يواصل الطب التجديدي وتقنيات الخلايا الجذعية التقدّم، وبالتالي فإن قائمة الأنسجة والأعضاء التي يمكن زراعتها من الصفر – ويحتمل أن تحل محل أعضاء – لا تزال تنمو. الآن، نجح باحثون في ألمانيا في تنمية نخاع شوكي كامل من الخلايا الجذعية الجنينية في المختبر.
معظم الجهود لتنمية الأنسجة والأعضاء في المختبر، تعتمد على “سقالات” قابلة للتحلل. هذه السقالات عندما يتم استزراعها بالخلايا الجذعية للمريض، توفّر سطحاً لترتبط به الخلايا و توفّر لهم المواد الغذائية. السقالة أيضاً تمرر الإشارات الكيميائية اللازمة للتمايز الصحيح للخلايا، وهيكلها يوجهها لتشكيل الأنسجة بالشكل الصحيح.
لكن النسيج العصبي معقّد للغاية. حيث يبدأ كنسيج مسطحة على السطح العلويّ للجنين يسمّى اللوحة العصبية، والتي من خلال سلسلة من الخطوات المعقدة، تطوى على نفسها لتشكيل أنبوب مجوّف. أحد أطراف هذا الأنبوب العصبي سيشكّل في نهاية المطاف الدماغ، والطرف الآخر سيشكّل الحبل الشوكي. هذا التعقيد يجعل السقالات غير مناسبة لزراعة الأنسجة العصبية، كما أنها لا يمكن تصنيعها في الأشكال المعقدة اللازمة.
أندريا مينهاردت من جامعة دريسدن للتكنولوجيا وزملاؤها استغلوا خاصية الخلايا الجذعية المعروفة باسم التخلّق ذاتي-التوجه، اكتشفت لأول مرة منذ حوالي 10 أعوام. هذا الإكتشاف سمح بزراعة الخلايا في وسط ثلاثي الأبعاد و توجيهها من خلال المزيج المناسب من الجزيئات الإرشادية لتشكيل أنسجة معقّدة مثل العيون، والغدد وأجزاء من الدماغ. استخدمت مينهاردت وزملاؤها تقنية محدّثة، حيث زرعت الخلايا الجذعية الجنينية داخل هلام المغذّيات ثلاثي الأبعاد على أطباق بتري. عندما تركت دون علاج، بدأت الخلايا في التمايز إلى خلايا عصبية غير ناضجة، مما أدى إلى هياكل كروية تحتوي على خلايا غير ناضجة تشبه تلك الموجودة في الوحة العصبية. الحبل الشوكي، مثل الدماغ، هو بنية تتميز بدرجة عالية من التنظيم، مع خلايا مرتبة في أنماط محددة للغاية على محاور أبعادها الثلاثة. في الجنين، يقوم عضو يسمّى “القردود” بالقيام بدور مركز الإرشاد الذي يوجّه تمايز الحبل الشوكي عن طريق إفراز حمض الريتينويك، الذي ينشط جين يسمى sonic hedgehog في خلايا الجزء السفلي من الأنبوب العصبي. خلايا الأنبوب العصبي غير الناضجة حسّاسة لتركيز البروتين المفرز، و نتيجة للفروق في تركيز البروتين تتطور الخلايا العصبية في الأنبوب للأنواع المختلفة الموجودة في الحبل الشوكي. تأكد الباحثون من هوية هذه الخلايا عن طريق صبغهم الأنسجة المكونّة في المعمل بأجسام مضادّة تميّز كل نوع من الخلايا.
هذه الدراسة الأخيرة لن تؤدي مباشرة إلى علاجات جديدة، ولكن القدرة على زراعة أنسجة الحبل الشوكي بكفاءة، ستكون بلا شك مفيدة لأولئك الذين يحاولون تطوير تقنيات علاجيّة. يمكن أيضا أن توفّر للباحثين طريقة جديدة لدراسة تطوّر الحبل الشوكي، والتي يمكن أن تساعدهم في معرفة المزيد عن الاضطرابات الخلقيّة للحبل الشوكي.