فازت صورةٌ لذرةٍ واحدةٍ من السترونتيوم المشحونة إيجابيًا والمثبتة بواسطة مجالاتٍ كهربائية بالجائزة العامة في مسابقة التصوير الفوتوغرافي الوطنية للعلوم، التي نظمها (مجلس بحوث العلوم الهندسية والفيزيائية – EPSRC).
«ذرةٌ واحدةٌ في مصيدةٍ أيونية» من قبل ديفيد نادلينجر من جامعة أكسفورد، تظهر الذرة التي تحملها الحقول المنبثقة من الأقطاب المعدنية المحيطة بها.
انظر عن كثب وسترى بكسلًا شاحبًا أرجوانيًا معلقًا في حقل أسود بين إبرتين أسطوانيتين يشبه بقعة متلألئة من الغبار لكنه في الواقع شيء أصغر بكثير فهو ذرة واحدة من السترونتيوم معزولة في آلة مصيدة أيونية في جامعة أكسفورد.
يبلغ قطر كل ذرةٍ تقريبًا 0.25 نانومتر وهو ما يجعل بإمكان خلية دم حمراء واحدة تحتوي بداخلها مليارات الذرات داخلها.
كيف يمكنك التقاط صورةٍ لشيءٍ متناهي الصغر كهذا؟
استخدم المصور ديفيد نادلينجر كاميرا رقمية قياسية ولكنه تلقى بعض المساعدة في إعداد اللقطة من مختبر المصيدة الأيونية للحوسبة الكمومية في أكسفورد حيث يُعِد رسالة الدكتوراه.
في 12 فبراير فازَ نادلينجر بالمركز الأول في مسابقة التصوير الفوتوغرافي الوطنية للعلوم لالتقاط هذه الصورة النادرة لذرة واحدة مضيئة.
قال نادلينجر: «أعتقد أنّ ما يجعل هذه الصورة مثيرةً للاهتمام للناس بشكلٍ خاصٍ هو أنه يمكنك أن ترى الجهازَ المحيطَ بالذرة وكم تبدو الذرة كبيرةً هنا، فالذرات في الواقع صغيرةٌ بشكل لا يصدق!».
وذكرَ نادلينجر: « لكي نكون واضحين النقطة الأرجوانية في وسط هذه الصورة ليست الحجمَ الحقيقي لذرة السترونتيوم نفسها إنها ضوءُ مجموعةٍ من أشعة الليزر المحيطة التي يعادُ انبعاثها من الذرة وعندما يتلقى السترونتيوم طولًا موجيًا معينًا من الضوء الأزرق، يخلق وهجًا أكبرَ بمئات المرات من نصف قطر الذرة نفسها أيّ حوالي ربع نانومتر أو( 2.5 10 x ) 7- أمتار وسيكون الوهج بالكاد ملموسًا بالعين المجردةِ ولكنَّه يصبح واضحًا مع القليل من التلاعب بالكاميرا».
قالَ نادلينجر: « يمكن أن نسمي الحجمَ الظاهر الذي تراه في الصورة البصرية بالحيود الضوئي، فالعدسة التي نرى من خلالها ليست مثاليةً كما أنها غير مضبوطة التركيز وذات تعريضٍ زائدٍ نوعًا ما، ويمكنك مقارنة ذلك بالنظر للنجوم في السماء ليلًا والتي تبدو مشرقةً ولكن في الواقع أصغر بكثيرٍ من حجمها الحقيقي لأن أعيننا (أو الكاميرا) لاتملك ما يكفي من الدقة لمعالجة التفاصيل «.
لذلك، رؤيةُ ذرةٍ واحدةٍ بالعين المجردة أمرٌ مستحيل ومع ذلك، فمحاصرة ذرة واحدة في المختبر أكثر قابليةً للتنفيذ.
كيف يمكنُ احتجاز الأيون؟
لجعل ذرة واحدة جاهزة للتصوير على هذا النحو، يحتاج الباحثون أولًا لتحويلها إلى أيون (ذرة مع عدد غير متساوٍ من البروتونات والإلكترونات، مما يعطيها شحنة موجبة أو سالبة).
وقال نادلينجر: «لا يمكنك أن تحصر إلا الجسيمات المشحونة لذلك نأخذ سلسلة من ذرات السترونتيوم المحايدة ونضيئها بأشعة الليزر لتأيينها بالضوء وبهذه الطريقة يمكننا أن نخلق أيونًا واحدًا».
يتم تثبيت ذرة واحدة في مكانها باستخدام أربعة أقطاب كهربية تشبه كل منها الشفرة مكونة جهاز الفخ الأيوني، مشابهة لما نراه على جانبي ذرة السترونتيوم في صورة نادلينجر (يوجد قطبين آخرين ولكنهما خارج إطار الصورة)، يصدر كل من تلك الأقطاب مجالًا كهربائيًا رأسيًا وآخرًا أفقيًا محافظًا على الذرة ثابتة في موقعها في الهواء، وبينما تتفاعل التيارات تخلق ما يسمى (جهد السرج الدوار – rotating saddle potential).
قال نادلينجر: « يمكنك مشاهدة أشرطة الفيديو على الإنترنت حيث تأخذ الناس حرفيًا سرجًا وتدوره وتضع كرةً عليه وبسبب الدوران تبقى الكرة ُفي وسط السرج وهذا ما تفعله هذه الأقطاب لتثبيت الأيون في موقعه».
بعد تثبيت الذرة تُسلط مجموعةً من أشعةِ الليزر عليها ومن ثم تتشتت في جميع الاتجاهاتِ وفي صورة نادلينجر يمكنك أن ترى آثار الليزر الأزرق في جميع أنحاء الخلفية وباستخدام هذا النظام يمكن للباحثين احتجاز سلاسل من مئات الأيونات بين أقطابٍ صغيرةٍ لتكون النتيجة صورًا مذهلة.
وقال نادلينجر: « يوجد على موقعنا على الإنترنت صورةً لتسعة أيونات محاصرة في سلسلة وهذا في الواقع أكثر إثارةً للاهتمام من وجود بكسل واحد مشرق يحيط به فخٌ أيوني»
لا يعتقد نادلينجر أنه أول باحثٍ يأخذ مثل هذه الصورة، لكنه قد يكون الأكثر نجاحًا في جذب انتباه الجمهور.
وقال نادلينجر: « هانز دهملت الرائد في محاصرة الأيون والحائز على جائزة نوبل في عام 1989م التقطَ مع فريقه صورةً واحدة لذرة الباريوم في مختبره وكانت بقعةً مشرقة ًواحدةً على خلفيةٍ مظلمةٍ مضيئةٍ بفعل تشتت الليزر، وهناك قصة شهيرة عن الموضوع حيث تم تقديم الصورة في بعض جلساتِ مؤتمر فأزال المحرر صورة الأيون لأنه اعتقد أنَّه مجرد بقعةٍ من الغبار!».
السرج الدوار -rotating saddle
- إعداد: دلال مطر.
- تدقيق: رَنْد عصام.
- تحرير: عيسى هزيم.
- المصدر الأول
- المصدر الثاني