قد لا يستطيع الرجال فعليًا استشعار رائحة النساء عندما تكون في ذروة خصوبتها، ولا يتعلق الأمر بعدم قدرتهم على ذلك، بل من المحتمل أنه لا وجود لهذه الرائحة في الأساس.
كلنا نعرف كم أن الثقافة الشعبية غنية بالخرافات والأساطير، مثل أن الإنسان العادي يستعمل 10% من دماغه فحسب، وأن الأطفال يصيبهم فرط النشاط بسبب السكر، واستمرار الشعر والأظفار بالنمو بعد الوفاة. لكن في الواقع، ربما يوجد سبب، قد يكون مبنيًا على أساس علمي وإن لم يثبت بعد، لقدرة الرجال على معرفة موعد الإباضة لدى النساء بواسطة الرائحة.
يبدو أنها فكرة متداولة باستمرار وتظهر كل عقد تقريبًا. مثلًا، تؤيد دراسة من عام 2020 ذلك، وتؤيد الأمر دراسات متعاقبة ترجع لأعوام 2009 و2004 و2001 و1975. فهل يستطيع الرجال حقًا استشعار مدى الخصوبة لدى النساء؟
إذن ما مدى صحة هذه الفكرة؟
وفقًا لنتائج دراسة جديدة ربما لم تكتمل بعد، كتب المؤلفون: «باستخدام عينات رائحة متكررة من النساء والتقييم الهرموني للخصوبة، قيمنا التبدلات المحتملة المتعلقة بالخصوبة في رائحة الجسم -الإبط- في دراسة تجمع بين الأدلة الإدراكية والكيميائية. إجمالًا، لم نجد دليلًا مقنعًا يؤكد أن خصوبة الإناث تؤثر في تصنيفات الرائحة من قبل الذكور».
في الواقع، لا يتعلق الأمر بعدم قدرة الرجال على ملاحظة ما يحدث من تغيرات جسدية في رائحة المرأة على مدار دورة الطمث، بل ربما لا توجد هذه التغيرات أصلًا! كتب الفريق: «لم يتأثر التركيب الكيميائي لرائحة جسد المرأة بحالة الخصوبة الحالية أو بتقلب مستوى الهرمونات لديها».
إذن من أين وُلدت هذه الفكرة؟
ربما يكمن حل اللغز في منهجية هذه الدراسة، التي اختلفت عن الأبحاث السابقة. ففي أغلب الدراسات، قيّم كل رجل معلومات الخصوبة لأنثى بعينها في أثناء الطمث، أي بناءً على لقاءات متكررة مع المرأة ذاتها. أما الدراسة الجديدة فتتحقق من قدرة الرجل على اكتشاف خصوبة المرأة من لقاء واحد.
إذ أعطوا المشاركين الذكور في الدراسة 24 عينة رائحة لتقييمها على جلستين منفصلتين. دون الحصول على أي عينة ثانية من المرأة ذاتها، ووُزعت العينات عشوائيًا تمامًا، ودارت بالتناوب على كل الحاضرين وبذلك شم كل رجل رائحة كل أنثى.
جاءت النتائج عكس المتوقع تمامًا. كتب الباحثون: «على خلاف توقعاتنا، كان تقييم الرائحة الإبطية بأنها أقل جاذبية وأقل متعة في أثناء فترة الإباضة»، مع أن التأثير كان ضعيفًا للغاية. عمومًا، ختم الباحثون الاستنتاج بالقول: «لم نجد أي مؤشر مقنع يثبت أن إدراك الرجال للروائح الإبطية الأنثوية يختلف باختلاف فترة خصوبتها».
السبب الجذري للتناقض بين الدراسات السابقة والبحث الجديد، كما يشير المؤلفون هو أن: «تفتقد أغلب الأدلة السابقة التقييم المباشر للهرمونات التناسلية الأنثوية، والتأكيد الهرموني الموثوق للإباضة، وتخمين تناقضات ذات أهمية في تقدير مجال الخصوبة»، أي إنه لا يوجد ما يُثبت إن كانت النساء فعلًا في مرحلة الإباضة عندما اعتقدن أنهن ذلك.
أكدت الدراسة الحالية أن النساء المشاركات هن في وقت الخصوبة بواسطة عينات البول واللعاب، واستخدم الفريق أحدث التقنيات لتقييم الروائح بموضوعية، إذ استخدموا المظاهر الكيميائية لرائحة الإبط لدى النساء، بقياسها باستخدام كروماتوغرافيا الغاز -مقياس الطيف الكتلي- للتحقق من كون التغيرات التي تحدث نتيجة تغير المركبات الكيميائية متعلقة بخصوبة المرأة أم لا.
أضف إلى ذلك التحيز المثبت، الذي يجعل الناس يهتمون بقراءة الدراسات التي تكشف أشياء غريبة مثل «يمكن للرجال تمييز رائحة الإباضة».
ربما يستطيع الرجال فعلًا معرفة أوقات الإباضة باللاوعي، لكن مع امرأة يألفونها، ولا تكفي عينة الرائحة وحدها لمعرفة ذلك. عمومًا، يلخص الفريق استنتاجه بـ «الحاجة إلى مزيد من الأبحاث»، يشمل ذلك إعادة النظر في نتائج الدراسات السابقة.
اختتموا الدراسة بقولهم: «ما زلنا في بدايات فهم التفاعل الفيزيولوجي بين مراحل التقلبات التدريجية للخصوبة وهرمونات المبيض على مدار دورة الإباضة ورائحة جسم المرأة. نشجع بشدة فصل الأساس الفيزيولوجي وكذلك الوظيفة التناسلية للإشارات الشمية لخصوبة المرأة باستخدام الطرق المتوفرة لدينا».
اقرأ أيضًا:
دراسة جديدة تقول: اختبار الخصوبة هذا لا يمكن الاعتماد عليه دائمًا
ست عشرة طريقة طبيعية لزيادة الخصوبة
ترجمة: رغد شاهين
تدقيق: أكرم محيي الدين