فينياس غيج : أشهر مريض بعلم الأعصاب – جعل حادث بقضيب حديدي فينياس غيج أشهر ناجٍ من إصابة دماغية في التاريخ. قال غيج لأول طبيب عالجه بعد أن حوّل تفجير سابق لأوانه في موقع محطة السكك الحديدية القضيب الحديدي إلى قذيفة: «ها هو عمل كافٍ لك».
لم يتذكر جاك وبيفرلي ويلغوس -جامعا صور قديمة- كيف وجدوا الصورة الأصل التي تعود للقرن التاسع عشر لرجل مشوه ومع ذلك حسن المظهر، كان ذلك على الأقل منذ 30 سنةً مضت. لم تدعم الصورة أي إثباتات عن أين أو بالأحرى متى أُخذت؛ من الرجل الموجود فيها أو لماذا يحمل عصا مدببة. لكن آل ويلغوس تكهنوا أن العصا قد تكون حربون (رمح لصيد الحيتان)، وعين الرجل المغمضة وحاجبه المشطوب هما نتيجة لمعركة مع أحد الحيتان.
وعلى مرور السنوات، بقيت الصورة داخل إطار في منزل الزوجين في بالتيمور، ظنًا منهما أن الرجل داخلها هو صائد حيتان مصاب. وفي كانون الأول سنة 2007، نشرت بيفرلي نسخةً من الصورة على موقع فليكر لنشر الصور وعلقت عليها «الرجل ذو العين الواحدة مع حربون»، وبعد قليل راسلها أحد صائدي الحيتان معترضًا: هذا ليس بحربون، والرجل ليس بصائد حيتان. وبعد عدة شهور، أخبرها مراسل آخر أن الرجل قد يكون فينياس غيج، وإذا كان هذا صحيحًا، فستكون هذه أول صورة معروفة له.
بيفرلي التي لم تسمع بـ غيج من قبل بحثت عنه على الإنترنت ووجدت قصةً مثيرة. في عام 1848، فينياس غيج ذو ال 25 عامًا، كان على رأس طاقم العمال المسؤولين عن قطع طريق السكك الحديدية في كافنديش، فيرمونت. وعندما كان يستخدم القضيب الحديدي لطمر بارود متفجر في حفرة في 13 أيلول، انفجر البارود. انطلق القضيب الحديدي -الذي يبلغ من الطول 43 إنشًا، بقطر 1.25، ووزن يبلغ 13.25 باوند- نحو السماء، مخترقًا خد كيخ الأيسر، ممزقًا دماغه ومتجاوزًا جمجمته، هابطًا على بعد عشرات الخطوات منه. ومع أنه قد أصيب بالعمى بعينه اليسرى لكنه مع ذلك لم يفقد وعيه، وظل محتفظًا بإدراكه ليخبر الطبيب ذلك اليوم: «ها هو عمل كافٍ لك».
نجاة غيج الأولية ضمنت له شهرةً كبيرةً، ولكن اسمه قد خلد بالتاريخ من قبل ملاحظة لـ مارتن هارلو، الطبيب الذي قام بمعالجته لعدة شهور بعد الحادث. أصدقاء فينياس غيج قد وجدوه، كتب هارلو: «لم يعد غيج». تلاشى التوازن بين قدراته الذهنية ونزعاته الحيوانية. لم يستطع الالتزام بخطة، ناطقًا أشنع الشتائم مبديًا اختلافًا بسيطًا عن زملائه. رفضت شركة بناء السكك الحديدية التي قامت بتوظيفه -والتي كانت قد رأت فيه رئيسًا مثاليًا للعمال- إعادة توظيفه. لذلك عاد فينياس غيج للعمل في إسطبل في نيو هامبشير، ساق الحافلات في تشيلي، وفي النهاية انضم لبعض أقاربه في سان فرانسيسكو، إذ مات في آذار عام 1860 في عمر الـ 36، بعد سلسلة من النوبات.
