قياسات كونية جديدة وغير متوقعة تقترح أننا بحاجة إلى فيزياء جديدة . لجأ العلماء للمرة الأولى إلى الاستعانة بالثقوب السوداء فائقة الكتلة ودراستها لقياس معدل تمدد الكون و حساب المسافات . ولكننا الآن حصلنا على بعض النتائج الغامضة تفوق ما كنّا نطمح أن نصل إليه من خلال تلك الدراسة. اتضح أن الكون ينمو ويتمدد أسرع بكثير مما نظنّ، يمكن أن يعني هذا أن الطاقة المظلمة التي ظننّا أنها تعمل على زيادة سرعة هذا التمدد والتي تُفسَّر أحيانًا بالثابت الكوني -كما وصفها العالم (ألبرت أينشتاين)- ليست ثابتة على المستوى الكوني في النهاية، بل تنمو وتزداد قوة. وتمت تادراسة عبر الغستعانة بمعرفتنا الحالية عن ما يسمى ب الكويزرات .
يُسمى معدل تمدد الكون بثابت هابل، وكان من الصعب جدًا تحديده بشكل دقيق، إذ كنّا نحصل على نتائج مختلفة من كل اختبار. حددت المعلومات التي حصلنا عليها مؤخرًا من القمر الصناعي بلانك -الذي يقيس إشعاع الخلفية الكونية الميكروي- هذا الثابت بمقدار 67.4 كيلومترًا في الثانية الواحدة لكل مليون فرسخ فلكي (الفرسخ الفلكي هو وحدة قياس المسافات بين الأجرام السماوية ويُقدر بحوالي 3.26 سنة ضوئية)، وتبلغ نسبة عدم اليقين في هذا القياس أقل من 1%.
من الطرق الأخرى لحساب ثابت هابل: الاستعانة بالشموع القياسية؛ وهي أجرام فلكية ذات درجة لمعان معروفة تساعد الفلكيين على حساب المسافات في الكون، ومن أمثلتها (المتغير القيفاوي أو المتغير السيفيدي – Cepheid variable stars)، أو (المستعر الأعظم من النوع أ – 1 Type Ia Supernova). حسَب العلماء ثابت هابل العام الماضي باستخدام أحد المتغيرات القيفاوية ليكون الناتج 73.5 كيلومترًا في الثانية لكل مليون فرسخ فلكي. وكما نرى، فإن كل الطرق تؤدي إلى نتائج مختلفة، لذا يحاول العلماء باستمرار الوصول إلى نتيجة دقيقة.
ولكن منذ بضع سنين، أدرك العلماء أن بإمكانهم قياس المسافات الفلكية بدقة وذلك عن طريق الكويزرات (النجوم الزائفة) مع الثقوب السوداء المُتسببة في ظهورها. تعتبر (الكويزرات–Quasars) من أشد الأجسام الكونية إضاءة، فكل منها عبارة عن مجرة تدور حول أحد الثقوب السوداء الهائلة النشطة، والذي يتغذى على مادة هذه المجرة لتنبعث هذه الطاقة الهائلة نتيجة احتكاك المواد بقوة وبسرعة شديدة حول الثقب الأسود مُكوِّنة ما يسمى بالأقراص المُزوّدة.
تظهر هذه الطاقة على صورة ضوء شديد السطوع وكميات هائلة من الحرارة، تمامًا مثل آلية تصريف المياه أثناء اندفاعها في بالوعة حوض الاستحمام، إذ تشكل دوامات شبيهة بالأقراص المُزوّدة التي تتشكل حول الثقوب السوداء الهائلة النشطة لتنتج لنا ظاهرة الكويزر. تُصدر الكويزرات أيضًا أشعة سينية وفوق بنفسجية، وقد اكتشف عالما الفلك (جويدو ريساليتي – Guido Risaliti) بجامعة فلورنسا الإيطالية، و(إليزابيتا لوسو -Elisabeta Lusso ) بجامعة درهام الإنجليزية أن النسبة بين الأطوال الموجية لهذين النوعين من الإشعاع الصادرين عن الكويزر تختلف وفقًا لمقدار الإضاءة فوق البنفسجية للكويزر.
