ربما يكون للإله ساتورن سمعة مرعبة في الأساطير الميثولوجية، حيث اشتهر بأكل لحوم أبنائه، ولكن على المستوى الكوني يتسنى لنا رؤية ذلك يحدث مع العمالقة الكونية، حيث بعض النجوم الشبيهة بشمسنا قد تفعل ذلك حقًا. وفقًا لدراسة جديدة نصت على أن نحو ربع النجوم الشبيهة بشمسنا قد التهمت أحد كواكبها في مرحلة ما في حياتها.
هذا لا يعني أنه يجب علينا معاقبتهم بالسجن نظرًا إلى ما ارتكبوه من جرائم حيال أقاربهم، ولكن هذا يقودنا إلى أن العديد من الأنظمة النجمية غير مستقرة، ما يجعل نظامنا الشمسي مختلفًا (سيقودنا ذلك الاكتشاف إلى بحثٍ أفضل عن الكواكب الشبيهة بكوكبنا الأرض).
وفقًا لما كتبه الفريق في البحث المنشور في مجلة الطبيعة الفلكية: «تشير الأدلة المرصودة إلى أن أنظمة الكواكب قد تختلف عن بعضها كثيرًا وفقًا لتاريخها الديناميكي الذي قد يتخذ الكثير من الأوجه المختلفة، قد يرجع ذلك الفرق إلى الظروف الأولية التي نشأت فيها الأنظمة النجمية، فربما قد تتأثر مدارات الكواكب في الأنظمة النجمية الفوضوية إلى حد كبير، وقد تدفع بكواكبها منتهيةً إلى السقوط داخل نجمها. وإن إيجاد الدلائل الحاسمة لأحداث ابتلاع الكواكب ومعرفة حيثياتها في النجوم الشبيهة بشمسنا قد ينبئنا بكيفية تطور مسارات الكواكب في الأنظمة النجمية ذات الديناميكية المختلفة، ما قد يشير إلى أن الكثير من الأنظمة النجمية قد نشأت في ظروف متطرفة، ما أخضعها لإعادة التشكيل ديناميكيًا».
شمسنا النادرة:
صدق أو لا تصدق، تُعد شمسنا من أندر نجوم مجرة درب التبانة، حيث أن معظم نجوم مجرتنا (75% منها) تكون من النوع M أو من نوع الأقزام الحمراء (نجوم صغيرة وباردة تتميز بحياتها الطويلة). من ناحية أخرى تندرج شمسنا تحت تصنيف النوع G المعروف باسم الأقزام الصفراء، ويبلغ عدد الأقزام الصفراء نحو 7% فقط من نجوم مجرة درب التبانة.
إضافة إلى ذلك فإن شمسنا وحيدة. يعتقد العلماء أن معظم النجوم تولد في أنظمة نجمية تحوي نجمين أو أكثر، في الواقع فإن معظم نجوم درب التبانة قد يرافقها شقيق واحد على الأقل، حيث يتشاركان في نظام نجمي ثنائي (نعم، قد يكون للشمسِ أخ مفقود منذ فترة طويلة، ضائع في مكان ما في الكون).
حسنًا، لنتحدث عن آلية نشأة الأنظمة النجمية: عندما تنهار منطقة كثيفة من الغاز على نفسها بسبب جاذبيتها الخاصة، ثم تبدأ بالدوران حول نفسها، سيكون لدينا ما يمكننا دعوته بنجم بدائي، يشكل الغاز حول هذا النجم البدائي القرص النجمي الذي يُغذي النجم الناشئ، ولكن خلال تلك العملية، يمكن ذلك القرص أن ينفصل عن بعضه مكونًا نجومًا أولية أخرى.
عندما تتكون النجوم، يُكون قرص الغاز المتبقي الكواكب والنيازك والكويكبات، وجميع المواد المتبقية لنشأة الأنظمة النجمية، قد تختلف تلك الأجرام اعتمادًا على مكان نشأتها في القرص النجمي.
ولأنها تتكون من بقعة المادة نفسها، من المفترض أن تحتوي النجوم في الأنظمة النجمية الثنائية على التركيب الكيميائي نفسه، وربما على الكتل نفسها أيضًا.
لكن لا تُعد تلك الحالة حتمية الحدوث، لذلك فإن فريقًا من العلماء الفلكيين بقيادة الفلكي لورينزو سبينا من بادوا، المركز الفلكي التابع لإيطاليا وجامعة موناش التابعة لأستراليا، قد قرر أخذ نظرة عن قرب على النجوم الثنائية. حيث حددوا 107 أزواج من النجوم لها نفس درجة الحرارة ونفس جاذبية السطح، ثم قاموا بدراسة خصائصها الكيميائية.
ولكن من المثير للاهتمام هنا، أن عددًا من النجوم الثنائية لم تتطابق خصائصها الكيميائية.
