يبدو القمر صغيرًا جدًا من مواقع المراقبة على الأرض، فإذا ارتديت بذلة الفضاء وانطلقت على متن سفينة فضائية وذهبت في رحلة طويلة ملحمية إلى سطح القمر، كم من الوقت سيستغرق السير حوله؟
تعتمد الإجابة على عدد لا يحصى من العوامل بما فيها السرعة التي تتحرك بها والوقت الذي تقضيه مشيًا كل يوم وأي المنعطفات التي تختار اجتيازها لتجنب التضاريس الخطرة.
وربما تحتاج رحلة كهذه حول القمر وقتًا يزيد عن سنة، ولكن في الواقع هناك المزيد من التحديات لتجاوزها.
وصلت مجموعة من ١٢ شخصًا إلى القمر وكانوا جميعًا من بعثات أبولو بين عامي ١٩٦٩ و١٩٧٢، حسب ناسا.
تُظهر اللقطات المرسلة للأرض مدى صعوبة المشي حوله ومدى متعته أيضًا، وبصورة أدق مدى صعوبة الوثب ضمن جاذبية القمر المنخفضة التي تعادل سُدس جاذبية الأرض، ومع ذلك اقترحت الأبحاث التي أجرتها ناسا منذ ذلك الحين أنه يمكن للبشر أن يتحركوا أسرع بكثير مما تحرك رجال الفضاء في بعثة أبولو، ومن الناحية النظرية أصبح المشي حول القمر أسرع مما توقعنا سابقًا.
تسريع وتيرة العمل
تنقّل رواد الفضاء من بعثات أبولو حول سطح القمر بسرعة تعادل ١.٤ ميلًا في الساعة أي ٢.٢ كيلومترًا في الساعة وفقًا لناسا.
تعزى هذه السرعة البطيئة بشكل أساسي إلى البذلات الفضائية الصلبة المعرضة للضغط التي لم تصمم لمراعاة إمكانية التنقل، وإذا ارتدى رواد الفضاء الذين يمشون على القمر بذلات ملساء، فلربما وجدوا أنها تسهل الحركة وكنتيجة لذلك لسرعوا من وتيرة تقدمهم.
نُشرت دراسة لناسا عام ٢٠١٤ في مجلة علم الأحياء التجريبية تدرس السرعة التي قد يمشي بها البشر ويركضون في جاذبية تحاكي جاذبية القمر، تكوّن الفريق من ثمانية متطوعين -ثلاثة منهم كانوا رواد فضاء سابقًا- لإجراء الدراسة، واستخدموا جهاز المشي على متن طائرة من طراز DC-9 حلقت بمسارات مكافئة خاصة على الأرض لمحاكاة الجاذبية على القمر مدة تصل إلى عشرين ثانية في كل مرة، وكشفت هذه التجربة أنه يمكن للمتطوعين أن يمشوا بسرعة ٣.١ ميلًا في الساعة أي ٥ كيلومترات في الساعة قبل البدء بالركض، ولا تعد هذه السرعة أكثر من ضعف سرعة مشي رواد الفضاء في بعثات أبولو فحسب؛ وإنما هي قريبة أيضًا من متوسط السرعة القصوى للمشي على الأرض التي تبلغ ٤.٥ ميلًا في الساعة أي ٧.٢ كيلومترًا بالساعة، وذلك وفقُا لما قاله الباحثون، ونجح المتطوعون بالوصول إلى هذه السرعة الكبيرة لأنهم استطاعوا تحريك أذرعهم بطريقة مشابهة للطريقة التي يركض بها البشر على الأرض.
تخلق حركة البندول (رقاص الساعة) هذه قوة ثقل (نزولية) تعوض جزئيًا نقص الجاذبية، وتعد البذلات الضخمة أحد الأسباب التي جعلت حركة رواد الفضاء بطيئة ومنعتهم من أداء عملهم بشكل صحيح.
وتبعًا للسرعة القصوى الافتراضية، سيستغرق المشي حول محيط القمر البالغ ٦.٧٨٦ ميلًا أو ١٠.٩٢١ كيلومترًا؛ نحو ٩١ يومًا، وحسب السياق ربما يستغرق المشي ٣٣٤ يومًا بدون توقف (بدون توقف لا للنوم ولا للأكل)، أي نحو ٢٤.٩٠١ ميلًا أي ٤٠.٠٧٥ كيلومترًا من محيط الأرض بهذه السرعة؛ الذي يعد رغم ذلك مستحيلًا بسبب وجود المحيطات، ويبدو واضحًا أنه لا يمكننا المشي دون توقف مدة ٩١ يومًا، لذلك فإن الوقت الحقيقي اللازم للمشي حول محيط القمر أطول من ذلك بكثير.
التخطيط لمسار المشي حول القمر
يخلق المشي حول القمر عددًا من التحديات، وقد قال إيدن كاولي (المستشار العلمي في وكالة الفضاء الأوروبية) للايف ساينس: «يمكن القيام بها لوجستيًا لكنها ستكون مهمة غريبة جدًا لتشجيعها».
