فقط قلة من الأشياء يعُدُّها علماء الأحياء أهم من التفكير في بعض مناطق العالم التي ما تزال خالية من الآثار البشرية الضارة. على مدى ثلاثين عامًا الماضية، حاول العلماء الساعون لحماية التنوع البيولوجي للأرض تحديد أهداف للحفاظ على هذه المناطق المتبقية من الحياة البرية وتوسيعها.
لكن، ما «البرية»؟ وكيف نعرف أننا وجدناها بالفعل؟ يصف معظم الناس المناطق البعيدة التي يسكنها عدد قليل من الناس بالبرية، لكن الأمر أعقد للعلماء، فمعظم تعريفات العلماء للبرية تتعلق بمبدأ «سلامتها من أضرار البشر».
إذا كان الهيكل الأساسي المَواطِن الأصلية سليمًا، مع القليل من الأدلة على تأثير الإنسان، كما في الغابات، فغالبًا ما تُعد بريةً.
حاولت الدراسات التي أُجريت على مدار العقد الماضي رسم خريطة لتجسيد مدى سلامة النظم البيئية على نطاق عالمي، باستخدام صور الأقمار الصناعية، تشير تقديراتهم إلى أن ما بين 20 و40% من سطح كوكبنا يُعد سليمًا بيئيًا.
لكن الأقمار الصناعية وسيلة محدودة لكشف مدى اقتراب تلك البيئة من كونها برية. أدى انقراض الثدييات والطيور الكبيرة بسبب الصيد وظهور الأنواع والأمراض الغازية لتلك البيئة السليمة إلى نضوب التنوع البيولوجي للمناطق البرية في العالم.
استخدم الباحثون تعريفًا مختلفًا للنظم البيئية السليمة، مع الأخذ في الحسبان توفر جميع الأنواع المعروفة بوجودها في تلك المناطق، وهل هي وفيرة بما يكفي لتؤدي أدوارها البيئية، مثل الحيوانات المفترسة أو مشتتات البذور.
حُددت سنة 1500 معيارًا، ما يعني أن أجزاء العالم التي ما زالت سليمة بيئيًا كما كانت قبل 500 عام، بوجود نفس الأنواع وبمستويات وفرة مقاربة، يمكن أن تُعد بريةً.
اكتشفنا أن 2.8% فقط من سطح الكوكب يناسب هذا الوصف، إذ تنتشر هذه البقع التي يبلغ حجم كل منها نحو 10 آلاف كيلومتر مربع أو أكثر في أماكن مختلفة حول العالم.
تشمل تلك المواقع حديقة نوبالي ندوكي الوطنية في الكونغو، وسيرينجيتي نجورونجورو في تنزانيا، وإقليم ألتو ريو نيغرو الأصلي في غابات الأمازون، وبولينيا سيبيريا العظمى شمال روسيا، وحديقة كويسكار الوطنية جنوب تشيلي.
هذه الأماكن الخاصة نادرة جدًا ويجب الحفاظ عليها، لكن 11% منها فقط تقع ضمن مناطق محمية.
عَقدُ إعادة التوطين
جزء صغير فقط من النظم البيئية للأرض سليمة كما كانت قبل 500 عام، لكن ما الذي قد يتطلبه الأمر لاستعادتها؟
من الواضح أنه حيثما انقرض نوع ما، فإنه لا يمكن استعادة البرية الأصلية، لكن إذا كانت الأنواع التي استُؤصلت من مواطنها الأصلية نجحت في البقاء على قيد الحياة في بيئة أخرى، فثمة أمل في استعادة سلامة النظام البيئي بإعادة توطين الأنواع.
سيتطلب ذلك التزامًا كبيرًا من الحكومات والهيئات متعددة الجنسيات، إذ إن عملية إعادة التوطين مكلفة وصعبة، ويجب القضاء على العوامل المهددة للحياة البرية لضمان النجاح.
نتوقع إمكانية استعادة النظم البيئية في مجتمعات الحياة البرية التي تمتلك مستويات تاريخية من الوفرة والنشاط، والتي قد تصل إلى 20% من أراضي الكوكب. لقد حددنا الأماكن التي فُقدت فيها خمسة أنواع حيوانية كبيرة أو أقل، التي قد يكون من الممكن إعادتها، بالتركيز على مناطق العالم التي تبدو فيها تلك المواطن الأصلية سليمة وفقًا لصور الأقمار الصناعية.
مثلًا، فقدت بعض المناطق المحمية في حوض الكونغو أفيال الغابات، لكن هذه المناطق لا تزال كبيرة ونائية بما يكفي، وبها الكثير من المواطن الأصلية السليمة لدعم هذه الأنواع، لذا قد تنجح إعادة توطين الأفيال هناك إذا أمكن السيطرة على عمليات الصيد.
في حين ينظر العالم في إطار جديد لإدارة التنوع البيولوجي، تبرز سلامة النظم البيئية هدفًا مهمًا. أطلقت الأمم المتحدة على العقد الأول من القرن الحادي والعشرين اسم «عقد إعادة التوطين»، إذ يجب تحويل الجهود الوطنية إلى استعادة تلك المواطن الأصلية المتدهورة.
إن إصلاح أكثر المَواطِن الأصلية تضررًا في العالم أمر مهم بلا شك، لكن توجد فرصة لاستعادة المَواطِن السليمة نسبيًا إلى ما يشبه مجدها السابق.
فبدلًا من مجرد الحفاظ عليها، لنكن طموحين ونحاول توسيع هذه البقع النادرة الأصلية، بإعادة توطين الحيوانات المفقودة منذ أمد بعيد.
إذا نجحنا في ذلك، فقد تُعد تلك المناطق بعد إصلاحها تذكارًا لا يقدر بثمن لما فقده بقية العالم، ومعيارًا مفيدًا يمكن بواسطته قياس القيمة الحقيقية للحياة البرية.
اقرأ أيضًا:
بيانات الاستشعار عن بعد تكشف عن المئات من الانواع المهددة ب الانقراض !
ترجمة: رياض شهاب
تدقيق: أكرم محيي الدين