كل عام تكمل الأرض دورةً كاملة حول الشمس، ونحصل نحن البشر على فرصة لضغط زر إعادة التشغيل، لنصبح أكثر لياقةً، ونسخةً أفضل من أنفسنا.
وكما هي العادة تُغرَق وسائل التواصل الاجتماعي بنصائح حول تناول الطعام الصحي، وممارسة التمارين بانتظام، وخسارة الوزن والمحافظة على الصحة.
نشعر في هذا الوقت من السنة أننا لا نُهزم، وأننا مسلحون بقوة متجددة وحماس لتطهير أنفسنا من انغماساتنا السابقة وأساليبنا الكسولة.
السنة الجديدة هي وقت بزوغ شخصياتنا المتحمسة المندفعة سريعة الإرضاء، فنمارس الكثير من التمارين في وقت قصير لتعويض ما فاتنا. لكن الإجهاد العضلي خاصًة بعد فترة من الخمول، قد يسبب أذى فيزيائيًا وكيميائيًا لأغشية الخلايا العضلية، ما قد يسبب تفجرها.
بصفتي معالجًا فيزيائيًّا واختصاصيًّا في العلاج الرياضي، أدرس التمارين المرتبطة بالانهيار العضلي، وأرى وأسمع الكثير عن حوادث التمزق العضلي والإصابات العظمية التي تسبب أذى في أجزاء أخرى من الجسم.
ليست هذه المعلومات لإخافة الناس أو إصابتهم بالكسل، لكننا نُذكِّر الرياضيين والمدربين والأشخاص العاديين أن الاستجابة الوظيفية المرغوبة عند القيام بالتمارين تتطلب التمرين التدريجي، مع وجود فترات راحة بين التمارين.
أكثر من إصابة عضلية
المصطلح الطبي لتمزق خلايا العضلات الهيكلية هو انحلال العضلات المخططة (انحلال الرُّبَيدات) Rhabdomyolysis، أو Rhabdo اختصارًا. عند تمزق الخلايا العضلية أو تفجرها تُطرَح محتويات هذه الخلايا في مجرى الدم، تتضمن هذه المحتويات إنزيمات مثل كرياتين كيناز Creatine Kinase، وشوارد مثل البوتاسيوم، وبروتينات مثل ميوغلوبين Myoglobin.
الميوغلوبين هو بروتين كبير أحمر اللون، قادر على إعاقة نظام تصفية الكلية أو النبيبات الكلوية التي تؤدي دور قنوات المياه في الكلية. أيضًا قد يتفكك هذا البروتين إلى مواد سامة تسبب أذى للكلية. وفي حالات نادرة قد يسبب ارتفاع مستويات الميوغلوبين في الدم بشدة توقف وظيفة الكلية بالكامل، وهو ما حدث لشاب بعمر 27 عامًا في أثناء سباق ماراثون، ما أدى إلى وفاته جراء فشل كلوي.
في دراسة تضمنت سبَّاحي الجامعات، فحصنا كتل العضلات المخططة المتحللة، التي بسببها نُقل 6 من أصل 34 سباحًا إلى المستشفى، بعد منافسة مدتها 20 دقيقة تضمنت تمارين الرفع Pull-ups، والانحناء Rows، وتمارين عضلة الصدر Bench Presses.
تزداد حالات انحلال العضلات المخططة التي تتطلب علاجًا ضمن الفرق الرياضية الجامعية بدرجة خطيرة، وتظهر الأعراض عند لاعبي كرة القدم عندما يعودون إلى التدريب بعد إجازة نهاية الموسم.
حتى الآن سُجلت 17 حالة سببها القيام بالتمارين بكثرة أو بسرعة ضمن وقت قصير جدًّا، وتتضمن هذه الحالات رياضات متنوعة، مثل كرة القدم الأمريكية والسباحة وكرة القدم والعدْو وكرة السلة والسوفت بول والكرة الطائرة والغولف.
إصابات الرياضيين غير التنافسيين
إذن ماذا عنا، نحن الأشخاص العاديين الراغبين في أن نصبح بحالة بدنية أفضل؟ إن أي نشاط بدني مفاجئ أو شديد قد يسبب انحلال خلايا العضلات المخططة.
البستنة gardening أو رفع الأثقال أو تمارين اللياقة البدنية CrossFit وحتى تمارين الجيش الروتينية قد تحرض المرض والأذى الكلوي. سُجلت أكثر من 90 حالة بعد القيام بتمارين على الدراجة الثابتة Spinning، واحتاج 119 طالبًا في تايوان إلى الإسعاف بعد أن أرغمهم معلمهم على القيام بـ 120 تمرين ضغط في 5 دقائق.
قد يحدث تمزق الخلايا العضلية بسبب أي تمرين بدني شديد أو مُفاجئ، يستمر بين 5 دقائق و36 ساعة. أما التدريب المتدرج مع الراحة المناسبة فيحمي العضلات والقلب، ويساعد الجسم على بناء العضلات وزيادة اللياقة وخسارة الدهون.
يؤكد بحثنا أن الاستعداد للتدريب على مدار أسبوعين بعد فترات الراحة الطويلة هو أمر ضروري لأغشية الخلايا العضلية حتى تتكيف مع ضغط التدريب. يُعَد انحلال خلايا العضلات المخططة غير العرضي Subclinical rhabdo، وتضرر العضلات دون أذى كلوي أعراضًا شائعة، وتُمثل استجابةً طبيعية للتدريب، لا تتطلب علاجًا طبيًّا.
لكنك تحتاج إلى فحص طبي دقيق إذا عانيت أحد الأعراض التالية بعد التدريب القاسي، خاصةً إذا كان تاليًا لفترة راحة:
- ألم عضلي شديد لا يُشفى مع الوقت.
- تورم عضلي يؤثر في الحركة.
- غثيان أو إقياء.
- بول داكن جدًّا (يشبه لون الكوكاكولا)، أو بول قليل.
تزيد عوامل الخطر التالية احتمالية تطور مرض انحلال العضلات المخططة بعد التدريب:
- التدرب في جو حار.
- التجفاف أو فرط سوائل البدن (شرب الماء الزائد).
- الإكثار من شرب الكحوليات أو القهوة.
- الحميات الشديدة (النباتية ومرتفعة البروتين).
- مرض فقر الدم المنجلي.
قد يُصاب الرجال والنساء بانحلال الربيدات، وإن كانت أكثر الحالات المُسجلة لدى الرجال. تُعَد عضلات الساعد الصغيرة أكثر عرضةً للتمزق من عضلات الساق، لأسباب ما زالت غير واضحة.
رغم عدم شيوع الحالات العرضية، يجب الحذر من هذا الاختلاط الخطير، خاصةً بعد ازدياد عدد الإصابات. يجب علينا نحن المدربين والعلماء والأطباء أن نشجع الجميع على حصاد ثمار التدريب الصحي المنتظم، لكن يجب أن نُحذر الناس من التمارين الشديدة المُفاجِئة. يمكن المحافظة على سلامة الخلايا العضلية من التمزقات في أثناء التدريب، وحدنا أو مع مدرب، باتباع أساليب التمرين الذكية والسليمة.
اقرأ أيضًا:
هل تفيد التمارين الرياضية الكثيفة حقًا؟
خطوات بسيطة لمساعدتك على الالتزام بممارسة التمارين الرياضية في العام الجديد
تدقيق: أنس بيرام بك داغستاني
مراجعة: أكرم محيي الدين
