بدأت السويد مؤخرًا تشييد منشأة نهائية لتخزين الوقود النووي المستنفد، حيث ستُخزن النفايات المشعة عالية النشاط الإشعاعي بأمان لفترة قد تمتد إلى 100 ألف عام.
تُجري أعمال البناء في سوديرفيكن، بمحاذاة محطة فورسمارك للطاقة النووية، حيث سيتم دفن النفايات على عمق 500 متر تحت سطح الأرض، وسط تكوين صخري صلب يعود عمره إلى 1.9 مليار عام. وسيكون هذا المستودع عند اكتماله، الثاني من نوعه عالميًا.
يُعَدّ الدفن العميق في هذه الصخور المستقرة وسيلة لضمان عزل النفايات المشعة على المدى الطويل، وتقليل المخاطر البيئية المحتملة.
تحديات تخزين النفايات النووية
لطالما شكّل التخلص الآمن من النفايات النووية تحديًا للصناعة النووية، إذ تمتاز النفايات المشعة بعمر نصف طويل، ما يجعلها مصدر قلق يمتد لآلاف السنين.
وتكمن خطورة هذه النفايات في تأثيرها المحتمل على صحة الإنسان، إلى جانب مخاطر تلوث التربة والمياه والهواء.
وفقًا للرابطة النووية العالمية، فإن ما يقرب من 300 ألف طن من الوقود النووي المستنفد حول العالم بحاجة إلى التخلص منه على نحو آمن. ومع ذلك، فإن معظم هذه النفايات تُخزَّن حاليًا في أحواض مؤقتة بالقرب من المفاعلات النووية، ما يطرح تحديات تتعلق بالسلامة على المدى البعيد.
ومع تزايد الاعتماد على الطاقة النووية في إطار التحول نحو مصادر طاقة منخفضة الانبعاثات، من المتوقع أن تزداد الحاجة إلى حلول دائمة لإدارة النفايات المشعة.
تتصدر فنلندا الجهود العالمية في تطوير مستودع جيولوجي دائم للنفايات النووية عالية المستوى، ومن المتوقع أن تبدأ تشغيل منشأتها بحلول عام 2026. أما السويد، فهي الآن بصدد تنفيذ مشروعها الخاص، إذ سيحتوي مستودع فورسمارك على شبكة أنفاق تمتد لمسافة 60 كيلومترًا في أعماق الصخور القديمة.
سيُوضع الوقود النووي المستنفد داخل كبسولات نحاسية بطول خمسة أمتار، صُمّمت خصيصًا لمقاومة التآكل. وستُغلَّف هذه الكبسولات بطبقات من الطين قبل دفنها نهائيًا، في محاولة لضمان احتواء المواد المشعة وعدم تسربها إلى البيئة المحيطة.
ومن المتوقع أن يتمكن المستودع من استيعاب أكثر من 6000 كبسولة نحاسية مملوءة بالوقود المستنفد، مع بدء استقبال النفايات في أواخر ثلاثينيات القرن الحالي، واستكمال عمليات الدفن والإغلاق الكامل بحلول عام 2080.
وترجع الطبيعة طويلة الأمد للمشروع إلى تعقيده الشديد والسلامة الدقيقة المطلوبة لتخزين النفايات النووية. ووفقًا للموقع الإلكتروني، سيتضمن المشروع استخراج ما يقرب من 2.3 مليون متر مكعب من الصخور على مدى فترة طويلة.
ستتولى آلات مصممة خصيصًا وضع عبوات الوقود المستنفد داخل المستودع. وسيتم التحكم في هذه الآلات عن بعد لتعزيز السلامة والدقة.
سيُبنى المستودع على مراحل. بينما تُوضع عبوات الوقود المستنفد في أنفاق مكتملة، وتُحفر أنفاق جديدة في نفس الوقت.
من المتوقع أن تستمر هذه العملية لمدة 40 عامًا تقريبًا حتى يتم تخزين كل الوقود النووي المستنفد بأمان. بعد ذلك، سيُغلق المستودع بالكامل إغلاقًا دائمًا.
مخاوف بيئية ومعارضة للمشروع
مع أن المشروع يُنظر إليه على أنه خطوة مهمة نحو إدارة أكثر مسؤولية للنفايات النووية، فإنه يواجه معارضة من بعض الجماعات البيئية، التي تحذّر من مخاطر محتملة على المدى الطويل، مثل تلوث المياه الجوفية.
وذكرت وكالة رويترز أن إحدى المنظمات غير الحكومية في السويد تقدمت بطعن قضائي للمطالبة بإجراء تقييمات إضافية للسلامة قبل المضي قدمًا في تنفيذ المشروع.
وأشارت أيضًا أبحاث من المعهد الملكي للتكنولوجيا إلى احتمالية تعرض الكبسولات النحاسية للتآكل، وهو ما قد يزيد من خطر تسرب المواد المشعة بمرور الزمن.
وتُقدَّر تكلفة مستودع فورسمارك بنحو 12 مليار كرونة سويدية (ما يعادل 1.08 مليار دولار)، وسط نقاش مستمر حول جدوى هذه الاستثمارات على المدى الطويل.
اقرأ أيضًا:
ابتكار نموذج لساعة نووية في تجربة هي الأولى من نوعها عالميًا
القنابل النووية: كم مرة ارتجفت الأرض تحت وطأتها حتى الأن؟
ترجمة: محمد الشرقاوي
تدقيق: مؤمن محمد حلمي
مراجعة: باسل حميدي