لقد نشرت وكالات الأنباء خبر اجتياح وباء الإيدز في التسعينات، فأصبح الجميع قلقًا بشكل غير عقلاني من الجلوس على كرسي المرحاض أو استخدام الهواتف العامة، وحتى من التقبيل، فأصبحت ممارسة الجنس مخيفة.
ومع أننا لا نشاهد تصريحات المرافق العامة تلك بعد الآن، إلا أن الإيدز لم ينجلي، بل ما زال وباءً عالميًا، فقد توفي حتى الآن ما يقارب 39 مليون مصابًا بمتلازمة العوز المناعي المكتسب (Aquired Immunodeficiency syndrome)، المعروف اختصارًا بالإيدز (AIDS)، ويعيش 33 مليون شخصًا تقريبًا مع إصابتهم بفيروس عوز المناعة البشري (HIV) -المسبب للإيدز-.
إذ وفرت العلاجات الحالية إمكانية عيش المصابين لفترة حياة طبيعية مع الفيروس، لكن ذلك يعد مكلفًا، فيقدّر العيش لمدى الحياة مع الإصابة بـHIV بـ610,000 دولارًا، كما أن تلك العلاجات لا تعد حلًا طويل الأمد، فما نحتاجه حقًا هو لقاح للفيروس، وعلاج للمرض، فكم نحن قريبون من امتلاكهما؟
منذ بداية تاريخ المرض، شُفي شخص واحد فقط من الإيدز؛ اسمه تيموثي راي براون (Timothy Ray Brown)، فأثناء تلقيه لعلاج للسرطان في عام 2007، لوحظ شفاؤه من فيروس HIV، وما زال الباحثون غير مدركين للآلية والسبب الدقيقين وراء ما حصل.
فقال د. ديفيد مارغوليس (David Margolis) مدير مركز جامعة شمال كارولينا لعلاج فيروس HIV: «أدى كل ما تعرض له براون لعلاج السرطان المصاب به، إلى شفائه من إصابته بالإيدز أيضًا، لكن المعالجة كانت مروعة، وأدت لآثار سلبية رهيبة عديدة، كما كان معدل الإماتة المتوقع منها يقارب الـ70%».
وبالتالي، بعد محاربة الفيروس لما يقارب 40 سنة، وشفاء شخص واحد فقط يعد حالة فردية غير مفهومة كليًا، ولا يمكن إعادتها، وقد تقتل المريض غالبًا، يمكن القول إننا تعلمنا الكثير على الأقل.
بعد أن فهم العلماء كيف يعمل الفيروس، كان يجب أن يعرفوا كيفية إبادته، لكن ذلك كان أسهل قولًا من الفعل، إذ تغزو المادة الوراثية للفيروس (RNA) خلايا المريض وتغير الحمض النووي (DNA) خاصتها، فتمثّل التحدي بإيجاد علاج يقتل الفيروس دون إيذاء الخلايا.
وبحلول عام 1996، كنا حقًا قادرين على تحقيق تقدم في مجال المعالجة المركبة المضادة للفيروسات القهقرية (Retro-viruses) والتي ينتمي لها فيروس HIV، ما يعني أن فيروس الإيدز لم يعد حكمًا بالموت، وكمجموعة من لاعبي خط الدفاع عندما يطيحون بلاعب كرة القدم؛ تعمل الأدوية ضمن المعالجة مع بعضها لإيقاف فيروس HIV ومساره.
فبعد موت ملايين الرجال والنساء نتيجة الإيدز، أتاحت مجموعة الأدوية تلك إمكانية عيش حياة طبيعية نسبيًا، ليتمكن الأطباء عندئذ من أخذ وقتهم الكافي في البحث عن علاج.
أشار د. وارنر غرين (Warner Greene) المدير المشارك لمعهد غلادستون التابع لجامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو: «يوجد حقًا وباء إيدز مستمر، في الحقيقة إنه يعتبر جائحة في أجزاء من العالم».
كما قال د. (Thumbi Ndung’u BVM) الحاصل على شهادة دكتوراه، ومدير برنامج (SANTHE) الشبكة الأفريقية جنوبية الصحراء الكبرى لامتياز أبحاث السل والإيدز: «يعد الإيدز المسبَّب بـHIV غالبًا أخطر أزمة صحية أصابت أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (حيث تمركزت 70% من الإصابات)، والعالم بأسره في الحقيقة، منذ بدء التاريخ، قياسًا بعدد الأشخاص المصابين، والتأثير الاجتماعي-الاقتصادي لهذه المشكلة».