وفقًا لما كتبه الباحثون: «مع أنّ المتوقع أن تتطابق الخصائص الكيميائية للنجوم الثنائية، فإن 33 زوجًا من النجوم في العينة التي فُحصت، قد احتوت على كمية وافرة من الحديد تختلف اختلافًا شديدًا عند مستوى 2 سيجما. (هذا قد يشير إلى أن جميع النجوم الشبيهة بالشمس لها احتمالية أن تبتلع كواكبها بنسبة 20-35%).
وجد العلماء أن احتمالية إيجاد مثل تلك الأنظمة النجمية الثنائية التي تختلف فيها نجومها في تركيبها الكيميائي تزداد بازدياد درجة حرارة النظام النجمي الثنائي، ومن غير المحتمل أن يكون ذلك نتيجة لعدم تجانس المادة في أثناء التكون الأولي للنجم، بدلًا من ذلك واعتمادًا على نماذج، قد يكون هذا نتيجة لسقوط مواد كوكبية إلى النجم، مما شوه منطق الحمل الحراري (الطبقة التي تنتقل عبرها المواد من خلال التدفقات الحرارية).
وفقًا لما ورد في البحث: «عندما تدخل مواد كوكبية داخل النجم وتؤثر على منطقة الحمل الحراري، يتغير التركيب الكيميائي لغلاف النجم بطريقة تعكس التركيب الكيميائي للمادة المصطدمة بالنجم، وهذا يعني أن المواد غير القابلة للصهر ستتوافر على نحو أكبر من المواد المتطايرة، لذلك يجب على النجوم المبتلعة لكواكبها أن تُظهر وفرة في العناصر المقاومة للصهر أكثر بكثير مما يوجد في النجوم المماثلة لها في نفس العمر».
تضييق نطاق البحث عن الكواكب الخارجية:
يُعد ذلك الاكتشاف مهمًا للغاية لدراسة أنظمة الكواكب الأخرى. أكثر من 4500 كوكب قد عثرنا عليه وأُكد في ملفاتنا، ويبدو أننا في حضرة تنوع ضخم في تشكيل أنظمتها. هذا يشير إلى أن الأنظمة الكوكبية تتأثر بشدة وفقًا لظروف نشأتها الأولية.
يقدم البحث دليلًا إضافيًا على أن نسبة كبيرة جدًا من الأنظمة الكوكبية التي تدور حول الأنظمة النجمية الشبيهة بالشمس لم تكن ظروفها مواتية لبدء الحياة.
بمعنى آخر هذا سيكون له تأثير على فهمنا لماذا وكيف نشأت الحياة على الأرض، بما أن جميع النجوم في الدراسة كانت ثنائية، تشير الدراسة إلى أن الأنظمة النجمية الثنائية، فوضوية وغير مستقرة على نحو قد لا يسمح بنشأة الحياة فيها.
وقد يضيّق ذلك أيضًا علينا مجال أماكن البحث التي قد توجد فيها الكواكب الشبيهة بالأرض ما يساعد على العثور عليها على نحو أفضل، مع أن عدد النجوم الشبيهة بالشمس نادر للغاية في مجرة درب التبانة، فما زال هناك ملايين النجوم الشبيهة بالشمس خارج مجرتنا، والتي تعد قريبة بما يكفي لإلقاء نظرة فاحصة عليها. وإن دراسة الغلاف الجوي للنجوم وتحديد نسبة وفرة العناصر المقاومة للصهر يمكنه حصر ودراسة النجوم المبتلعة لكواكبها. تلك الفكرة تعمل حتى على الشمس، فإذا قمنا بقياس نسبة العناصر القابلة للصهر في غلافها الجوي سنجدها قليلة جدًا نسبة إلى مثيلاتها من النجوم في نفس العمر.
يقول االباحثون: «إن إمكانية اكتشاف أحداث ابتلاع الكواكب من قبل نجومها تدل على أننا يمكننا استخدام معرفتنا بالتركيب الكيميائي لغلاف النجوم للتأكد إذا كان قد تعرض لتغيرات ديناميكية شوهت مسار كواكب الأنظمة النجمية، ومن ناحية أخرى فقد حافظ نظامنا الشمسي على كواكبه في مساراتٍ دائرية تقريبًا. الآن أصبح لدينا مصدر رائع للتحقق من الأنظمة النجمية الشبيهة بالشمس إذا كانت مستقرة لاستضافة الحياة وتطورها أم لا».
اقرأ أيضًا:
حاضنة نجمية تثبت وجود عناصر مشعة في نظامنا الشمسي
حقول مغناطيسية داخل النيازك تكشف أسرارًا عن النظام الشمسي البدائي
ترجمة: آية قاسم
تدقيق: عبد الرحمن داده
مراجعة: مازن النفوري