يُعد عنقود العنقاء أحد أضخم عناقيد المجرات المعروفة، وقد حدَّد علماء الفلك 42 مجرة ​​حتى الآن، بينما قد يصل عدد المجرات في العنقود إلى ألف مجرة. وبحسب حجمه وعمره، من المفترض أن ينتهي بتكوين النجم القوي الذي يميز المجرات الشابة، ولكن هذا ليس صحيحًا.

يحتاج تكوين النجوم إلى غاز بارد كثيف، والغاز الساخن يقاوم الانهيار إلى أنوية نجمية التي تصبح نجومًا أولية ثم نجومًا من التسلسل الرئيسي. أما المجرات والعناقيد القديمة فقد استنفدت غازها البارد (أو تجردت منه)، وتسمى هذه بالمجرات المُطفأة. وبالوسع تصنيف المجرات من حيث تكوين النجوم إلى مجرات من التسلسل الأحمر (أي قديمة ومطفأة) أو مجرات من السحابة الزرقاء (أي أن تكوين النجوم أكثر نشاطًا).

تبعد المجرة المركزية لعنقود العنقاء نحو 5.8 مليار سنة ضوئية عنا، ومن المفترض أن تنتهي في الغالب بتكوين النجوم. تحتوي العديد من مجموعات المجرات على منطقة من الغاز الساخن في الوسط الداخلي للمجموعة (ICM). يبرد هذا الغاز في المجرة النموذجية ويغذي تكوين النجوم.

لكن من الملفت أن معدل تكوين النجوم الملحوظ في هذه المجرات منخفض جدًا، ولا يوجد دليل على وجود غاز بارد. يطلق علماء الفلك على هذا التناقض مشكلة تدفق التبريد، ويؤدي هذا إلى هذا السؤال: لماذا لا يبرد الغلاف بين المجرات ويشكل نجومًا جديدة؟ والإجابة السائدة أن نفثات الثقوب السوداء من النوى المجرية النشطة تسخن الغاز وتمنعه ​​من تكوين النجوم.

من المفترض أن المجرة المركزية لعنقود العنقاء قد انتهت في الغالب من تكوين النجوم، لكن قلب العنقود شديد السطوع نموذجيًا لتكوين النجوم القوي. يحتوي عنقود العنقاء بطريقة ما على مصدر للغاز البارد الذي يغذي ولادة النجوم، فهل يولد نفسه بطريقة ما؟ أم هل يتدفق من مجرات أصغر سنًا؟

استخدم العلماء تلسكوب جيمس ويب لفحص قلب العنقود، وذلك لأن الملاحظات السابقة باستخدام تلسكوبات أخرى أظهرت أن القلب كان شديد السطوع، ما يشير إلى ولادة نجمية شرسة.

وبما أن هذا يتناقض مع ما يعتقد علماء الفلك أنهم يعرفونه عن مثل هذه العناقيد، فقد أثار فضولهم.

نُشِر البحث بعنوان (التصوير المباشر لتدفق التبريد في عنقود العنقاء) وباحثه الرئيسي هو مايكل ريف طالب دراسات عليا في الفيزياء في معهد كافلي للفيزياء الفلكية وأبحاث الفضاء التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وقد شارك في هذا البحث مايكل ماكدونالد بوصفه أستاذ الفيزياء المساعد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إذ قاد أيضًا فريق البحث الذي اكتشف عنقود العنقاء في عام 2010 باستخدام تلسكوب القطب الجنوبي.

رصد العلماء العنقود بعد عامين باستخدام تلسكوبات متعددة، ووجدوا أن المجرة المركزية في المجموعة كانت ساطعة بشكل غير متوقع بسبب تكوين النجوم الشديد. قال الباحثون إن ما يصل إلى ألف نجم يمكن أن يتشكل كل عام، وهو رقم مذهل مقارنة بمجرة درب التبانة التي تشكل أقل من 10 نجوم سنويًا وفقًا لبعض الأبحاث.

وجد علماء الفلك بعض الغاز الساخن جدًا وبعض الغاز البارد جدًا في عنقود العنقاء، إذ لاحظوا جيوبًا من الغاز شديد السخونة (أكثر من 555 ألف كلفن) ومناطق من الغاز شديد البرودة تبلغ درجة حرارتها 10 كلفن فقط، أي 10 درجات فوق الصفر المطلق.

لا يُعد الغاز الساخن أمرًا غير عادي إذ تستطيع الثقوب السوداء الهائلة إصدار نفاثات شديدة الطاقة بوسعها تسخين الغاز. يبرد بعض هذا الغاز ويشكل النجوم عندما تكون المجرة صغيرة الحجم.

تحتوي المجرة المركزية لعنقود العنقاء أيضًا على بعض الغاز البارد. الأمر الغريب أن الملاحظات السابقة أظهرت أنه لا يوجد غاز دافئ بينهما، فهل توجد إجابة لمشكلة تدفق التبريد في عنقود العنقاء؟

استنتج الباحثون أنه إذا كانت مجرة ​​العنقاء المركزية تولّد الغاز البارد المكتشف بطريقة ما، فيجب أن يوجد غاز دافئ وسيط بين الغاز الساخن والغاز البارد. وهنا يأتي دور تلسكوب جيمس ويب بسبب قدراته القوية، إذ وجد بعض الغاز الدافئ في مجال الأشعة تحت الحمراء. هذا يوضح أن العنقود قادر على توليد الغاز البارد اللازم لتكوين النجوم لأن الغاز الدافئ دليل على الانتقال بين درجات الحرارة القصوى.

