يتشكل الكون من المادة، لكن مم تتكون المادة؟ لطالما كان هذا السؤال عصيًا على من يفكر به، خاصة الفيزيائيين. قدَّم لاري سيلفربيرغ وزميله جيفري إيستشين وصفًا محدَّثًا للتفكير بماهية المادة، مشيرين إلى حديث الساعة في الوسط العلمي الفيزيائي، واقترحا أن المادة لا تتكون من جسيمات أو موجات كما كان معتقدًا، بل تتكون بشكل أساسي من جزيئات من الطاقة.
من خمسة مكونات إلى مكون واحد
اعتقد اليونانيون القدماء أن للمادة خمسة مكونات أساسية، وهي تصاعديًا: الأرض، والماء، والهواء، والنار، والأثير، وكان يُعرف الأثير على أنه المادة التي تمتلئ بها الجنة، وعلى أنه المادة التي فسرت حركة دوران النجوم كما تظهر من الأرض.
كانت هذه أول العناصر الأساسية التي بواسطتها تبنى العوالم، لم تتغير مفاهيم اليونانيين القدماء هذه قرابة 2000 عام.
ثم جاء السير إسحاق نيوتن وقدّم قبل نحو 300 عام مقترحًا ينص على أن كل المادة توجد في نقاط تسمى جسيمات. بعد مئة وخمسين عامًا، قدم جيمس كليرك ماكسويل الموجة الكهرومغناطيسية، الشكل الأساسي وغير المرئي للمغناطيسية، والكهرباء، والضوء.
كان الجسيم بمثابة الحجر الرئيسي للميكانيكا، وكذلك الموجة للكهرومغناطيسية، واستقر رأي العامة على اعتبار الجسيم والموجة معًا البِنى الأساسية لكل أنواع المادة.
كان ذلك تقدمًا على نموذج العناصر الخمسة لليونانيين القدماء، لكنه كان ما يزال معيبًا، ففي سلسلة مشهورة من التجارب، تعرف باسم تجارب الشق المزدوج، يعمل الضوء أحيانًا كجسيم وأحيانًا أخرى كموجة. بينما تفسح نظريات ورياضيات الموجات والجسيمات المجال أمام العلماء لعمل تنبؤات دقيقة حول الكون، إلا أن القوانين تتكسر عند المقاييس الكبيرة والصغيرة.
اقترح آينشتاين حلًا لهذا الخلل في نسبيته العامة باستخدام الأدوات الرياضية المتاحة له في ذلك الوقت، واستطاع شرح ظواهر فيزيائية معينة بشكل أفضل، وحل أيضًا مفارقة قديمة تتعلق بالقصور الذاتي والجاذبية، ولكن بدلاً من تحسين نماذج الجسيمات أو الموجات، تخلص منها وقدَّم مفهوم تشوّه الزمان والمكان.
باستخدام أدوات رياضية أحدث، عرض لاري وزميله جيفري نظرية جديدة قد تصف الكون بدقة. وبدلاً من تأسيس النظرية على تشوّه الزمان والمكان، اعتبر العالمان إمكانية وجود بنية أكثر أساسيةً من الجسيم والموجة.
يدرك العلماء أن الجسيمات والموجات متضادات وجودية، فالجسيم مصدر المادة موجود في نقطة مفردة، بينما تتواجد الموجات في كل مكان باستثناء مصادر تشكلها، ويعتقد العالمان بمنطقية وجود علاقة أساسية بينهما.
التدفق وجزيئات الطاقة
تشير النظرية الجديدة إلى فكرة أساسية تبدأ من أن الطاقة دائمًا ما تتدفق عبر الزمان والمكان.
تُصوّر الطاقة في النظرية على أنها مكوّنة من خطوط تملأ منطقة من المكان والزمان، وتتدفق من تلك المنطقة وإليها، بلا نقاط بداية أو نهاية، ولا تنتهي أبدًا، ولا تتقاطع مع بعضها.