يعد حمل المؤن مثل الماء والطعام والأكسجين إحدى هذه الصعوبات. يضيف كاولي: «لا أظن أنهم سيحملونها على حقيبة ظهرهم لأن ذلك سيشكل وزنًا إضافيًا ولو كنت في سدس الجاذبية الأرضية. وبناء على ذلك ستحتاج إلى مركبة نقل معك ويمكن لهذه المركبة أن تعمل بوصفها ملجأً أيضًا».
«تبحث الكثير من الوكالات في فكرة وجود مركبة جوالة مضغوطة يمكنها دعم رواد الفضاء في أثناء قيامهم بمهام الاستكشاف مثل القواعد الصغيرة المحمولة التي يمكن استخدامها للذهاب وإعادة التموين في الليل، ثم العودة إلى الخارج خلال النهار واستكمال المشي».
يحتاج المغامرون على القمر أيضًا إلى بذلات فضاء مصممة للتحرك الأمثل، وأضاف كاولي: «ولكن تقوم بعض الوكالات بتطوير بذلات مناسبة الشكل تتيح أرجحة الذراعين اللازمة من أجل المشي على القمر.
من شأن تضاريس القمر القاسية أن تصعب إيجاد طريقة مناسبة للمشي عليه خصوصًا مع وجود حفر نيزكية قد تكون بعمق عدة أميال. إذا كنت تريد حقًا الذهاب حول هذه الحفر، فاعلم أنها خطيرة للغاية. وسيكون عليك أيضًا أن تعمل في الضوء والحرارة عند التخطيط لمسارك».
يقول كاولي: «عند خط استواء القمر وخلال النهار، نحن نتحدث عن درجات حرارة تصل حتى ١٠٠ درجة مئوية أي ٢١٢ فهرنهايت وتنخفض في الليل إلى ناقص ١٨٠ درجة مئوية أي ٢٩٢ فهرنهايت».
تعني دورة القمر أن هناك أيامًا يكون فيها ضوء الشمس قليلًا أو معدومًا، وما لا يقل عن نصف الرحلة سيكون في الظلام، ويمكن توفير الحماية من درجات الحرارة العالية كهذه بواسطة البذلات الخاصة المصممة إضافةً لمركبة الحماية.
ولكن، قد تغيّر درجات الحرارة حالة الحطام الصخري/التربة. ويقول كاولي: «تؤثر تربة رمادية ناعمة تغطي صخور القمر الصلبة في سرعة تحركك عليه.
غير أن الإشعاع ربما يشكل خطرًا أكبر، ولا يملك القمر حقلًا مغناطيسيًا مثل الأرض ليساعد على إبعاد الإشعاع عن سطحه.
إذا لم يكن هناك نشاط شمسي كبير حينها فلن يسوء الوضع، ولكن بحال أُصبت بدرجات عالية من الإشعاع الناتج عن انفجار شمسي أو انبعاث كمومي، ستمرض بشدة».
تصدر كل من الانفجارات الشمسية والكمومية كميات هائلة من الطاقة والجسيمات المغناطيسية ولكن تختلف أنواع الجسيمات التي تصدر عنها بمدة تكونها، وبطريقة انتقال الإشعاع الذي تنتجه في الفضاء، حسب لناسا. يتطلب هذا النوع من الانبعاثات قدرًا كبيرًا من التدريب على تحمله، بسبب متطلبات التمرين في الجاذبية المنخفضة وتأثيره في العضلات وجهاز القلب والأوعية الدموية، إذ يجب إرسال رائد فضاء بلياقة عالية تصل لمستوى الماراثون للقيام بذلك.
وقال كاولي: «حتى ذلك الحين، فإن المشي بسرعة عالية سيكون ممكنًا فقط نحو ٣ أو ٤ ساعات يوميًا، لذلك إذا مشى شخص بسرعة ٣.١ ميلًا أو ٥ كيلومترات مدة ٤ ساعات يوميًا فإنه يحتاج إلى ٥٤٧ يومًا أو ما يقارب سنة ونصف لاجتياز محيط القمر، بافتراض أن الحفر لم تعرقل طريقه وأنه أيضًا قادر على التكيف مع تغيرات الحرارة والإشعاعات.
ومع ذلك لن يكون لدى البشر التكنولوجيا والمعدات اللازمة لإنجاز مثل هذه المهمة حتى أواخر ٢٠٣٠ أو أوائل ٢٠٤٠، ولن تحصل على وكالة تدعم هذا العمل، ولكن إذا أراد ملياردير مجنون أن يحاول ذلك فربما يمكن إنجازه».
اقرأ أيضًا:
تأسيس قاعدة بشرية على القمر: الأهداف والأسباب
إثنا عشر رجلاً مشوا على سطح القمر
ترجمة: حلا بوبو
تدقيق: أحمد الحميّد
مراجعة: تسنيم المنجد