عادة ما توصف المشاحنات الحزبية في السياسة الأمريكية بأنها مزعجة، لكن ما يزيد الأمر سوءًا هو تأثيرها السلبي في الأعمال التجارية للأفراد والشركات في الولايات المتحدة، تؤكد العديد من الدراسات أن حالة عدم اليقين السياسي فيما يتعلق بالسياسة البيئية تحديدًا تضر بالاستثمارات.
فحصت مجموعة من الباحثين أكثر من 300 مليون مقالة صحفية بحثًا عن كلمات مفتاحية تشير إلى حالة عدم اليقين في السياسة البيئية. لاحظوا أن هذه الحالة تبرز بشدة في مواسم الانتخابات وقد وصلت تقريبًا إلى الضعف خلال العقد الفائت.
نظر هؤلاء الباحثون في معدلات الاستثمار الخاصة بالشركات في القطاعات المتأثرة مثل قطاعات الزراعة والتعدين والطاقة وصناعة السيارات، ووجدوا أن حالة عدم اليقين في السياسة البيئية خفضت معدلات الاستثمار بمقدار 0.010%، قد لا يبدو هذا الرقم مدعاة للقلق، لكن الاقتصاديين يعلمون أن المبالغ الصغيرة تتراكم بمرور الوقت.
مثلًا، أدت حالة عدم اليقين في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2008 إلى انخفاض في معدلات الاستثمار بنسبة 25% للشركات المتأثرة بالسياسة البيئية، كان هذا التأثير أكبر من حالات عدم اليقين المتعلقة بالسياسات الدفاعية والسياسات الصحية والمالية.
وجد الباحثون بصيص أمل صغير قد يخفف من حدة المشكلة. إن حالة عدم اليقين المذكورة كان تأثيرها بسيطًا جدًا في الاستثمارات، في حين كان النفوذ في الكونغرس مشتركًا بين كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إذ يكون تغيير السياسات يتطلب موافقةً من الحزبين، عندما سيطر حزب واحد على كلا المجلسين -النواب والشيوخ- أدت حالة عدم اليقين في السياسات البيئية إلى انخفاض قيمته 0.013% في معدلات الاستثمار، لكن حين كان الكونغرس منقسمًا تقلصت هذه القيمة إلى أقل بكثير: 0.002%.
ما أهمية الأمر الآن؟
ساءت حالة الاستثمار التجاري بوضوح بسبب الأجواء التي خلقتها الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024، من المعلوم أن حالات عدم اليقين السياسية تتخذ من الانتخابات موسمًا لها، إذ إن الغموض يكتنف الوسط السياسي ولا أحد يعلم من الحزب الذي سيكسب المعركة الانتخابية ويصبح مسؤولًا عن مهمة صنع السياسات العامة للبلاد.
تشير الدراسات أيضًا إلى أن السياسات والبرامج المصممة بهدف تحفيز الاستثمار باتت أقل فعالية مما كان يُعتقد سابقًا بسبب ارتباطها بحالة عدم اليقين.
مثلًا، إذا ألقينا نظرةً إلى قانون الحد من التضخم الصادر في 2021 وقانون البنية التحتية المشترك بين كلا الحزبين 2022 فسنجد أن كليهما مستحدث لتشجيع الاستثمار في تكنولوجيا الطاقات المتجددة، هنا تبرز الشكوك التي تثيرها حالة عدم اليقين لدى أصحاب الأعمال والشركات حول مصير هذه القوانين إن كانت ستقرر في المقام الأول، وما هو مضمونها، تؤدي هذه الشكوك إلى تثبيط الاستثمارات قبل نفاذ القوانين.
إذن فإن حالة عدم اليقين تعد من الشوائب التي تعكر صفو الحياة السياسية الديمقراطية. في النهاية، كلما كانت الحكومة سريعة ومتحفظة في عملها قلت إمكانية محاسبتها من قبل الشعب، على هذا نرى أن حالة عدم اليقين هي ضريبة لا يمكن تجنبها في عملية صنع القرار التي تجري على أسس ديمقراطية.
حاولت الدراسات المختصة إصلاح هذا الخلل والعمل على تذكير السياسيين بأن خلافاتهم و تنافسهم على السلطة يشكل عبئًا على الاقتصاد الوطني، من أهم الوسائل المقترحة للتقليل من مخاطر هذه الحالة العمل المشترك بين كلا الحزبين.
ماذا سيحدث مستقبلًا؟
مع وجود تنوع كبير في السياسات البيئية، يدرس الباحثون الآن ردود أفعال الشركات لحالة عدم اليقين في نوعين من السياسات: سياسات الجزرة المتعلقة بأشياء إيجابية مثل الإعانات الحكومية وتخفيض الضرائب، وسياسات العصا، المتعلقة بأمور أقسى مثل الغرامات والعقوبات الأخرى، الإجابة عن هذه الأسئلة ستساعد صناع القرار على التقليل من آثار حالة عدم اليقين.
سؤال آخر قد يتبادر إلى الأذهان، هو عن المقالات الصحفية، إن كانت تساهم في إيصال معلومات جديدة إلى أصحاب الأعمال والشركات أم أنها مجرد انعكاس للمعلومات لديهم أساسًا؟ إذا كان الاحتمال الثاني هو الصحيح فقد لا تكون التغطية الإعلامية مقياسًا ملائمًا لحالة عدم اليقين التي تواجهها الشركات، لهذا يُعمل على تطوير طرق جديدة لقياس حالة عدم اليقين تعتمد على تحليل سجلات الأرباح بدلًا من المقالات الصحفية، وقد تكون هذه طريقة أكثر فاعلية لقياس عدم اليقين المؤثر في القرارات التجارية.
اقرأ أيضًا:
أي جيل يمكن اعتباره الأنجح في عالم الأعمال؟
ما سبب أزمة الأسهم التي حدثت مؤخرًا؟
ترجمة: محمد ياسر الجزماتي
تدقيق: أكرم محيي الدين