كيف تتخذ أدمغتنا القرارات التي تحتاج إلى مجازفة؟
دراسة جديدة تسلط الضوء على مايحدث داخل رؤوسنا عندما نقرر أن نخاطر أو نجازف، أو نقوم بخطوات أمينة، حدّد علماء من كلية الطب في جامعة واشنطن منطقة في الدماغ تشترك في القرارات المتخذة تحت ظروف الشك، وعرّفوا بعض الخلايا المشتركة في عملية صنع القرار.
هذا العمل نشر في يوم 27 تموز الماضي في مجلة علوم الأعصاب، والذي قد يقودنا إلى علاجات للاضطرابات النفسية والعقلية التي من ضمنها الحكم الخاطئ في المجازفة واتخاذ القرار غير المناسب، مثل مشاكل لعب القمار واضطرابات القلق.
قال ايليا مونسوف (Ilya Monosov) مساعد بروفيسور في علوم الأعصاب والمسؤول عن هذه الدراسة: «نعلم من خلال دراسات التصوير البشري أن مناطق محددة من الدماغ تكون أقل أو أكثر فعالية في الأشخاص الباحثين عن المجازفة، لكن الدوائر العصبية المشتركة بصورة عامة غير معروفة»، وأضاف: «وجدنا مجموعة من الخلايا العصبية قيّمة الترميز التي كُبتت على وجه التحديد حينما يتخذ الحيوان قرارًا بالمجازفة».
الخلايا العصبية قيّمة الترميز هي الخلايا التي حينما تكون فعالة تعكس أهمية المحفز (عنصر يشارك في التحفيز وينبه الخلايا العصبية)، في هذه الدراسة كلما أعطينا للقرود كمية أكبر من العصائر (محفز)؛ حصلنا على استجابة عصبية أكبر، مع ذلك بوقت قصير قبل أن يتم اتخاذ قرار بالمخاطرة فإن هذه الخلايا العصبية كبتت.
وجد الباحثون أيضًا مجموعة منفصلة من الخلايا العصبية التي تسجل معلومات حول عدم التأكد بعد القرار، وقبل الحصول على نتائج المجازفة.
في كل يوم من حياتنا، علينا الاختيار بين خيار آمن وآخر أفضل لكنه أكثر خطورة، هل تفضل البقاء في وظيفة أمينة أو أن تستقيل لبدء عملك الخاص بك؟ هل تحتفظ بدولارين في جيبك أم تستخدمها لشراء بطاقة اليانصيب؟
حينما يُخفق نظام تقييم المجازفة، بإمكانه ترك صدمة عنيفة على حياة الأشخاص، عدم التكيف مع سلوكيات المخاطرة هو ميزة المقامرة القهرية، والاضطراب الثنائي القطب واضطراب قصور الانتباه، وفرط الحركة كذلك، وعلى الجانب الآخر فإن الاشخاص الذين يعانون من القلق يخطئون كثيرًا من جانب الحذر.
لدراسة الدوائر العصبية الخاصة بأخذ المجازفة، قام مونوسوف وزملاؤه بتخيير قرود الريسس (أدمغتها تشابه تركيبة أدمغتنا بدرجة كبيرة) بين كمية قليلة من العصير أو فرصة 50-50 للحصول على كمية أكبر أو عدم الحصول على أي شيء، بالإضافة إلى أنه كمية العصير التي سيحصلون عليها في كلا الحالتين نفس الكمية لكن أحد الخيارات آمن والآخر يتطلب المجازفة.
يبدو أنه قردة الريسس تحب العيش مع الأثارة، حيث اختاروا خيار المجازفة بعدد مرات أكبر من اختيارهم للخيار الآمن، حيث لاحظ الباحثون أن الخلايا العصبية قيّمة الترميز في جزء من الدماغ يدعى الشاحبة البطنية تم كبتها بطريقة منتخبة حينما اختار القرود خيار المجازفة بدلًا عن الخيار الآمن، الشاحبة البطنية تلعب دورًا مهمًا في السيطرة على مستويات الدوبامين (جزيء ينقل الإشارات بين الخلايا العصبية يجعلنا في مزاج جيد).
وبحسب قول مونوسوف: « تقوم الشاحبة البطنية بتثبيط الخلايا العصبية الناقلة للدوبامين، وكبت هذه المنطقة أثناء سلوك المجازفة ربما يزيد من إطلاق الدوبامين».
ربما تتطابق نتائج هذه الدراسة مع المشاهدات التي تظهر زيادة في سلوك المجازفة بين الأشخاص الذين يتعاطون العلاجات التي تزيد من إطلاق الدوبامين مثل (مستخدمي الميثامفيتامين ومرضى باركنسون الذين يتعاطون مركب ليفودوبا (L-dopa).
وجدت الدراسة أيضًا خلايا عصبية بالقرب من الجزء القاعدي الوسطي للدماغ الأمامي، تكون أكثر فعالية بعدما تقوم القردة بأخذ قرار المجازفة، لكن قبل الحصول على نتائج قرارهم بالحصول على العصير أو عدم الحصول عليه، ذلك الجزء من الدماغ يوفر مدخلات إلى شبكة واسعة من مناطق الدماغ الأساسية التي تشترك في التعلم والذاكرة.
تزويد الجزء القاعدي الوسطي من الدماغ الأمامي بعدم التأكد ربما يعزز أو يؤثر في عملية التعلم، على كل حال ذلك سيبقى في محل التجربة.
يدرس مونوسوف الآن احتمالية الإطفاء المؤقت للشاحبة البطنية والجزء القاعدي الوسطي من الدماغ الأمامي بالمعاملة بعلاجات مخصصة؛ تؤثر على تفضيلات القردة للمخاطرة واستراتيجيات القردة في التعلم.
قال مونوسوف: «ليس هنالك تشريحيًا علاجات مخصصة للاضطرابات العقلية المرتبطة مع الخطأ الناتج عن المخاطرة، مثل لعب القمار المَرضي والقلق، نعلم الآن أين يقع عدم التأكد في الدماغ، بإمكاننا البدء الآن للبحث عن طرق من أجل تحويره».
ترجمة : حسام عبدالله
تدقيق: دانه أبو فرحة
المصدر