تقول الأسطورة إن شعر ماري أنطوانيت شاب في ليلة وضحاها قبل إعدامها في عام 1791 ولكن هذه الأسطورة غير دقيقة، إذ إن المتعارف عليه هو أن الشعرة التي سبق ونمت من البصيلة لا يتغير لونها. لكن ثمة دراسة جديدة -قام بها باحثون من جامعة كولومبيا فاجيلوس في كلية الأطباء والجراحين- أشارت إلى عكس ذلك، وهي الدراسة الأولى التي تقدم دليلًا يربط التوتر النفسي بشيب الشعر لدى الناس.
فوجئ الباحثون باكتشاف أنه يمكن استعادة لون الشعر عند زوال التوتر، وهذا الاكتشاف يتناقض مع دراسة حديثة أخرى (أُجريت على الفئران) أشارت إلى أن الشيب الناجم عن التوتر يكون مدى الحياة.
كبير مؤلفي هذه الدراسة هو مارتن بيكارد الحاصل على الدكتوراه، وهو أستاذ مساعد في الطب السلوكي (في الطب النفسي وعلم الأعصاب) في جامعة كولومبيا فاجيلوس كلية الأطباء والجراحين.
يقول مارتن بيكارد إن هذه الدراسة المنشورة في 22 حزيران في مجلة eLife ذات أهمية أكبر من مجرد تأكيد التكهنات القديمة حول تأثير التوتر على لون الشعر.
ويقول أيضًا: «إن فهم الآليات التي تسمح للشعر الأشيب بالعودة إلى حالته (الشابّة) الملونة قد يعطي معلومات حول مدى مطاوعة الشيخوخة لدى الإنسان عمومًا وكيفية تأثرها بالتوتر».
بالإضافة إلى الدلائل المتزايدة حول هذا الأمر، تثبِت البيانات أن شيخوخة الإنسان ليست عملية بيولوجية خطّية ثابتة، بل ويمكن إيقافها أو عكسها (مؤقتًا على الأقل).
دراسة الشعر بوصفها وسيلة لفحص الشيخوخة
يقول بيكارد: «كما تحمل الحلقات في جذع الشجرة معلومات عن العقود السابقة في حياة الشجرة، يحمل شعرنا معلومات عن تاريخنا البيولوجي. عندما يكون الشعر تحت الجلد على هيئة بصيلات، يكون عرضة لتأثير هرمونات التوتر والأشياء الأخرى التي تحصل في عقلنا وجسدنا، وعندما ينمو الشعر من الفروة، فهو يعطي صورة لما تعرض له في شكل ثابت وللأبد».
رغم أن الناس اعتقدوا أن بإمكان التوتر النفسي أن يسرع شيب الشعر، فإن العلماء قد نقضوا هذه العلاقة؛ بسبب عدم وجود طرق دقيقة تربط أوقات التوتر مع تلون الشعر على مستوى البصيلة الواحدة.
تقسيم الشعر لتوثيق تلون الشعر:
طورت آيليت روزنبيرغ -المؤلفة الأولى للدراسة والطالبة في مختبر بيكارد- طريقةً جديدةً لالتقاط صور دقيقة جدًا لشرائح صغيرة من شعر الإنسان؛ لتحديد مدى فقدان اللون في كل منها (تمثل كل شريحة بعرض نحو 1/20 ملم نحو ساعة من نمو الشعر).
يقول بيكارد: «إذا استخدمتَ عينيك لتنظر إلى الشعر سيبدو وكأن له لونًا واحدًا، إلا إذا كان هناك تغير كبير. أما عند التصوير عالي الدقة سترى تغيرات صغيرة في اللون، وهذا هو ما نقيسه».
