ترعرعت في ستينيات القرن المنصرم، حين كان الحاسوب ضخمًا لدرجة أنه يشغل غرفة بأكملها، وكانت البيانات مخزنة على بطاقات مثقبة تحمل التحذير المطبوع «لا تطوي أو تلف أو تشوه»، ولم يكن بإمكانك فعل الكثير بتلك الأجهزة، لذا كان من المدهش للغاية أن أشهد تقدُّم قوة الحوسبة وقدراتها خلال حياتي.
كان أول جهاز حاسوب مكتبي اشتريته سنة 1988 أسرع بنحو 10 أضعاف مقارنةً بالحاسوب الذي استخدمه رواد فضاء أبولو 11 في طريقهم إلى القمر سنة 1969. اليوم، أصبح جهاز آيفون الذي أحمله في جيبي أقوى من كليهما!
فيم يُستخدم أسرع حاسوب فائق في العالم ؟
في رأي كثيرين منا، يبدو الحاسوب سريعًا بما يكفي إن كان قادرًا على تشغيل لعبة «ليجو سيد الخواتم» أو عندما نُشاهد مقطع فيديو على يوتيوب لكلب على لوح تزلّج، لكن في رأي العلماء الذين يحتاجون إلى العمل على مشكلات بالغة التعقيد، فإن معالجة 158 مليار عملية حسابية في الثانية -تلك التي قد يؤديها أي جهاز حاسوب بمعالج (i7)- لا تقترب حتى من أن تكون كافية.
هذا ما جعل الباحثين متحمّسين للغاية بشأن اللعبة الجديدة في مختبر أوك ريدج الوطني في تينيسي، الحاسوب الفائق تيتان الذي صممته شركة كراي، حين كُشف النقاب عن هذا الحاسوب في أكتوبر 2012، حصل تيتان على لقب أسرع حاسوب في العالم ، الذي احتفظ به منافسه السابق جهاز «آي بي إم سيكويا جين الأزرق كيو» في مختبر لورانس ليفرمور الوطني في كاليفورنيا ستة أشهر فقط.
كم تبلغ سرعة الحاسوب الفائق تيتان؟ تبلغ سرعته القصوى 27 بيتافلوب نظريًا، قد لا يبدو ذلك مثيرًا للإعجاب حتى تعلم أنّه يعادل 27,000 تريليون عملية حسابية في الثانية، أي إنه أسرع بمئات آلاف الأضعاف مقارنةً بأفضل جهاز حاسوب لديك، لكن على نقيض حاسوبك، فإن تيتان لن يناسب سطح مكتبك، إذ يشغل مساحة تعادل ملعب كرة سلّة.
سرعة تيتان الفائقة جعلت منه أداةً رائعة لمعالجة مشكلات معقدة للغاية، تتضمن كميات هائلة من البيانات، ما دفع الباحثين للتخطيط لاستخدامه في إجراء عمليات محاكاة مفصّلة لمناخ الأرض، ما قد يُنتج أفكارًا عن كيفية تخفيف الاحتباس الحراري، وقد يُستخدم أيضًا للمساعدة على تصميم محركات احتراق داخلي وألواح شمسيّة فائقة الكفاءة، فضلًا عن تشغيله محاكاةً بيولوجية ستساعد على تسريع اختبار الأدوية الجديدة. قد يساعد تيتان العلماء على محاكاة تحطيم الروابط التي تربط الجزيئات معًا، مانحًا إياهم رؤًى جديدة عن إحدى أهم العمليات في الطبيعة.
لا تقتصر أهمية تيتان على كونه يمتلك سرعة خارقة، بل لأنه أيضًا رائد في نوع جديد من تصميم الحواسيب الفائقة التي قد ينبثق عنها جيل من الآلات الأسرع. لسنوات، وصل العلماء إلى سرعات أعلى بسهولة بواسطة صناعة آلات تحوي الآلاف من وحدات المعالجة المركزية، ثم تقسيم العمليات الحسابية إلى أجزاء أصغر، تُقسم بين تلك الوحدات، لكن يكمن عيب هذا النهج في أن شرائح وحدة المعالجة المركزية تلك تتطلب كمًا هائلًا من الطاقة.
يقرن حاسوب تيتان جميع وحدات معالجته المركزية البالغ عددها 18,688 مع وحدة معالجة الرسوم -نوع من الشرائح المستخدمة في أجهزة الحاسوب السريعة المخصصة للألعاب- لتسريع العمليات الحسابية، ولا تستهلك وحدات معالجة الرسوم قدرًا هائلًا من الطاقة مثل وحدات المعالجة المركزية، من ثم فإن النتيجة هي آلة أسرع من سابقاتها وأكفأ في استغلال الطاقة.
يشقّ تيتان الطريق نحو أجهزة الحاسوب من فئة الإكساسكيل، أي آلات أسرع بألف ضعف مقارنةً بأقوى أجهزة الحاسوب الفائقة اليوم.
اقرأ أيضًا:
الصين تزعم بناءها اول كومبيوتر من فئة ال Exascale
قفزة مهمة في السباق نحو حوسبة كمومية
ترجمة: مي مالك
تدقيق: يمنى عيسى