إنه حلم كل فيزيائي- خلق المادة من الضوء. تبدو كأحد أفكار الخيال العلمي أليس كذلك؟
حسناً، ليس تماماً، فلقد تمكّنت مجموعة من علماء الفيزياء من جامعة إمبريال بلندن (لندن – امبريال كوليدج للعلوم والتكنولوجيا) من إثبات إمكانية الحصول على المادة من الضوء تجريبيًا!
أُقترِحَت هذه الفكرة لأول مرة عام 1934 من قبل العالمَين بريت و وييلر، اللذان اقترحا أنّ أبسط طريقة لتحقيق ذلك هي برطم جسيمين من الضوء (فوتونين) ليكوّنا إلكترون وبوزيترون (مضاد الإلكترون). لكن في الواقع هذه الطريقة لم يسبق أن تمت ملاحظتها من قبل وكل التجارب السّابقة تطلبت جسيمات إضافية عالية الطاقة ذي كتل ضخمة.
نُشرت ورقة بحثيّة في دورية (Nature Photonics) عن تجربة جديدة تثبت قابلية تطبيق نظرية بريت-وييلر. يستخدم العلماء في التجربة الجديدة مصادم فوتونات”فوتون-فوتون” الذي بإمكانه تحويل الضوء إلى مادة بشكل مباشر باستخدام تكنولوجيا متوفرة لدينا حاليًا.
تجربة فيزياء الجسيمات هذه سوف تعيد خلق عملية مهمة جدا في الثواني الـ 100 الأولى بعد الإنفجار العظيم وهو ما نراه أيضًا في إنفجارات أشعة غاما – والتي تعد من أكبر الانفجارات في الكون و أحد ألغاز الفيزياء التي لم تحل للآن.
جاء الحل عن طريق المصادفة عندما كان العلماء يعملون على مسائل الإندماج النووي، ولاحظوا أن ما كانوا يعملون عليه مرتبط بنظرية بريت-وييلر. اُستخدِمَت ست نظريات لوصف أبسط طرق تفاعل المادة والضوء غير نظرية بريت-ويلر بما فيها نظرية ديراك عام 1930 عن إضمحلال الإلكترون والبوزيترون ونظرية أينشتاين عام 1905 عن التأثير الكهروضوئي.
تحتوي هذه التجربة الجديدة على فكرتين أساسيتين. أولاً، سوف يستخدم العلماء ليزر ذي طاقة عالية جداً ليسرع إلكترونات لسرعات قريبة من سرعة الضوء. وبعدها سوف يطلقوا هذه الإلكترونات على صفيحة من الذهب ليكوّنوا شعاع من الفوتونات بطاقة أكبر من طاقة الضوء المرئي بمليار مرة.
في المرحلة التالية، يتم إطلاق الليزر ذو الطاقة العالية على السطح الداخلي لوعاء مجوف من الذهب- ُيطلق عليه مسمى (*hohlraum) ليكون إشعاع حراري يولد ضوء مشابه لضوء الذي تشعه النجوم.
ثم يتم توجيه شعاع الفوتونات من المرحلة الأولى لتمر خلال مركز الوعاء المجوف لتصطدم الفوتونات من المصدرين ويكونوا بذلك إلكترونات و بوزيترونات. أخيرا يمكن الكشف عن الإلكترونات و البوزيترونات التي تكونت عندما تخرج من الوعاء أو الكبسولة.
صرح بروفيسور فيزياء من قسم الفيزياء بجامعة امبريال في بيان صحفي قائلا: “على الرغم من تقبل علماء الفيزياء لهذه الفكرة، إلا أنه عندما اقترح بريت وويلر نظريتهم لأول مرة لم يتوقع الكثير من الفيزيائين إمكانية تطبيقها تجريبيًا في المختبر. والآن بعد ما يقارب من ٨٠ عاما نثبت لهم أنهم كانو مخطئون. أكثر ما فاجئنا هو إمكانية خلق المادة مباشرة من الضوء باستخدام التكنولوجيا المتوفرة في بريطانيا. وبما أننا علماء فيزياء نظريّة، تحدثنا لآخرين ممن يمكنهم استخدام أفكارنا و تطبيقها تجريبياً.”
و أضاف أيضاً المؤلف الرئيسي لهذه الدراسة أوليفر بايك في البيان الصحفي: “في غضون بضع ساعات من البحث في تطبيقات الـhohlraums* خارج دورها الأساسي في بحوث الإندماج النووي، تفاجئنا أنها توفر الظروف المثالية لصنع مصادم فوتونات. والآن يبدأ السباق من أجل إجراء وتكملة هذه التجربة!”