من الحفر في براكين أيسلندا إلى «المشي على القمر» في صحاري أريزونا، يحاكي رواد الفضاء بيئة الفضاء الخارجي.

على امتداد البصر، تظهر صخور بنية مائلة إلى الحمرة، وأفق خالٍ من النباتات، إلى جانب أرض قاحلة وباردة، تقترب فيها درجات الحرارة صيفًا من درجة التجمد، وتتساقط عليها قطع الجليد طوال العام، في غياب تام للوجود البشري. قد يظن البعض أن هذا المكان يشبه المريخ، لكنه في الحقيقة جزيرة نائية في أقصى شمال كندا تُسمى جزيرة ديفون. يزخر كوكبنا بمثل هذه المواقع، ولهذا يستعين رواد الفضاء بهذه البيئات الغريبة التي تبدو كأنها من عالم آخر -لكن مع هواء صحي للتنفس بالطبع- للتدريب على الحياة خارج الأرض. دعونا نلقي نظرة على خمسة مواقع يستخدمها رواد الفضاء على الأرض للتحضير للسفر إلى الفضاء.

براكين أيسلندا:

أرسل مؤخرًا برنامج «أرتميس» التابع لناسا رواد فضاء للقيام برحلة عبر المناظر الطبيعية البركانية في أيسلندا. استُخدم هذا الموقع تحديدًا على الأرض للتدريب الفضائي منذ أيام رحلة «أبولو»، إذ وصفه رواد الفضاء بأنه «أحد أكثر مواقع التدريب شبهًا بالقمر التي زاروها»، قائدة تدريب الجيولوجيا في برنامج أرتميس، سيندي إيفانز، أعربت عن إعجابها بالمناظر الطبيعية في أيسلندا قائلة: «إنه يشبه القمر، ويحتوي على مجموعة من الميزات التي سيلاحظها رواد الفضاء ويستكشفونها هناك».

إضافةً إلى ذلك، فإن الصخور في أيسلندا هي من نفس نوع الصخور الموجودة على القمر: البازلت، الذي يتشكل بتبريد الصهارة، والبريشيا، وهي نوع من الصخور الهجينة المكونة من قطع مختلفة تندمج معًا. في هذا المشهد الشبيه بالقمر، يمارس رواد الفضاء مهاراتهم الجيولوجية باستخدام أدوات تقليدية مثل المطارق والمغارف والجرافات لجمع العينات.

تحت الماء: فلوريدا كيز

يتضح على الأرض عدم وجود فراغ فضائي، ففي أي مكان تقريبًا نتجه إليه نجد هواءً نتنفسه، ويمكننا التجول دون الحاجة إلى بذلة خاصة، رغم حاجتنا إلى ملابس دافئة في القطب الشمالي. مع ذلك، يظل المحيط بيئة معادية مثل الفضاء الخارجي. إذ يتعين عليك حمل الأكسجين معك عند الغوص في أعماقه، وحماية جسمك من الضغوط الخطيرة، والتكيف مع غياب جاذبية الأرض التي اعتدت تأثيرها.

تقع محطة «أكواريوس» للأبحاث، التي تديرها وكالة ناسا وجامعة فلوريدا الدولية، على بعد نحو 3.5 أميال من «كي لارجو»، على عمق 20 مترًا تحت سطح البحر. في أكواريوس، يعيش الغواصون ويعملون داخل بيئتهم التي تشبه المركبات الفضائية، إذ يختبرون تقنيات جديدة للسير الفضائي وغيرها من التقنيات اللازمة للعيش في الفضاء.

كونكورديا، القارة القطبية الجنوبية:

يُعد العيش في الفضاء أمرًا مرهقًا، فأنت بعيد كل البعد عن أي دعم أو اتصال حضاري، وتعيش في عزلة ضمن مساحة ضيقة، والخارج قادر على قتلك حرفيًا إن لم تكن مستعدًا لمواجهته. لا يوجد مكان على الأرض يستوفي هذه المعايير الثلاثة إلا القارة القطبية الجنوبية، بتضاريسها المتجمدة التي تمثل خطرًا جسيمًا على البشر، مع غياب المدن الكبرى عن الأفق أو حتى على مسافة قريبة بالسيارة أو الطيران. تقع بعض محطات الأبحاث على سواحل القارة، ما يسهل الوصول إليها قليلًا، مثل محطة «ماكموردو». إذ يختبر رواد الفضاء الروبوتات التي ستستكشف الكواكب الأخرى في المستقبل، ويدرس العلماء تأثير انعدام ضوء الشمس خلال ليالي الشتاء القاسية على رواد الفضاء.

