في سابقة فلكية، رصد أدلة على وجود كوكب يدور حول قزم أبيض.. للنجوم الميتة أيضًا كواكب تدور حولها! تشير دراسة جديدة إلى أنه لأول مرة على الإطلاق، تمكَّن فلكيون من رصد أدلة على وجود كوكب خارج نظامنا الشمسي يدور حول أحد النجوم الميتة عالية الكثافة، المعروفة بالأقزام البيض white dwarf.
شاهد الفيديو:
يقول المؤلف الرئيس للدراسة بوريس غينسك Boris Gaensicke، من جامعة وورويك Warwick في إنجلترا: «يُعد هذا الاكتشاف تقدمًا هائلًا في المجال، إذ حصلنا في العقدين الماضيين على معلومات حول إمكانية نجاة الكواكب في مرحلة القزم الأبيض من حياة النجوم، وقد رصدنا الكثير من الكويكبات والنيازك والأجسام الشبيهة بالكواكب تصدم أقزامًا بِيضًا، ولتفسير هذه الظاهرة لا بد من وجود فعلي لكواكب حول الأقزام البِيض، وهو ما رصدناه بالفعل، لذلك يُعد هذا إنجازًا مهمًّا».
تمكن العلماء من رصد أدلة على وجود كوكب بحجم كوكب نبتون يدور حول قزم أبيض. تعمل الفوتونات عالية الطاقة المنبعثة من القزم الأبيض على تبخر الغلاف الجوي للكوكب، المكوَّن أساسًا من الهيدروجين والكبريت والأوكسجين.
ستنتهي دورة حياة أكثر نجوم مجرة درب التبانة -بما في ذلك الشمس- بتحولها إلى قزم أبيض ، ويحدث ذلك عند نفاد الوقود النووي للنجم، فيتحول إلى عملاق أحمر red giant، ينهار على نفسه متحولًا الى قزم أبيض ، يقارب حجمه حجم كوكب الأرض، لكن بنفس كتلة الشمس.
أما النجوم التي تبلغ كتلتها ثمانية أضعاف كتلة الشمس أو أكثر، فتنفجر فيما يسمى بانفجار المستعر الأعظم supernova، مخلفةً نجومًا نيوترونية neutron star أو ثقوبًا سوداء Black hole، وهي أجسام أكثف وأكثر إثارةً للاهتمام من الأقزام البيضاء، ومن المعروف أن النجوم النيوترونية تستضيف كواكب، وفي حالة أول كوكب مُكتشَف يدور حول نجم نيوتروني، وُجد أن النجم النيوتروني هو نوع من النجوم النيوترونية التي تدور حول نفسها سريعًا، ويُسمى النجم النيوتروني النابض pulsar.
عكف غينسك وزملاؤه على دراسة القزم الأبيض المسمى WDJ0914+1914، الذي يبعد 2,040 سنة ضوئية عن الأرض، مستخدمين في ذلك البيانات التي جمعها ماسح السماء الرقمي سلون the Sloan Digital Sky Survey، ورصدوا انبعاثات الهيدروجين والكبريت والأكسجين من القزم الأبيض.
ولأن هذا يُعَد مزيجًا غريبًا مقارنةً بالغازات المنبعثة من الأقزام البيضاء عادةً، أعاد الفريق المراقبة باستخدام تليسكوب المرصد الأوروبي الجنوبي الكبير VLT الموجود في تشيلي، ووجد النتيجة ذاتها، وفُسر ذلك بأن هذه الغازات تنبعث من سحابة غازية محيطة بالقزم الأبيض.
يقول غينسك: «ظننا في البداية أننا وجدنا نجمًا ثنائيًّا binary star مع قرص متراكم يتدفق بين النجمين، لكن تبين لنا أنه قزم أبيض وحيد، محاط بقرص يبلغ حجمه 10 أضعاف حجم الشمس، ويتكون أساسًا من الهيدروجين والأكسجين والكبريت، وهو اكتشاف فريد من نوعه وغير مسبوق».
يرى الباحثون أن هذا القرص يشبه في مكوناته عمالقة الجليد أورانوس ونبتون في نظامنا الشمسي، ويدور فيه كوكب شبيه بنبتون، يبلغ حجمه 4 أضعاف حجم النجم WDJ0914+1914، ويتم دورةً واحدةً حوله كل 10 أيام أرضية.