وللتصدي لوباء الإيدز نحتاج للقاح؛ لمنع انتشار فيروس HIV، ولعلاج؛ لمداواة الأشخاص الذين أصيبوا مسبقًا به، وتعد المشكلة الأعظم التي نواجهها في صنع اللقاح، هو تغير النمط الجيني، ما يعني أن الفيروسات تبدو متشابهة، لكنها ليست متطابقة، وبالتالي علينا صنع لقاح قادر على الحماية ضد جميع سلالات الـHIV الموجودة ليس فقط في جسم فرد واحد، وإنما حول العالم بأسره.
ولهذا السبب يصعب التخلص من الفيروس عندما يصيب الجسم، إذ توقف مضادات الفيروسات القهقرية مسار فيروس HIV في غزو الخلايا وتغيير مادتها الوراثية، لكنها لا تقتله، فنوّه د. مارغوليس: «في المستقبل، قد تتحسن العلاجات أو تدوم لفترة أطول، إذ قد يتلقى الفرد حقنة أو غرسة دوائية تدوم لأشهر أو حتى لسنة».
تجري حاليًا تجارب للقاحات ضد الفيروس، وتظهر بعض النجاح، لكن ربما قد يتبادر لمتابعي أخبار العلم السؤال التالي: إن هذا الفيروس يختبئ في الـDNA الخلوية، ونحن نمتلك الآن تقنية تعديل جيني جديدة، وهي كريسبر-كاس9 (CRISPR-Cas9)، فلماذا لا نستخدمها؟
في الحقيقة تستخدم تقنية كريسبر-كاس9 بروتينًا يدعى كاس9، ليقطع الـDNA في الموضع المُبرمَج له، وهو في الأصل جزء من الجهاز المناعي الداخلي لخلايانا الخاصة، فسيوَجّه كاس9 للبحث عن تسلسل جيني معين، كجزء من HIV مثلًا، وإذا وجد الفيروس، قد يتمكن البروتين من قطع مادته الوراثية وإقصائها خارج الخلية، ليتيح للـDNA شفاء ذاته، ويمكن إجراء ما سبق اليوم، لكن في المختبر فقط، ولسنا قادرين بعد على تطبيقه على البشر، وبالتالي تبقى الأدوية الكابحة للفيروس الخيار الأفضل لعيش حياة نصف طبيعية.
فأضاف د. غرين: «لا يمكنني الجزم كم سنة نحتاج لإيجاد علاج، لكن أستطيع القول إنه يوجد العديد من الأشخاص حول العالم الذين يعملون على إيجاد مقاربات جديدة فعالة لعلاج الإيدز».
وقال د. (BVM): «بصراحة، لا أعتقد أننا قريبون من إيجاد علاج بعد، لكننا نحرز تقدمًا، وأؤكد أن علينا متابعة بذل الجهود، وآمل أن نحقق اكتشافات علمية قد تصل بنا لإيجاد علاج في المستقبل».
فقد علّمنا البحث عن وسائل محاربة للإيدز الكثير عن آليات عمل الجسم، بالإضافة لأمراض أخرى، مثل التهاب الكبد C، أو زيكا، وإننا نصل في كل سنة لاكتشاف جديد مهم يفيدنا في صراعنا مع الإيدز، فكم نحن قريبون من إيجاد علاج؟ قد نصل إليه بعد فترة، أو قد يكون ذلك غدًا.
- ترجمة: سارة وقاف
- تدقيق: دانه أبو فرحة
- تحرير: ناجية الأحمد
- المصدر
مواضيع ذات صلة:
- هل تكون أدوية السرطان مفتاحًا لعلاج الإيدز؟ المصدر
- إنجاز هائل، تقنية تعديل الجينات تقضي على الفيروس المسبب للإيدز في تجارب على الحيوانات المصدر
- هل وجد العلماء طريقة لمقاومة الإيدز؟ المصدر
- ما هي الإصابات الانتهازية وما هو الخطر الذي تمثله على مرضى الإيدز؟ المصدر
- اكتشاف علاج تجريبي يؤدي إلى تلاشي خلايا الإيدز «HIV» من دم المرضى المصدر
- ثغرة في فيروس (HIV) قد تقود لعلاج مرض الإيدز المصدر
- أستراليا تسيطر على مرض الإيدز، وليس على فيروس المصدر
- إنفوجرافيك: ما هو الفرق بين مرض الإيدز وفيروس العوز المناعي البشري؟ المصدر
- علماء ينجحون بإلغاء فيروس الإيدز من خلايا الإنسان المناعية المصدر
- لماذا لا يصاب بعض الأشخاص بالإيدز ؟ المصدر
- أوّل عملية نقل وزرع أعضاء لمرضى مصابين بالإيدز على وشك الحصول في الولايات المتحدة المصدر
- انخفاض هائل في نسبة المصابين بالإيدز، طبقا لتقرير الأمم المتحدة المصدر