على بعد أكثر من 600 ميل من تلك المحطات الساحلية، تقع محطة «كونكورديا» التي تديرها منظمات علمية فرنسية وإيطالية. يعيش أفراد الطاقم في عزلة تامة، إذ يقضي بعضهم شتاءً كاملًا هناك لدراسة ضغوط العزلة وسبل التخفيف منها.

مونا لوا، هاواي:

على قمة بركان «مونا لوا»، على ارتفاع 8000 قدم فوق سطح البحر، تقع محطة أبحاث صغيرة تُعرف باسم (HI-SEAS). في هذا الموطن الصغير، يخوض رواد الفضاء مهمات تتراوح مدتها بين 4 و12 شهرًا لمحاكاة الحياة على المريخ. لإضفاء واقعية قدر الإمكان، يتضمن البرنامج تأخير الاتصال بين سكان المحطة والتحكم الأرضي القريب من مستوى سطح البحر، ليحاكي الوقت المستغرق لانتقال الضوء بين الأرض والمريخ، الذي يبلغ 20 دقيقة. أي أنك إذا أرسلت رسالة من المريخ إلى الأرض، ستستغرق 20 دقيقة للوصول، ثم تحتاج إلى 20 دقيقة أخرى لتلقي الرد.

يتمثل أحد التحديات الكبرى للسفر إلى الفضاء في ضرورة إحضار كل ما تحتاج إليه معك، من أكسجين وطعام وماء، وغير ذلك. إن القدرة على إنتاج تلك العناصر الأساسية في وجهتك سيساعد كثيرًا في تخفيف عبء الحمولة على المركبة الفضائية. وهنا تأتي أهمية الأنظمة المعروفة باسم «استخدام الموارد في الموقع»، وهي أدوات تستخلص الماء وثاني أكسيد الكربون من الصخور البركانية، وقد تكون مفيدة في استكشاف واستخدام المياه على القمر يومًا ما. حاليًا، تختبر وكالة ناسا -بالتعاون مع وكالة الفضاء الكندية- هذه التقنية على جبال هاواي البركانية، حيث تُعد الصخور والتربة هناك نظيرًا جيدًا لجيولوجيا القمر.

حقل سان فرانسيسكو البركاني، أريزونا:

تُعد صحارى أريزونا وجهة مفضلة لرواد الفضاء منذ فترة طويلة، إذ استُخدمت منذ عصر أبولو. يشبه حقل سان فرانسيسكو البركاني في أريزونا -الواقع بالقرب من فلاجستاف- السهول البركانية في أيسلندا، ما يجعله مثاليًا للتدريب على السير على سطح القمر وصقل مهارات رواد الفضاء الجيولوجية. في وقت سابق من هذا العام، أجرى رواد الفضاء في برنامج أرتميس سلسلة من المحاكاة للسير على سطح القمر، لاختبار الخطط الدقيقة للرحلات المستقبلية إلى القطب الجنوبي القمري.

قالت مديرة الاختبارات الميدانية، باربرا جانوكو: «تؤدي الاختبارات الميدانية دورًا حاسمًا في مساعدتنا على اختبار جميع الأنظمة والأجهزة والتكنولوجيا التي سنحتاج إليها لإجراء عمليات ناجحة على سطح القمر خلال مهمات أرتميس. تمنحنا هذه المحاكاة فرصة لممارسة تنفيذ الدراسات الجيولوجية من بُعد في الوقت الفعلي».

اقرأ أيضًا:

اختبار عمل أجهزة التكييف على سطح المريخ أو القمر بمحاكاة على محطة الفضاء الدولية

ترجمة: لور عماد خلیل

تدقيق: مؤمن محمد حلمي

المصدر