحواسيب أرضية بلغة الصفر والواحد المشفرة لتنقل خلالها عبر الفضاء موجات راديوية منخفضة التردد.
تصل هذه الإشارة ضعيفة للغاية يتعذر على ناسا تلقيها دون الاستعانة بلاقط كبير الحجم، ويشكل هذا اللاقط جزءًا من شبكة ديب سبيس التابعة لناسا.
يقول كريس: «إن البيانات المشفرة بالصفر والواحد المسافرة لمليارات الأميال صغيرة جدًا ما يجعل الإشارة تنتشر، إلى أن تصل للأرض على شكل همسات، لكن يحمل نظام ديب سبيس على عاتقه التقاط هذه الهمسات، حتى يحولها إلى معلومات حقيقية.»
وتُرسل البيانات المستقبلة من شبكة ديب سبيس إلى مركز تشغيل مهمة نيوهورايزونز، وهناك تفرغ حقيبة البيانات وتخزن، ومن ثم تنقح وتوضع في أرشيف يومي كبير، لتصبح بعدها سليمة وجاهزة لكن عقيمة؛ إذ يستلزم إعداد الصور واستخلاص المعلومات العلمية فك تشفيرها وتجميع أجزائها.
ويؤكد كريس على أن الصور التي التقطتها المركبة هي صور مشفرة برموز نقلٍ خاصة، لذا تستغرق عملية كشفها تدريجيًا وتفسيرها وتجميعها نحو16 شهرًا.
يختتم كريس قائلًا: «كانت لحظة تاريخية عندما تلقينا الإشارة وتأكدنا بأن المركبة نجت.
أما الآن يقع على عاتقنا استخلاص البيانات التي ترد إلينا تدريجيًا، فنحن في طريقنا لاكتشاف الكثير.»
ترجمة: قصي أبوشامة
تدقيق: الاء أبو شحوت
تحرير:عيسى هزيم
المصدر