في ذلك الوقت، أصبح غيج أشهر مريض في سجلات علم الأعصاب، لأن حالته كانت الأولى من نوعها التي اقترحت رابطًا بين الأذى الدماغي والتغيرات في الشخصية. كتب البروفيسور مالكوم ماكميلان في جامعة ميلبورن في كتابه “نوع غريب من الشهرة: حكايات فينياس غيج” أن ثلثي مقدمات الكتب التدريسية النفسية ذكرت غيج. وحتى اليوم، ما تزال جمجمته، والقضيب الحديدي، وقناع صنع لوجهه عندما كان على قيد الحياة، من أهم الأشياء الموجودة في متحف وارن التشريحي الموجود في الحرم الجامعي لكلية الطب في هارفارد.
صادف مايكل سبورلوك -مدير قاعدة البيانات في ميسولا، مونتانا- صورة الزوجين ويلغوس على موقع فليكر في كانون الأول 2008. باللحظة التي رأى فيها الأداة التي يحملها الرجل ذو العين الواحدة، علم سبورلوك فورًا أنها ليست بحربون. قصيرة جدًا، ولا تحوي سهمًا خشبيًا. وفكّر أنها تبدو أكثر كحديد محشو. قفز على الفور اسم إلى رأسه: فينياس غيج. يعلم سبورلوك قصة غيج كفايةً ليدرك أن أي صورة له ستكون الأولى التي تظهر على العلن. وقد علم بما فيه الكفاية أيضًا ليُخدع بمظهر فينياس غيج، إن كان غيج فعلًا.
تجاوزت قصص عن شخصيته المتغيرة ملاحظات هارلو على مر السنين، يقول ماكميلان: «تحول لسكير كسول سيء المزاج، ولكن الرجل في الصورة على موقع فليكر يبدو واثقًا من نفسه وحسن المظهر».
أخبر سبورلوك الزوجين ويلغوس أن الرجل في صورتهم من المحتمل أنه فينياس غيج. وعندما انتهت بيفيرلي من بحثها على الإنترنت خلصت إلى أن الرجل هو كيج بالفعل. قامت بإرسال نسخة عن الصورة لمتحف وارن، ووصلت بالنهاية إلى جاك إكرت، أمين المكتبة العامة لمركز هارفارد لتاريخ الطب.
يقول إكرت عازمًا: «يا لها من لحظة مدهشة، لا بد أن يكون غيج. كم رجل من القرن التاسع عشر بعين معطوبة وجبين مجروح قد أخذت لهم صورة ممسكين بأداة حديدية؟ أداة حديدية عليها نقوش؟».
لم يلاحظ الزوجان ويلغوس النقوش من قبل، ففي النهاية لا يتجاوز قياس اللوحة 2.75* 3.25 إنش. ولكن بعد عدة أيام من تلقي ملحوظة سبورلوك، صوّب جاك، بروفيسور التصوير المتقاعد، كاميرته على الصورة، قال جاك: «هناك كتابة على هذه العصا»، لم يستطع قراءتها بالكامل، ولكن جزء منها يبدو أنه يقول «مخترقةً رأس السيد في….»
توجه الزوجين ويلغوس إلى هارفارد في آذار عام 2009، ليقارنوا الصورة التي لديهم بقناع فينياس غيج والقضيب الحديدي التي نقش عليه خلال حياة كيج: «هذه العصا التي انطلقت مخترقةً رأس السيد فينيهاس غيج»، مع خطأ بكتابة الاسم.
لم تعلن هارفارد رسميًا أن الصورة هي لغيج، ولكن ماكميلان، الذي تواصل معه الزوجين ويلغوس لاحقًا، كان متأكدًا تمامًا. لقد علم أيضًا بصورة أخرى لكيج يحتفظ بها أحد من سلالة أقاربه. قال سبورلوك، عندما أتاه الرد بأن حدسه كان صحيحًا: «فتحت باب البهو وأخبرت زوجتي، لقد ساهمت باكتشاف تاريخي!».
اقرأ أيضًا
فتح هؤلاء الأطباء جمجمة المريض الخطأ وأجروا له جراحة دماغ غازية
علم الأعصاب: الرجل الذي رأى الزمن يتوقف أمام عينيه
ترجمة شهد نداف – تدقيق أحلام مرشد