على الرغم من أنّنا نعلم الأن أنّ الطيور تطوّرت من فرعٍ من شجرة عائلة الديناصورات ، ظلّت مسألة التكيّف الحاسم على الطيران لغزاً لعلماء البيولوجيا التطورية ، خلال ملايين السنين التي مضت تغير شكل المعصمين ،فبدلاً من الشكل المستقيم أصبح شكلهم منحني ومرن جداً بشكلٍ يسمح للطيور بطي أجنحتها بجهةٍ معاكسةٍ لأجسادهم أثناء عدم طيرانها.
مسألة كيف حدث هذا كانت مَوضع نقاشات كثيرة ، مع وجود خلافٍ كبيرٍ بين علماء البيولوجيا التطورية الذين يدرسون كيف تتطور أجنحة الطيور أثناء النمو الجنيني ، وبين علماء الحفريات الذين يدرسون عظام الديناصورات والطيور البدائية.
تمّ تقديم حلٍ لهذه المعضلة في دراسةٍ مثيرةٍ نُشرت فى يوم 30 سبتمر فى PLOS Biology.
الشىء الكامن وراء هذا التحوّل التطوري المُميز هو تناقص عدد عظام المعصم إلى النصف، ولكن علماء البيولوجيا التطورية وعلماء الحفريات لديهم أسماء مختلفة بالنسبة لمعظم هذه العظام ، ونادراً ما يتم التوافق على الأشياء المشتركة بين عظام الديناصورات المعينة وبين عظام الطيور المنحدرة منهم فيما بينهم.
فى الواقع كلّ مجموعة من العلماء لديها مصادر بيانات مختلفة جذرياً ، وأيضاً الأساليب مُختلفة وأهداف بحثية مُختلفة ، و قليلاً ما يتعاونون مع بعضهم.
دراسة جديدة قامت بجمع كلّ الخيوط والأدلة من دراستين باستخدام نهجٍ متعدد التخصصات.
في المختبر الذي يُديره Alexander Vargas فى جامعة تشيلى أُعيد النظر فى مجموعة من أحافير المتاحف ، بينما فى نفس الوقت تمّ جمعُ معلومات جديدة عن نمو و تطوّر سبعة أنواع مختلفة من الطيور الحديثة.
Joao Botelho وهو طالب برازيلي فى المختبر ، طوّر تقنيةً جديدةً تسمح له بدراسة بروتينات مُعينة فى هياكل عظمية جنينية ثلاثية الأبعاد.
من خلال جمع هذه المعلومات من كلّ من الحفريات والأجنة ، تقدّم فريق البحث خطوة كبيرة إلى الأمام فى توضيح كيف تطوّر معصم الطيور.
ملكت الديناصورات البدائية تسع عظام في معصمها بينما الطيور الحالية أبقت على أربع عظام في المعصم خلال رحلتها التطوّرية لكن السؤال هنا أيٌّ من العظام التسعة الأصلية هي هذه العظام الأربعة؟؟
البروفسور في جامعة ييال John Ostrom أشار إلى نقطة مهمة عام 1970 أنّ كلًّ من الطيور والديناصورات التى تشبه الطيور لديهم عظمة متشابهة جداً ، وهو عبارة عن عظمة هلالية وتدعى “semilunate” ، و هذه العظمة نتجت عن اندماج اثنتين من العظام الموجودة فى الديناصورات.
هذه النقطة شكّلت جزءاً مهماً من فرضية Ostrom المثيرة بالجدل و التي تقول بأنّ الطيور تنحدر من الديناصورات ، لكن فشل علماء البيولوجيا التطوّرية في إثبات هذا الإدعاء أو حتى إثبات إنها العظمة نفسها أثارَ شكوكاً كبيرة حول انحدار الطيور من الديناصورات.
البيانات الجديدة التى حصل عليها مُختبر Vargas قد كشفت دليلين تطوّرين ، الأول أنّ عظمة semilunate لدى الطيور تشكّلت نتيجة اندماج إثنتين من عظام الديناصورات.
الثاني أنّ العظمة الثانية وهى العظمة “الحمصية” (تشبه الحُمص) أو pisiform قد فُقدت و اضمحلّت فى الديناصورات الشبية بالطيور ، ولكن بعد ذلك اكتسبتها الطيور فى مراحل تطورها الأولى ، على الأغلب كتكيّفٍ على الطيران حيث إنها تتيح إنتقال القوة لإنخفاض الجناحين أثناء الطيران downstroke ، وبينما تَحدُ من المرونة إرتفاع الجناحين أثناء الطيران upstroke.
بجمع هذه البيانات من المجالين التطوّري والأحفوري ، يتوفر للعلماء سيناريو لحالة نادرة من التطوّر و هي الانعكاس التطوّري (عودة نمو عضو مُضمحل في هذه الحالة)
كما قامت هذه الدراسة التي تمّت فى مختبر Vargas بتحديد هويّة العظمتين الأخريات في معصم الطيور و التي أخطأ العلماء في تحديدها في كلا المجالين.
هذا الأمر يؤكد على سلبية عدم دمج البيانات بين مختلف العلوم و هذا الموضوع أوضح بالنسبة لعلم الفلك والفيزياء التجريبية حيث يتعلق الأمر بعلم الكونيات ، كما أنّه عند التعاون بين علم الحفريات و علم التنمية يمكن للعلماء أن يقدموا أقرب قصة للحقيقة عن التطور.
هذا النهج المتكامل يحلُّ التباينات و الاختلافات السابقة التي أثارت الشكوك حول إرتباط الديناصورات بالطيور و يكشف بعض العمليات غير المعروفة سابقاً مثل فقدان العظام و اندماج أو انصهار العظام و إعادة تطوّر العظام المُضمحلة.
مراجعة و تعديل : راوان خاشوق [/author] [divider]