قبل وقت طويل من خفقان ورفرفة أجنحة أولى الطيور ورفرفتها، حلقت التيروصورات في السماء! كانت هذه الزواحف ذات الأجنحة الجلدية، والمغطاة بشعيرات ناعمة يطلق عليها علماء الحفريات pycnofibers، هي أولى الفقاريات القادرة على الطيران. يظن الخبراء حاليًا أن التيروصورات والطيور تشترك بأكثر مما افتُرض سابقًا؛ إحدى الحفريات المحفوظة بإجادة من البرازيل لا تشير إلى أن شعيرات التيروصورات الغريبة ربما قد كانت ريشًا حقيقيًا في السابق فقط، ولكنها تشير أيضًا إلى أن هذا الريش ربما قد كان ملونًا بعبثية مثل تلك التي تملكها طيور الطوقان أو التناجر.
تعود هذه الأحفورة، التي وصفت في ال 20 من أبريل من هذه السنة ضمن دراسة جديدة في مجلة Nature، لتيروصور يدعى Tupandactylus imperator (نوع من أنواع التيروصورات ) عُثِر عليه في حجر كلسي عائد للمرحلة الباكرة من العصر الطباشيري في البرازيل. تقول ماريا ماكنمارا، المؤلفة المشاركة في الدراسة، وعالمة الحفريات في جامعة كوليدج كورك في أيرلندا: «ما يميز هذه العينة -والواضح جدًا عند النظر إليها- هو محافظتها على الأنسجة الرخوة الواسعة».
لهذه العينة تاريخ غامض ومعقد. ليس واضحًا من عثر على هذه الأحفورة أو متى عثر عليها، لكن انتهى بها الأمر في يد جامع خاص للأحافير وسُلمت لاحقًا إلى المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية. عند ذلك، تواصلوا مع عالم الحفريات إيديو إرنست كيشلات لإيجاد اتفاق رسمي مع السلطات البرازيلية وسفارة البرازيل في بروكسل، مثلما قال المؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة أود سينكوتا، الذي يعمل حاليًا في المعهد البلجيكي. في أكتوبر من عام 2021، وقع المعهد صفقةً مع السفارة البرازيلية لإعادة الأحفورة إلى موطنها، ووصلت إلى متحف ريو دي جنيرو لعلوم الأرض في فبراير من هذا العام.
يعد كل من التنقيب غير المصرح به عن الحفريات في البرازيل والملكية الخاصة لمثل هذه الأحافير غير قانونيين منذ عام 1942، ولم تُستَخرج الأحفورات العائدة للفترة المبكرة من العصر الطباشيري إلا بعد ذلك العام، كما صرح طالب الدكتوراه في علم الحفريات: رودريغو بيغاس من الجامعة الفيدرالية ABC في البرازيل، والذي لم يشارك في الدراسة الحديثة. ظهرت قضايا مماثلة مؤخرًا في منظمةعلم الأحافير بشأن أحافير أخرى: سُحبَت دراسة عام 2020 عن ديناصور ذي ريش من نفس التكوين بعد أن تبين أن العينة المعنية ربماتكون قد هُرِّبت من البرازيل. وقد لاحظ مؤلفو دراسة Tupandactylus الحديثة الخلفية غير الواضحة للأحافير في ملخص التقارير الخاص بالورقة.
مهما كانت القصة وراء أحفورة التيروصورات، فإن انتقالها من الملكية الخاصة إلى مكان آمن في المتحف سمح أخيرًا بتوصيفها. تقول ماكنمارا أنها وزملاؤها في البداية درسوا العينة بهدف تحديد تفاصيل أنسجتها الرخوة الواضحة على نحو بارز. وأشارت إلى أنهم لم يكونوا يسعون لمعرفة ألوانها بالضرورة ولكنهم مسرورون بالعثور على أدلة كهذه في شكل تركيبة مجهرية تسمى «الميلانوزومات» أو «الجسيمات الميلانينية».
منذ عام 2008، لجأ علماء الأحافير إلى الميلانوزومات لدراسة لون أحافير الديناصورات والتيروصورات والكائنات الحية الأخرى. يساعد شكل وكثافة الميلانوزومات، بالإضافة إلى توزعها في الجلد والريش والأنسجة الأخرى على تشكيل ما يعرفه علماء الأحياء بالألوان البنيوية: وهي درجات تتراوح من لون الصدأ الأحمر إلى اللون القزحي. والتي تنتج عن تفاعل الضوء مع الريش.، يمكن أن تزودنا هذه الهياكل بصورة جزئية فقط لألوان الحيوان، وذلك بسبب ظهور العديد من الظلال كيميائيًا. وجدت ماكنمارا وزملاؤها أشكالًا مختلفةً من الميلانوزومات في جلد Tupandactylus وفي نوعين من نسيج الشعيرات الشبيهة بالريش على امتداد جمجمته، ما يدل على أن الألوان في كل منها ستكون مختلفةً عن بعضها البعض.