لكن لن يعيش هذا الكوكب طويلًا، إذ تشير الحسابات إلى أن حرارة القزم الأبيض البالغة 28 ألف درجة مئوية، تؤدي إلى تبخر كتلة الكوكب بمعدل عال، يبلغ 3640 طنًّا في الثانية.
بعد 6 مليارات سنة، ستنتهي حياة الشمس بتحولها إلى قزم أبيض ، سينجو المريخ والكواكب الغازية العملاقة من تحول العملاق الأحمر، وفي المليون عام الأولى من تشكل القزم الأبيض، سيكون ساخنًا جدًّا وسيبعث الأشعة فوق البنفسجية بكثافة، ما سيؤدي إلى تبخر الغلاف الجوي للكواكب الغازية، جزء من هذه الغازات سيحيط بالقزم الأبيض مكونًا قرصًا كالمرصود حاليًا.
يقول غينسك: «لا نستطيع رؤية الكوكب الذي يدور حول النجم مباشرةً، لكن درجة الحرارة العالية للنجم تؤدي إلى تبخر الكوكب، وقد رصدنا الفقد من غلافه الجوي. يوجد العديد من الأقزام البيضاء بدرجة حرارة أقل، تدور حولها كواكب، لكن بسبب انخفاض طاقة فوتوناتها نسبيًّا، لن نتمكن من رصدها بنفس الطريقة، لكن ستُرصد بعض هذه الكواكب باستخدام تقنية العبور، عندما يبدأ عمل تليسكوب المسح السينوبتي الكبير».
تليسكوب المسح السينوبتي الكبير The Large Synoptic Survey Telescope:
مرصد ضخم تحت التأسيس في شيلي، سيبدأ العمل في بدايات العقد التالي (عشرينيات القرن الحالي).
تقنية العبور The transit method:
وسيلة شائعة لاكتشاف الكواكب الغريبة، تستخدمها وكالة ناسا باستخدام تليسكوب كبلر Kepler space telescope، وتتمثل في ملاحظة التغيرات الصغيرة في سطوع النجوم، التي تحدث عندما يمر كوكب أمام سطح النجم.
لم يرصد الباحثون الكوكب حول WDJ0914+1914 مباشرةً، لكنهم حصلوا على بيانات تؤكد وجوده.
يقول المؤلف المشارك في الدراسة ماثياس شريبر Matthias Schreiber من جامعة فالباريسو Valparaiso في إسبانيا:
«إنه لأمر مدهش أن نكتشف أدلةً على وجود كوكب ذي غلاف جوي يدور حول القزم الأبيض المُكتشَف. مع احتياجنا إلى مزيد من التأكيدات لهذه الفرضية، يمثل هذا الاكتشاف طريقًا جديدًا لدراسة الغلاف الجوي للكواكب التي تدور حول نجوم خارج نظامنا الشمسي».
نُشرت الدراسة في مجلةNature ، إضافةً إلى نشر ورقة بحثية عن الموضوع ذاته في مجلة Astrophysical Journal Letters . يعكف الفريق حاليًا على تخيل سيناريو لما سيحدث في نظامنا الشمسي بعد 4.5 مليار عام من الآن، عندما ينفد الوقود الشمسي، فتتحول الشمس إلى عملاق أحمر يبتلع عطارد والزهرة، وربما الأرض كذلك.
يعتقد الفريق أن القزم الأبيض الذي ستتحول إليه الشمس في المستقبل، سيُطلق من الفوتونات عالية الطاقة ما يكفي لتبخر جميع كواكب الغاز العملاقة في نظامنا الشمسي، لذلك فمن المحتمل أن يكتشف الغازاتِ المنبعثةَ من هذه الكواكب فضائيون يراقبون نظامنا الشمسي حينئذ، مثلما رصدنا نحن الغازات المنبعثة من الكوكب الشبيه بنبتون، الذي يدور حول النجم WDJ0914+1914. إن اكتشاف هذا النجم يعطينا لمحةً مستقبليةً عن مصير نظامنا الشمسي.
اقرأ أيضًا:
قام العلماء بالنظر داخل (قزمٍ أبيض) وما وجدوه كان غير متوقعٍ
قام العلماء بالنظر داخل (قزمٍ أبيض) وما وجدوه كان غير متوقعٍ
ترجمة: ياسمين نصر الله
تدقيق: أكرم محيي الدين
مراجعة: صالح عثمان