كُشفت أسرار عملية التحنيط لدى المصريين القدماء. كان حفظ الجثث عملًا شائعًا في العديد من المجتمعات في الماضي. تعود أشهر هذه الممارسات إلى المصريين القدماء، الذين استطاعوا الحفاظ على الجثث بحالتها الأصلية بواسطة عملية تُسمى التحنيط. في الواقع، كانت هذه العملية ناجحة لدرجة إمكانية رؤية الجثة المحنطة بوضوح حتى يومنا هذا، بعد 3 آلاف عام من الوفاة.
كان المصريون القدماء يحبون الحياة ويؤمنون بالخلود. دفعهم هذا للتخطيط لحدث موتهم باكرًا. قد يبدو هذا تناقضًا، لكنه كان منطقيًا للمصريين القدماء، إذ آمنوا بالحياة بعد الموت وأنهم سيحتاجون إلى أجسادهم في تلك المرحلة. فكان هدف التحنيط هو حفظ الجثث بحالتها قدر الإمكان، وهو أمر أساسي لاستمرارية الحياة.
آمن المصريون القدماء أن الجسد المحنط يُؤوي روح الشخص. إن فني الجسد، فستضيع الروح ولن تعبر إلى الحياة الأخرى. لهذا كان تحضير القبر من الطقوس الهامة في مصر القديمة. تبدأ هذه العملية قبل وفاة الشخص بفترة طويلة، وتشمل تخزين الأغراض التي قد يحتاج إليها الشخص في الحياة الأخرى، مثل المفروشات والملابس والطعام والمقتنيات الثمينة.
بدأ هذا الطقس في مصر نحو عام 2600 قبل الميلاد، وفي ذلك الوقت تمتع الملوك فقط بتحنيط جثثهم. بدءًا من عام 2000 قبل الميلاد سُمح لعامة الشعب بالعبور إلى الحياة الأخرى، إذا حُنطت أجسادهم ووُضعت مقتنياتهم الثمينة معهم في القبر.
طريقة التحنيط
كشفت دراسة أجريت سنة 2011 عن المواد المستخدمة في التحنيط في مصر القديمة أن العملية تستغرق 70 يومًا. خلال هذه الفترة، يجري رجال الدين خطوات التحنيط ويمارسون طقوسًا وصلوات إضافةً إلى معالجة الجثة ولفها.
تشمل خطوات عملية التحنيط: أولاً، إزالة أعضاء الجسد الداخلية المعرضة للتحلل مثل الدماغ. وإزالة كل أعضاء جوف البطن عدا القلب، إذ آمنوا بأن القلب هو محور كينونة الشخص. تتضمن الخطوة التالية إزالة كل الرطوبة من الجسد بتغطيته بالنطرون، وهو نوع من الملح يعمل مثل مادة حافظة ومجففة. الخطوة الأخيرة هي لف الجثة بنحو مئة متر من قماش الكتان المطلي بالصمغ.
تلك هي الخطوات العامة لعملية التحنيط، مع هذا تختلف تفاصيل عملية التحنيط وفقًا لمستوى الفرد وطبقته الاجتماعية، إذ كان التحنيط باهظ التكلفة، فتوفرت بدائل أرخص ثمنًا للفقراء. وصف المؤرخ الإغريقي هيرودوت ثلاث طرق مختلفة للتحنيط اعتمدها المحنطون آنذاك، حسب الطبقة الاجتماعية للفرد.
الأثرياء والطبقة العليا
- يُسحب الدماغ من فتحتي الأنف بواسطة حديدة معقوفة.
- تُستخرج أعضاء البطن وينظف الجوف الداخلي باستخدام نبيذ النخيل والمركبات العطرية.
- يُحشى البطن بنبات المر والقرفة وتوابل أخرى ثم تخيط البطن.
- تغطى الجثة بالنطرون مدة 70 يومًا.
- تُغسل الجثة وتلف بقماش الكتان وتطلى بالصمغ.
- أخيرًا، تُعاد الجثة إلى عائلتها.
الطبقة المتوسطة
- تُملأ المحاقن بزيت شجرة الأرز وتُحقن في البطن، فتتحلل الأمعاء والأعضاء الداخلية.
- يُغطى الجسد بالنطرون 70 يومًا، ثم يُغسل زيت الأرز ويبقى من الجثة الجلد والعظم.
- تُعاد الجثة إلى عائلتها دون لف.
الفقراء
- يُنظف جوف البطن باستخدام حقنة شرجية معبأة بالزيت.
- تُغطى الجثة بالنطرون مدة 70 يومًا ثم تُعاد إلى عائلتها.
أصبح التحنيط المصري فنًا مندثرًا نحو القرن الرابع بعد الميلاد، حين حكمت روما مصر وانتشرت المسيحية. لكن تعرض لنا المومياوات لمحة عن الثقافة الغنية لهذه الحضارة القديمة وتقاليدها، بسبب براعة المصريين القدماء في حفظ أجساد الموتى.
لكن فن التحنيط لم يندثر تمامًا، إذ لم يقتصر التحنيط على مصر القديمة بل استمر هذا التقليد بمرور الزمن. ما زال الشعب المعاصر في بابوا غينيا الجديدة يحنطون موتاهم. وكثيرًا ما يُحنط العاملون في دور الجنازات في بعض الدول الغربية أجساد الموتى لإبطاء التحلل وتوفير المزيد من الوقت لإقامة الجناز. وتستخدم مختبرات التشريح طرقًا للحفاظ على الجثث لأغراض طبية وتعليمية.
اقرأ ايضًا:
اكتشاف تفاصيل أقدم طرق التحنيط
الطب الشرعي والتشريح، ما صحة ما نشاهده على التلفاز؟
ترجمة: قمر بيازيد
تدقيق: أكرم محيي الدين