شكك علماء الحفريات مؤخرًا في الفرضيات السابقة حول الأشكال الميلانوزومية التي تخلق ظلالًا معينة. تقول ماكنمارا: «في التيروصور الذي درسناه، لم نحاول استنتاج اللون الظاهر». ومع ذلك، تشير ماكنمارا إلى أن أشكال الميلانوزوم مختلفة في نوعي الشعيرات المختلفين -سواء فسرت على أنها pycnofibers أو ريش- ما يشير إلى درجات ألوان متنوعة، مع احتمالية أن تكون الشعيرات المتشعبة أفتح لونًا من تلك غير المتشعبة.
بالرغم من أن هذا المجال من علم الحفريات ما يزال حديث العهد، فإن دراسات التيروصورات السابقة لم تجد إلا أشكالًا متجانسةً من الميلانوزومات في أنسجتها. يشير هذا إلى أن تلك التيروصورات كانت إما موحدة اللون أو أنها اعتمدت على التلوين الناتج كيميائيًا لظلال إضافية. يعد اكتشاف وجود أشكال ميلانوزومية مختلفة بين أنواع الجلد والشعيرات عند Tupandactylus دليلًا على أن هذا التيروصور ارتدى لوحةً من ألوان مختلفة من العصر الطباشيري المبكر، وهي سمة مشتركة بين الطيور والديناصورات الأخرى ذات الريش. مع تطور هذه الكائنات تقول ماكنمارا: «امتلكت التيروصورات القدرة على التحكم بلون ريشها عن طريق تغيير شكل الميلانوزومات، تمامًا كما في الديناصورات ذوات الأقدام والطيور».
تلعب الألوان دورًا مهمًا للحيوانات بدايةً بالتمويه إلى التواصل. تقترح ماكنمارا والمؤلفون المشاركون في الدراسة أن الظلال المختلفة في التيروصور الطباشيري كان لها دور في الإشارات المجتمعية، والتي يمكن أن تعطي معلومات عن صحة الحيوان وعمره وجنسه واستعداده للتزاوج والجوانب الحيوية الأخرى. يقول بيغاس: «إذا امتلكت بعض التيروصورات أنماطًا معقدةً وملونةً، فهذا دليل قوي على أنها لعبت دورًا في الإشارات المجتمعية»، ويضيف بأنهم يتطلعون إلى باحثين آخرين ليختبروا نتائج الدراسة الجديدة ويؤكدوها.
كان هناك أيضًا بعض الجدل الأكاديمي فيما إذا كان زغب التيروصورات يمثل ريشًا حقيقيًا أو أليافًا pycnofibers شبيهة بالريش. تقول ماكنمارا إنه لا يوجد شك في أن هذه الشعيرات في Tupandactylus وغيرها من التيروصورات قد كانت ريشًا. الدليل الرئيسي الذي استشهدت به هي والمشاركين معها في البحث هو أن الأحفورة من البرازيل بها شعيرات بسيطة وهياكل ريشية متفرعة على طولها، وهي ميزة لا تُرى إلا في ريش الديناصورات.
إذا امتلك كل من التيروصور ات والديناصورات ريشًا، وإذا كان لنوعي الريش ظلال متغيرة من أجل الاتصال البصري، فإما أن هذه الصفات تطورت بشكل مستقل في كل فرع أو أنها تعود إلى الأسلاف المشتركة لكلا المجموعتين -الزواحف التي عاشت في وقت مبكر من العصر الترياسي منذ أكثر من 243 مليون سنة.
تقول ماكنمارا: «نعتقد أن الهيكل المشترك في الديناصورات بالإضافة إلى التيروصورات يعكس أصلًا مشتركًا». وبالمثل، تضيف النتائج دعمًا إلى الفرضية القائلة بأن نوعًا من الريش كان موجودًا بين هذه الزواحف الترياسية، ما يشير إلى أن العديد من أجسام التيروصورات والديناصورات كانت مغطاة بريش أكثر مما توقعه علماء الحفريات. يشير بيغاس إلى أنه لم يُعثَر على انطباعات جلدية أو ريش أو أغطية أجسام أخرى من الديناصورات الترياسية بالإضافة إلى التيروصورات لاختبار هذه الفرضية. بدأ علماء الحفريات للتو في الكشف عن التاريخ العميق للزغب الملون، وهو خط استقصاء سيتطلب من الخبراء البحث في بدايات عصر الزواحف.
اقرأ أيضًا:
الشعر، والريش, والحراشف جاءت من مصدر مشترك
تطور الريش قبل ملايين السنين من ظهور الطيور أو حتى الديناصورات
ترجمة: تيماء الخطيب
تدقيق: طارق طويل
مراجعة: آية فحماوي