انطلقت الثورة الثقافية في الصين سنة 1966 بقيادة القائد الشيوعي ماو تسي تونغ لإحكام سلطته على الحكومة الصينية، لأنه رأى أن القادة الشيوعين وقتها كانوا يسيرون بالحزب والبلاد في الاتجاه الخاطئ. دعا ماو شباب الأمة إلى تطهير البلاد من العناصر «الملوثة» وإعادة إحياء روح الثورة التي بفضلها حقق الحزب الشيوعي الفوز في الحرب الأهلية ونجح في تأسيس جمهورية الصين الشعبية قبل ذلك بعشرين عامًا. استمرت الثورة الثقافية في أطوارها المختلفة حتى وفاة ماو سنة 1976، لكن بقيت أصداء إرثها العنيف والمؤلم حاضرة في السياسة والمجتمع الصينيين طوال عقود لاحقة.
بداية الثورة الثقافية في الصين:
شعر قائد الحزب الشيوعي الصيني ماو تسي تونغ في ستينيات القرن العشرين بأن قيادة الحزب في كل من الصين والاتحاد السوفييتي تبالغ في اتجاهاتها الإصلاحية بتأكيدها على الخبرة بدلًا من النقاء الإيديولوجي.
وقد أخذت مكانة ماو في الحكومة تضعف أيضًا بعد فشل مشروعه «القفزة الكبرى إلى الإمام» بين عامي 1958 و1960 والأزمة الاقتصادية التي تلته، فجمع الرئيس ماو حوله مجموعة من الراديكاليين من ضمنهم زوجته جيانغ كينغ ووزير دفاعه لين بياو ليساعدوه في ضرب قيادة الحزب وقتها وإعادة فرض سلطته.
هل تعلم أن وزير الدفاع لين بياو طبع ملايين النسخ من الكتاب المشهور حاليًا والمعروف باسم «الكتاب الأحمر» الذي تضمن اقتباسات من أقوال ماو ووزعها في مختلف أنحاء الصين بهدف تشجيع عبادة شخص ماو تسي تونغ التي بدأت بالانتشار في المرحلة الأولى من الثورة الثقافية؟
بدأ ماو ثورته الثقافية واسمها بالكامل «الثورة الثقافية البروليتارية العظمى» في أغسطس سنة 1966 في اجتماع مكتمل للجنة المركزية، فأغلق المدارس في الصين ودعا إلى تحرك شبابي ضخم لمحاسبة قادة الحزب متهمًا إياهم بتبني القيم البرجوازية وفقدان الروح الثورية.
ازداد تطرف الحركة في الأشهر التالية، إذ شكَّل الطلاب مجموعات شبه عسكرية سموها «الحرس الأحمر» شنَّت حملات مضايقة وهجوم على كبار السن والمثقفين في البلاد، ورافق ذلك ظهور فكرة عبادة شخص ماو تسي تونغ بطريقة تشبه ما حدث مع جوزيف ستالين، وتنافست مجموعات مختلفة من الحركة وادعى كل منها أنها تحمل التفسير الصحيح لفكر ماو، وطُلِب من الشعب التخلص من «الباليات الأربع» وهي التقاليد والثقافة والعادات والأفكار القديمة.
دور لين بياو في الثورة الثقافية في الصين:
شهدت المرحلة المبكرة من الثورة الثقافية بين عامي 1966 و1968 عزل الرئيس ليو شاوكي وقادة شيوعيين آخرين من السلطة، وقد عُذِّب ليو وسُجِن ثم مات في سجنه سنة 1969.
تنافست جماعات الحرس الأحمر المختلفة باستماتة لفرض سيطرتها فساءت الأحوال الأمنية في مدن صينية كثيرة ووصلت بحلول سبتمبر 1967 إلى حد الفوضى، فأمر ماو وزيره لين بإرسال الجيش لإعادة النظام، أجبر الجيش الكثير من أعضاء الحرس الأحمر على الهجرة إلى الريف فانهارت الحركة.
تهاوى الاقتصاد الصيني في أثناء الفوضى فتراجع الإنتاج في البلاد بنسبة 12% سنة 1968 مقارنة بمعدلات سنة 1966.
عيَّن ماو سنة 1969 لين رسميًا ليكون خليفته بعد وفاته، فسارع الأخير إلى فرض الأحكام العرفية بحجة الخلافات الحدودية مع الاتحاد السوفييتي. أزعج هذا التصرف ماو ورأى فيه تطلُّعًا مبكرًا للسلطة فبدأ بالمناورة ضده بمساعدة الوزير الأول زهاو إينلاي فقسَّم السلطات والنفوذ بين أعضاء الحكومة الصينية، ومات لين في أيلول سنة 1971 بسبب سقوط طائرته فوق منغوليا في أثناء محاولته الهرب إلى الاتحاد السوفييتي، تلا ذلك التخلص من قادة الجيش من مناصري لين واستولى زهاو على المزيد من السلطات في الحكومة.
تسببت نهاية لين المأساوية بخيبة أمل كثير من المواطنين الصينيين الذين شعروا أنهم خُدِعوا طوال فترة حكم ماو «الثوري»، إذ بدا أن أهداف الثورة قد تلاشت بسبب تورط قادة الثورة في صراعات شخصية للوصول إلى الحكم.
نهاية الثورة الثقافية:
عمل زهاو على إعادة الاستقرار في الصين بإحياء النظام التعليمي وإعادة العديد من الموظفين السابقين إلى مناصبهم القديمة، لكنَّ ماو أصيب سنة 1972 بسكتة دماغية، ومرض زهاو بالسرطان، فقرر القائدان دعم دينغ شياو بينغ الذي كان قد أُبعِد في المرحلة الأولى من الثورة الثقافية، بينما عارضت الراديكالية جيانغ ومناصريها أو ما عُرِف ب «عصابة الأربعة» هذا الدعم.
تأرجحت السياسة الصينية في السنوات اللاحقة بين الفريقين، حتى أقنع الراديكاليون ماو بالتخلص من دينغ مجددًا في أبريل سنة 1976 بعد وفاة زهاو بعدة أشهر، لكن جاءت وفاة ماو في أيلول من العام نفسه في غير صالح عصابة الأربعة، إذ ثار الشعب والشرطة والجيش ضدهم فوصل دينغ إلى السلطة ثانية وبقي في الحكم عقدين تاليين.
الآثار البعيدة للثورة الثقافية:
قُتِل نحو 1.5 مليون شخص في الثورة الثقافية، وعانى ملايين آخرون السجن أو مصادرة الممتلكات أو التعذيب أو المهانة. كان تأثير الثورة الثقافية على المدى القصير أكثر وضوحًا في المدن الصينية خاصة، لكنَّ آثاره البعيدة أصابت البلاد كلها عقودًا لاحقة. إذ تسبب هجوم ماو الضاري على الحزب والنظام بنتائج عكسية دفعت بكثير من الصينيين إلى فقدان الثقة التام بحكوماتهم.
اقرأ أيضًا:
ما الفرق بين الشيوعية والاشتراكية؟
السنة الصينية الجديدة: عادات وتقاليد
ترجمة: الحسين الطاهر
تدقيق: جورج حلبي
مراجعة: وئام سليمان