قد يكون لذوبان الجليد البحري بعض النتائج الإيجابية
عند حلول الربيع في القطب الشمالي يذوب الثلج والجليد البحري وتتشكل البرك على سطح الجليد البحري، ويزداد حجم هذه البرك مع تزايد الاحتباس الحراري كل سنة، تمكن هذه البرك الذائبة وصول الحرارة والضوء للجليد والطبقات السفلية من الماء بشكل أكبر.
استنتج الباحثون في دورية البيولوجيا القطبية (Polar Biology)، انّ مستعمرات الطحالب والبكتريا يمكن أن تتطور في البرك الذائبة مما يؤمن الطعام للكائنات البحرية، وعلية قد يكون لهذه البرك تأثير مباشر وهام على الحياة في مياه القطب الشماليّ.
النظم الإيكولوجيّة الصغيرة الخاصّة بها:
وفقًا لهايدي لويز سوينسن Heidi Louise Sørensen)) المؤلفة الرئيسية للمقالات العلمية، يمكن للبرك الذائبة أن تشكل نظامها البيئي الخاص بها، عندما يذوب كلّ الجليد خلال الصيف فإنّ الطحالب والمتعضيات الأخرى في البرك الذائبة تُطرَحُ في مياه البحر المحيطة بها، وتعتبر مصدرًا للطعام، بعض هذه الطعام يتم تناوله مباشرة من قِبل الكائنات التي تعيش في الطبقات القريبة من السطح، والقسم الآخر من الطعام يصل إلى الأسفل ويؤكل من قبل الكائنات الحيّة الموجودة في قاع المحيط، ومع تشكل مناطق أوسع وأكبر من البرك الذائبة في القطب الشمالي فإننا نتوقع إنتاج المزيد من الغذاء للمخلوقات في البحر القطبي .
درست هايدي لويز سورنيسن هذه الظاهرة في عدد من البرك الذائبة في شمال شرق غرينلاند ضمن أطروحة الدكتوراه في جامعة جنوب الدنمارك (University of Southern Denmark).
طعام الفقمات وخيار البحر:
في طبقات الماء القريبة من السطح يستفيد كل من مجافيات الأرجل والقشريات بشكل رئيسي من الطّحالب الغنية بالمغذيات والبكتريا، تؤكل هذه المخلوقات من قبل مختلف الحيوانات الكبيرة بدءًا من مزدوجات الأرجل وحتى الأسماك، الفقمات والحيتان. كذلك الحال في الأسفل، تستفيد الكائنات القاعية مثل خيار البحر والنجوم الهشة من الطحالب التي تصلها.
منذ وقت قريب فقط، تمكن العلماء من معرفة أنّ الكائنات البيولوجية البسيطة يمكن أن تتطور في البرك الذائبة ويمكنها أن تدعم كائنات عديدة، لكن حتى الآن، لم يتوصل العلماء لمعرفة سبب تواجد متعضيات عديدة في البرك معينة، بينما أخرى خالية تمامًا.
لكن وفقاً لدراسة جديدة تعتبر المغذيات (nutrients) الكلمة المفتاحية، إذ تتمكن مجتمعات بأكملها من الطحالب والأحياء الدقيقة بأن تزدهر في البرك الذائبة التي تحوي المواد الغذائية مثل الفوسفور والنتروجين.
من التندرا (tundra) في سيبيريا:
يمكن للمغذيات أن تجد طريقها للبرك الذائبة بعدة طرق، تنتقل هذه المواد من مياه البحر بواسطة الأمواج، بالإضافة إلى عبورها من البر بمساعدة العواصف الغبارية، كما ويمكنها أن تنتقل من الساحل إلى الجليد عند حدوث الأمطار.
وأخيراً يمكن للطّيور المهاجرة والحيوانات الكبيرة التي تستريح على الجليد أن تترك خلفها مصادر للمغذيات.
ويقول البروفيسور روني غلود (Ronnie Glud) من قسم علم الأحياء في جامعة جنوب الدنمارك: «يرافق تغيرات المناخ الكثير من العواصف والأمطار، لذا يُتوقع طرح المزيد من المغذيات في المناطق المحيطة في البرك الذائبة، بالإضافة لذلك ارتفاع عدد البرك الذائبة يمكن أن يساهم في زيادة الإنتاجية للحياة النباتية والحيوانية في البحار القطبية».
المزيد من الدفء والمزيد من الحرارة:
هنالك العديد من العوامل المرافقة لذوبان الجليد البحري، التي ربما تساهم بشكل فعال في زيادة الإنتاجيّة في بحار القطب الشّمالي، إذ يمكن للضوء أنّ يعبر خلال الماء للأسفل بعد ذوبان الجليد، إضافة إلى أنّ الازدياد في درجات الحرارة على اليابسة يؤدي إلى ذوبان المزيد من المياه التي تتدفق إلى البحر حاملةً المواد الغذائية معها.
ماذا فعل الباحثون؟
اُختيرَت ست برك في شمال شرق غرينلاند منها أربع أحواض صناعيّة والأخرى طبيعية، أضيف الفوسفور والنتروجين (المغذيات التي تعرف أيضاً بما يسمى الأسمدة) بتراكيز مختلفة إلى أربع برك بينما استعملت الأخرى مجموعة ضابطة في التجربة.
قامت هايدي لويس على مدار 13 يوماً، بقياس العديد من المعايير المختلفة في البرك الذائبة بما في ذلك الكلوروفيل والصباغ الذي يمكن الطحالب من امتصاص الطاقة، ووجدت أنّ مستوى الكلوروفيل في الأحواض المشبعة بالمغذيات أعلى منه في المجموعة الضابطة بنسبة تتراوح بين المرتين إلى عشر مرات.
هذا هو السبب في ازدياد عدد البرك:
يسبب الاحتباس الحراري ذوبان المزيد من الجليد البحري، مما يسبب ارتفاعا في عدد البرك الذائبة، قاست الأقمار الصناعيّة لناسا (NASA) أصغر مستوى قياس للتوزيع الجليدي في القطب الشمالي اطلاقًا، إذ تساهم البرك الذائبة في جعل الجليد أكثر قتامة، فيمتص الضوء بدل عكسه، الأمر الذي يسرّع عملية الذوبان، التي باتت أمرًا ملحوظًا وفقًا لصور الأقمار الصناعيّة حول المناطق ذات البرك الذائبة.
ترجمة: أريج علي
تدقيق: خليل حسن
المصدر