لذلك، يمكننا حساب درجة إضاءة الكويزرات بمعرفة تلك النسبة وبعدها سيكون عندنا جسم فلكي مضيء ذو درجة لمعان معروفة تمامًا كأي شمعة قياسية أخرى يمكن من خلالها حساب المسافات عبر الكون. وهذا يعني أن بإمكاننا قياس المسافات البعيدة في تاريخ نشأة الكون.
قالت لوسو: «باعتبار الكويزرات شموعًا قياسية، سنتمكن من قياس المسافات بفاعلية أكبر؛ إذ نستطيع رصد الكويزرات من مسافات أبعد بكثير من المسافات التي يمكن رصد المستعر الأعظم من النوع أ من خلالها، وبذلك سنتمكن من استخدامها لدراسة العصور المبكرة من الكون». حلّل الباحثون البيانات الخاصة بالإضاءة فوق البنفسجية لحوالي 1598 كويزرًا في مدة تتراوح بين 1.1 إلى 2.3 مليار سنة بعد الانفجار العظيم، وتمكنوا من حساب معدل تمدد الكون المُبكر عن طريق قياس تلك المسافات.
وطابقوا أيضًا هذه النتائج مع النتائج القائمة على حسابات المستعر الأعظم من النوع أ والذي يغطي مدة قدرها 9 مليار سنة من الانفجار العظيم تقريبًا.
ووجد العلماء نتائج مشابهة للنتائج القائمة على حساب الكويزرات، ولكن في حقبة الكون المبكر حين لم يملك العلماء غير الكويزرات ل حساب المسافات من خلالها، وهناك بعض التناقضات بين النتائج التي حصلوا عليها والنتائج التي تنبأ بها العلماء اعتمادًا على النموذج الكوني القياسي.
قال ريساليتي: «رصدنا مجموعة من الكويزرات في مدة مليار سنة من الانفجار العظيم، ووجدنا أن معدل تمدد الكون بوقتنا الحالي أسرع ممّا توقعنا؛ ما يعني أن الطاقة المظلمة تزداد قوة كلما ازداد عمر الكون». نحن لا نعرف ماهية الطاقة المظلمة، فلا نستطيع رؤيتها ولا رصدها. إنها مجرد اسم منحناه للقوة الغامضة التي تدفع الكون وتزيد من سرعة تمدده مع الوقت كما يبدو.
وفقًا لهذا المعدل من التمدد، وجد علماء الفيزياء الفلكية أن الطاقة المظلمة تمثل ما يقارب 70% من الكون، لذلك كلما كان حساب معدل التمدد دقيقًا، سنتمكن من حساب مقدار الطاقة المظلمة بدقة. إذا كانت كثافة تلك الطاقة المظلمة تزداد مع الوقت، يظن العلماء أن هذا سيعني أنها ليست الثابت الكوني لأينشتاين. ولكنها ستساعد على تفسير العديد من النتائج الغامضة، ومن الممكن أيضًا أن تساعد على تفسير تلك التناقضات في حساب ثابت هابل (معدل تمدد الكون)، وفي الوقت الحالي لا يمكننا سوى اختبار تلك النتائج لنرى مدى صحتها.
قال ريساليتي: «هذا النموذج مثير للاهتمام، إذ يساعدنا على حل لغزين في آنٍ واحد، ولكننا لا نستطيع الجزم بهذا النموذج بعد وسنحتاج إلى دراسة عدة نماذج أخرى بالتفصيل حتى نتمكن من حل تلك المعضلة الكونية. اقترح بعض العلماء أننا قد نحتاج إلى فيزياء جديدة لتفسير هذه التناقضات، وهذا يتضمن إمكانية ازدياد قوة الطاقة المظلمة، والنتائج الجديدة التي حصلنا عليها تؤيد هذا الاقتراح». نُشر بحث الفريق بجريدةNature Astronomy على الإنترنت ويمكنك الاطلاع عليه من هنا. ويمكنك قراءة البحث الكامل أيضًا من هنا.
اقرأ أيضًا:
توسّع الكون يحتاج فيزياء جديدة لتفسيره
نظرية كمومية تحطم حدود الفيزياء: الإرسال المزدوج ممكن
بعد قرن من ظهورها: قطة شرودينجر ليست حكرًا على فيزياء الجسيمات
يبدو أننا بحاجة لفيزياء جديدة لفهم التمدد الكوني
ترجمة: محمد شريف
تدقيق: سلام طالب