حلل الباحثون الشعر لدى 14 متطوعًا، ثم قورنت النتائج مع التوتر اليومي للمتطوعين، إذ طُلِب من الأفراد مراجعة أيامهم وتقدير مستوى توترهم في كل أسبوع. لاحظ الباحثون مباشرةً أن بعض الشعر الأشيب استعاد طبيعيًا لونه الأصلي، وهو أمر لم يوثق كميًا من قبل كما يقول بيكارد.
عندما قارنت شانون روسر الشعر ويوميات التوتر للأفراد -وهي المؤلفة الثانية لهذه الورقة البحثية والطالبة في مختبر بيكارد- كشفت عن ارتباطات مدهشة بين التوتر وشيب الشعر، وفي بعض الحالات لاحظت اختفاء الشيب مع زوال التوتر.
يقول بيكارد: «ذهب شخص منهم في عطلة، وتزامنًا مع ذلك استعادت خمس شعرات من رأسه لونها الداكن في أثناء العطلة».
العلاقة بين العقل والميتوكوندريا (المتقدرة) هي السبب!
لفهم كيف يسبب التوتر شيب الشعر، قاس الباحثون المستويات لآلاف البروتينات في الشعر، ودرسوا أيضًا كيف تغيّر مستوى هذه البروتينات عبر طول كل شعرة.
حدثت تغيرات في 300 بروتين عندما تغير لون الشعر، وطور الباحثون نموذجًا رياضيًا يقترح أن التغيرات المحرَضة بالتوتر التي تحصل بالميتوكوندريا قد تفسر كيف يؤدي التوتر إلى فقدان اللون.
يقول بيكارد: «غالبًا ما نسمع أن الميتوكوندريا هي مركز القوة في الخلية، ولكن ليس هذا الدور الوحيد الذي تقوم به، الميتوكوندريا في الحقيقة مثل هوائيٍ صغير داخل الخلية يستجيب للإشارات المختلفة، بما فيها التوتر النفسي».
تتعارض علاقة الميتوكوندريا مع التوتر ولون الشعر مع ما اكتُشِف في دراسة حديثة على الفئران؛ إذ وجدت هذه الدراسة أن فقدان الخلايا الجذعية غير عكوس في بصيلات الشعر وهو سبب شيب الشعر المحرض بالتوتر.
يقول المؤلف المساعد للدراسة رالف بوس الحاصل على درجة الدكتوراه وأستاذ علم الجلدية في كلية الطب في جامعة ميامي ميلر: «تشير بيناتنا إلى أن الشيب عكوس عند بعض الأشخاص، ما يشير إلى وجود آلية مختلفة. إن بيولوجيا بصيلات الشعر لدى الفئران مختلفة جدًا، وهذا ربما يفسر لماذا لا تترجَم النتائج المشاهَدة عند الفئران لدى البشر كما يُفترض».
استعادة الشعر للونه ممكنٌ لدى البعض
إن تقليل التوتر في الحياة هدف جيد، ولكن ليس بالضرورة أن يعيد للشعر لونه الطبيعي.
يقول بيكارد: «بناءً على النمذجة الرياضية لدينا، فإننا نعتقد بأن الشعر ينبغي له الوصول إلى حد معين قبل أن يشيب. ففي منتصف العمر (عندما يكون الشعر على مقربة من هذا الحد بسبب العمر البيولوجي وعوامل أخرى) فإن التوتر يتجاوز هذا الحد مؤديًا إلى شيبه. وعلى الجانب الآخر، فإن تقليل التوتر لن يفيد في استعادة اللون لدى شخص بعمر 70 عامًا أشيب منذ سنين. أما لدى طفل بعمر 10 أعوام، فإن زيادة التوتر ستكون كافيةً لإيصال الشعر إلى الحد الكافي ليشيب».
اقرأ أيضًا:
شيب الشعر: هل يمكن أن تشيب بسبب التوتر؟ وهل يسبب التوتر تساقط الشعر؟
ترجمة: تيماء الخطيب
تدقيق: إيناس خير الدين
مراجعة: تسنيم الطيبي