يبدو أن العلماء قد وضعوا أيديهم على كرة كريستالية تريهم المستقبل: رشقات من النشاط في الميتوكوندريا المنتجة للطاقة في خلايا مأخوذة من دودة تتنبأ بدقة بكمّ من الوقت ستعيش هذه الدودة. والنتائج تشير إلى أن عمر الكائن الحي يمكن – بالحالة العامة – التنبؤ به في السنوات المبكرة من فترة البلوغ. على عكس المؤشرات الحيوية الأخرى المتعلقة بالعمر، والتي تعمل في ظروف محدودة ووفق شروط محددة، فإن هذه الرشقات الناتجة من الميتوكوندريا هي مؤشر مستقر لمجموعة متنوعة من التواريخ الجينية، البيئية و التنموية.
الميتوكوندريا (المُتقدرة) هي المسؤولة عن تزويد خلايا الكائنات الحيّة بالطاقة. أثناء إنتاجها للطاقة، فإنها تنتج جزيئات أكسجين تفاعلية، كجذور حرة، والتي يمكن أن تسبب الضغط وبالتالي تتلف الميتوكوندريا. على الرغم من أن الميتوكوندريا تتفكك مع مرور الوقت، فإن نظرية الميتوكوندريا للتعمير، والتي طُرحت لأول مرة في عام 1972، لا تزال محط جدل وغير مثبتة. على سبيل المثال، بعض الكائنات المعمرة، مثل الفئران عارية الشامة، تتحمل مستويات عالية من الضرر الناتج عن التأكسد. ومع ذلك، فإن العديد من العلماء يعتقدون أن الميتوكوندريا تشكل القوة الرئيسية المتحكمة بالتعمير.
انجذب اهتمام دونغ بشكل خاص نحو الاكتشاف الذي حدث في 2008 والذي يقضي بأن الميتوكوندريا تنتج جزيئات الأكسجين التفاعلية على شكل رشقات تدوم لعشر ثواني – نبضات متقطعة “Mitoflashes”- وذلك كل بضع دقائق. وللمرة الأولى، تمكّن العلماء من مراقبة ميتوكوندريا منفردة ودرسوا معدلات نشاطها على امتداد مسار حياة الحيوان. في هذه الدراسة، قامت دونغ في البداية بمقارنة معدلات هذه النبضات عند ديدان إيليغانس قصيرة العمر والتي تعيش في المتوسط 21 يوما، مع معدلاتها عند الديدان المعمرة التي تعيش في المتوسط 30 يوما أو أكثر. ووجدت أنه عند كل الحيوانات المدروسة، كان هناك فترتان في حياتها حيث يتقارب فيها تواتر هذه النبضات بشكل ملحوظ: واحدة خلال المرحلة المبكرة من البلوغ، وأخرى أثناء الشيخوخة.
في البداية، توقعت دونغ أن التواتر المتقارب الذي يحدث في الشيخوخة هو الذي سيحمل الأهمية الكبرى. بدلاً من ذلك، كان التواتر المبكر هو الذي كشف عن وجود ارتباط بين تردد النبضات وعمر الكائن: كانت الديدان التي تعيش وسطياً 21 يوماً تملك ومضات أكثر تواتراً خلال هذه الفترة من إخوتها ذات الأعمار الأطول. الارتباط الذي توضح على 29 حالة مختلفة جينياً بعضها عن بعض وبأعمار مختلفة.
أثبتت هذه النبضات أيضاً أنها سجلّ للتجارب المبكرة في حياة الكائن. فعلى سبيل المثال، الديدان التي تعرضت لصدمة حرارية أو للتجويع تميل إلى أن تملك حياة أطول، وكما هو متوقع، فإن نبضات الأكسجين التفاعلي الخاصة بها كانت ذات تواتر أكبر أي بفواصل أكبر بين النبضة والأخرى. حتى الديدان المتطابقة وراثياً التي عاشت أعماراً مختلفة بسبب الأحداث المطبقة عليها وحدها أظهرت نفس الارتباط بين تردد النبضات وطول العمر. والاكتشاف الأكثر إثارة للدهشة ظهر عندما قامت دونغ بتعريض دودة معمرة لأحداث تزيد من إنتاج جزيئات الأكسجين التفاعلية فيها. الأمر الذي قصر حياة هذه الدودة ورفع معدلات النبضات.