انطلاقًا من فكرة كون يتكون من خطوط الطاقة المتدفقة، بحث العالمان عن بنية مفردة لتدفق الطاقة، وإذا نجحا في العثور والتعرف على بنية كهذه، سيتمكنان من استخدامها لإجراء تنبؤات دقيقة حول الكون في أكبر مقاييسه وأصغرها.
كان هنالك العديد من البِنى الأساسية للاختيار منها رياضيًا، لكن البحث تركز حول إيجاد بنية بسمات كل من الجسيم والموجة، أي تتركز كالجسيم وتنتشر عبر الزمان والمكان كالموجة.
وجد الحل في بنية تشبه تركيز الطاقة -كما في بناء النجوم- تمتلك طاقة أعلى في المركز، وتقل بعيدًا عنه.
وبشكل مثير للدهشة، اكتشف العالمان أنه لم يكن هنالك سوى عدد محدود من الطرق لوصف تركيز من الطاقة بإمكانه التدفق، من بين تلك الطرق، وجدا أن واحدًا فقط يعمل وفقًا للتعريف الرياضي للتدفق.
أطلق عليه اسم جزيء الطاقة، ويعطى وفق العلاقة
A = -⍺/r
حيث تمثل ⍺ الكثافة، وتمثل r دالة المسافة.
باستعمال جزيء الطاقة بنيةً أساسية للمادة، أجريت الحسابات الرياضية اللازمة لحل المشكلات الفيزيائية، والخطوة الأخيرة كانت اختبار البنية.
بالعودة إلى آينشتاين
منذ أكثر من 100 عام، تطرق آينشتاين إلى معضلتين في الفيزياء لإثبات صحة النسبية العامة: الانزياح السنوي الطفيف -أو المبادرة- في مدار عطارد، والانحناء البسيط للضوء في أثناء مروره بالشمس.
كانت المعضلة في الطرفين المتضادين لحجم الطيف، إذ لم تتمكن نظريات الموجة والجسيم للمادة من حلها، لكن النسبية العامة قامت بذلك.
نصَّت نظرية النسبية العامة على تشوه الزمان والمكان بطريقة تفسر التحول في مسار عطارد، وتفسر انحناء الضوء بدقة كما يظهر في القياسات الفلكية.
إذا أتاحت النظرية الجديدة الفرصة لاستبدال الجسيم والموجة بالجزيء الأساسي المفترض، فسنكون قادرين على حل هذه المشكلات بنظريتنا أيضًا.
بالنسبة إلى معضلة انزياح عطارد، نُمذجَت الشمس على أنها جزيء ثابت هائل من الطاقة وعطارد على أنه جزيء هائل أصغر وأبطأ من الطاقة، أما بالنسبة إلى معضلة انحناء الضوء، صُمم نموذج للشمس بنفس الطريقة، واعتبر الفوتون جزيئًا صغيرًا من الطاقة يتحرك بسرعة الضوء.
قال سيلفربيرغ: «في كلتا المعضلتين، حسبنا مسارات الجزيئات المتحركة، وحصلنا على نفس الإجابات التي تنبأت بها النسبية العامة. لقد ذهلنا».
«أظهر عملنا الأولي كيف أن البنية الأساسية الجديدة قادرة على نمذجة مختلف الأجسام بدقة من أكبرها إلى أصغرها. عندما تتكسر الجسيمات والموجات، يظل جزيء البناء الأساسي للطاقة متماسكًا».
يمكن للجزيء هذا أن يكون وحدة بناء عالمية محتملة يمكن بها صياغة الواقع رياضيًا، وتحديث طريقة التفكير حول البنيات الأساسية للكون.
اقرأ أيضًا:
تفسير مبسط لنظرية النسبية العامة
ما هي الموجات الكهرومغناطيسية؟ كيف تعمل وما هو مبدأها؟
ترجمة: حمزة البدارنة
تدقيق: مازن النفوري