يستقل الآلاف من الأشخاص مترو الأنفاق من الجانب الشمالي من لندن إلى جنوبها، أو يعبرون بحر المانش عبر نفق المانش بين بريطانيا وفرنسا كل يوم، ويعود الفضل في تنقلاتهم تلك الى إحدى الخدمات عظيمة الأهمية وهي الأنفاق تحت الماء. ولكن كيف بني هذا الإنجاز الهندسي المثير للإعجاب؟
درع الأنفاق
فشل البشر في السابق في العثور على طريقة لحفر نفق تحت الماء، حتى عام 1818 عندما استلهم المهندس الفرنسي البريطاني مارك إيسامبارد برونيل Marc Isambard Brunel طريقة بنائها من الطبيعة، وذلك بعد مشاهدته كيف تسمح صفائح القشرة الخارجية لدودة خشب السفن بثقب الخشب، ومن هذا المنطلق طبق برونيل هذه الطريقة في عمل ما يسمى بدرع الأنفاق.
كان درع الأنفاق في ذاك الوقت عبارة عن غلاف عملاق مستطيل من الحديد المصبوب مزود ببوابات على جدرانه، التي كانت تُفتح الواحدة تلو الأخرى حتى يتمكن عمال المناجم من حفر الأرض الرخوة خارج البوابة، بعدها يُدفع الدرع للأمام باستخدام الرافعات اللولبية، ثم تتكرر تلك العملية حتى ينتهي الحفر، وفي نفس الوقت يُبنى الغلاف الواقي للنفق من الطوب في المنطقة المحفورة حديثًا خلفه.
أدت تلك الطريقة إلى إنشاء أول نفق تحت الماء على الإطلاق تحت نهر التايمز في لندن، وانتهى العمل فيه في عام 1842، ومنذ ذلك الوقت تحسنت طريقة حفر الأنفاق تحت نهر التايمز، وحاليًا تطبق طريقة ضغط الهواء أمام الدرع لمحاولة وقف إغراق النفق بالماء في أثناء البناء.
ما تزال دروع الأنفاق تستخدم حتى اليوم، ولكنها صارت أسطوانية الشكل، وعادة تكون مصنوعة من الفولاذ الذي يُستخدم أيضًا في صنع حلقات دعم النفق. تستعمل بعض الطرق الحديثة أيضًا الرافعات الهيدروليكية لدفع الدرع إلى الأمام، ولكن عندما تكون متوقفة يمكن الوصول إلى المنطقة المواجهة للدرع عبر بوابة. لحماية أولئك الذين يخرجون للعمل هناك، تُزود الدروع أيضًا بسقفٍ واقٍ.
آلات حفر الأنفاق
بلا شك فإن الحفر في الأرض الرخوة شيء، والحفر في الصخور تحت الماء شيء آخر تمامًا، وهنا غيرت التكنولوجيا الحديثة قواعد اللعبة، وذلك باستخدام آلات حفر الأنفاق، التي سُخرت في بناء نفق المانش.
لدى آلات حفر الأنفاق وظيفة مشابهة لدرع الأنفاق، ولكن في هذه الحالة يُستخدم رأس قطع ميكانيكي دوار للحفر عبر الصخور المقابلة له بدلًا من الحفر اليدوي بواسطة البشر، ويتم ذلك بواسطة تسليط ضغط ميكانيكي على الصخور، ما يؤدي إلى كسرها، وبدلًا من أن يضطر العمال إلى إزالة الحطام بعيدًا عن طريق الحفر، يُستخدم حزام متحرك في نقل الصخور.
من الجدير بالذكر أنه استُخدمت 11 آلة حفر أنفاق لحفر الأنفاق الثلاثة وامتداداتها تحت المانش التي يبلغ طولها 56.3 كيلومترًا، وعلى عمق 45 مترًا تحت قاع البحر.
أنفاق أنبوبية مغمورة
تُبنى جدران النفق مع استمرار الحفر في الطرق السابقة، ولكن هذه ليست الطريقة الوحيدة للقيام بذلك، هناك أيضًا حفر الأنفاق المغمورة بالماء، وهي تقنية طورها المهندس الأمريكي دبليو جيه ويلغوس W.J. Wilgus.
تتبنى هذه الطريقة صناعة جسم النفق في مكان آخر أولًا وإنشاء أجزاء متعددة مسبقة الصنع، وفي نفس الوقت يُجرف قاع النهر أو قاع البحر لحفر مكان الخندق في المكان المقرر لإنشاء النفق فيه، بعد ذلك تُعوم القطع إلى المنطقة، وتُغطس في مكانها، ثم تُفرغ المياه منها، وتوضع المواد الناتجة من الحفر فوق النفق لدفنه ومن ثم ترميم سطح القاع.
اقرأ أيضًا:
النرويج تبني أكبر نفق للسفن تحت شبه جزيرة
كيف تبنى الأنفاق تحت الماء؟ وما هي أهم تقنيات بنائها؟
ترجمة: عمرو أحمد
تدقيق: جعفر الجزيري