استندت ملاحظات تلسكوب جيمس ويب الجديدة إلى انبعاثات النيون، وقدَّمت أول خريطة واسعة النطاق للغاز عند درجات حرارة تتراوح بين مئة ألف ومليون كلفن في عنقود العنقاء، وتمكن العلماء من ذلك باستخدام مطياف الدقة المتوسطة على معهد أبحاث ميري وجمع 12 ساعة من بيانات الأشعة تحت الحمراء، إذ كانوا يبحثون عن طول موجي محدد للضوء المنبعث من النيون عند حوالي 300 ألف كلفن. وهذا يوضح وجود الغاز الدافئ الوسيط الذي سيكون دليلاً على التبريد. الأمر الحاسم هو أن النيون يتزامن مكانيًا مع ميزات أخرى مثل الغاز الأكثر برودة ومواقع تكوين النجوم النشطة. وهذا دليل يدعم وجود صلة مباشرة بين الغاز الوسيط وتبريده وتكوين النجوم.

قال ريف: «هذا الغاز الذي تبلغ حرارته 300 ألف درجة يشبه لافتة نيون متوهجة بطول موجي محدد من الضوء، وبوسعنا رؤية كتل وخيوط منه في جميع أنحاء مجال رؤيتنا بالكامل، ولأول مرة لدينا صورة كاملة لمرحلة السخونة إلى الدفء إلى البرودة في تكوين النجوم التي لم تُرصد حقًا في أي مجرة. توجد هالة من هذا الغاز الوسيط في كل مكان يمكننا رؤيته».

إن عدم تمكن علماء الفلك من رؤية الغاز الدافئ المميز في عنقود العنقاء لا يعني أنه لم يكن موجودًا. يمنح تلسكوب جيمس ويب الباحثين أفضل نظرة على المجرات، ويكشف عن تفاصيل كانت مخفية سابقًا. والسؤال الذي يجب طرحه هو إن كان عنقود العنقاء مميزًا، أم هل سيجد تلسكوب جيمس ويب الغاز الدافئ المميز في مجرات أخرى؟

أضاف ماكدونالد: «لماذا هذا النظام؟ قد يكون هذا الانفجار النجمي الضخم شيئًا يمر به كل عنقود في مرحلة ما، لكننا لا نرى حدوثه حاليًا إلا في عنقود واحد. الاحتمال الآخر هو أن هناك شيئًا متباعدًا حول هذا النظام، وأن عنقود العنقاء سلك مسارًا لا تسلكه الأنظمة الأخرى. سيكون من المثير للاهتمام استكشاف ذلك. كان العنقود الأكثر تشكلًا للنجوم قبل العنقاء في الكون يحتوي على حوالي 100 نجم سنويًا، وحتى هذا كان قيمة استثنائية. العدد النموذجي هو واحد تقريبًا. عنقود العنقاء مختلف حقًا عن المجرات الأخرى».

يقودنا هذا إلى أحد الأسئلة التي لا إجابة لها حول المجرات القديمة حيث يجب أن تكون مطفأة (أو حمراء وميتة)، ولكن ليس كلها كذلك. فمن أين جاء هذا الغاز البارد؟ هل جاء من خارج هذه المجرات؟

قال ماكدونالد: «من أين جاء هذا الغاز البارد؟ ليس من المؤكد أن الغاز الساخن سوف يبرد على الإطلاق، بسبب احتمال وجود ردود فعل من ثقب أسود أو مستعر أعظم. لذلك يوجد عدد قليل من الخيارات القابلة للتطبيق، أبسطها أن مجرات أخرى قريبة ألقت هذا الغاز البارد إلى المركز، والآخر هو أن هذا الغاز يبرد بطريقة أو بأخرى مباشرة من الغاز الساخن في القلب».

إن حقيقة أن انبعاثات [Ne VI] متزامنة مع مواقع تكوين النجوم النشطة تشير إلى حلقة حديثة من التبريد السريع للغاز، ما أدى إلى ارتفاع حاد في التبريد. يقول الباحثون إن هذا التبريد الشديد ينتج 20 ألف كتلة شمسية من الغاز البارد كل عام، وهذا يوضح أن المجرة قادرة على توفير غازها البارد لتكوين النجوم وأنه لا يأتي من مكان آخر. والسؤال هو كيف؟

تشير النتائج إلى أن الثقب الأسود المركزي بطريقة أو بأخرى يعزز في الواقع تبريد الغاز بدلًا من تسخينه. يقول المؤلفون: «توفر هذه البيانات خريطة واسعة النطاق للغاز عند درجات حرارة تتراوح بين 105 و106 كلفن في قلب المجموعة وتسلط الضوء على الدور الحاسم الذي تؤديه ردود الفعل من الثقب الأسود ليس فقط في تنظيم التبريد ولكن أيضًا في تعزيزه». واستنتجوا بالخلاصة: «إذا كانت فترات التبريد القصيرة الأمد شائعة في مجموعة عناقيد المجرات، وتوفر الوقود اللازم لردود الفعل المستمرة للنواة النشطة، فإن العنقاء توفر نافذة فريدة -على هذه العملية المهمة نادرة الالتقاط- لفهم تكوين المجرات الأكثر ضخامة في الكون. أعتقد أننا نفهم تمامًا ما يحدث، من حيث ما يولِّد كل هذه النجوم. صحيح أننا لا نفهم السبب، لكن هذا العمل الجديد فتح طريقة جديدة لمراقبة هذه الأنظمة وفهمها بطريقة أفضل».

اقرأ أيضًا:

دراسة كبيرة تؤكد أن مجرة درب التبانة ليست عادية

رصد سرب من الثقوب السوداء متربصًا في قلب عنقود نجمي ضخم

ترجمة: محمد الشرقاوي

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر