لآلاف السنين، صمّم الجنس البشري أعاجيب هندسية وهياكل آسرة للأنظار، مثل أهرامات مصر وسور الصين العظيم. ومؤخرًا، تعهّد المهندسون ذوو البصيرة مشاريع نقل واتصالات ضخمة دفعت حدود البشرية ببراعة نحو الأمام. طوّرت هذه المنجزات الاستثنائية في التصميم والبناء الطرائق التي يتنقل بها الناس، ويتواصلون، ويعيشون. وفي هذا المقال، نقدم نبذة عن عشر روائع هندسية غيرت تاريخ العالم.
1- قناة بنما:
رابطةً المحيط الأطلسي بالمحيط الهادئ، حوّلت قناة بنما التي يبلغ طولها 51 ميلًا جذور طرق التجارة العالمية عند افتتاحها عام 1914. فبعد محاولة باءت بالفشل على يد الفرنسيين في ثمانينيات القرن التاسع عشر، أعادت الولايات المتحدة بناء الصرح في عام 1904.
عدّل المهندس الرئيسي جون ستيفنس على تصميم المشروع؛ إذ حوله من قناة على مستوى سطح البحر إلى واحدة تتطلب سلسلة من الأقفال، وسد نهر شاجرز، لصنع أكبر بحيرة اصطناعية في التاريخ.
كافح العمال الانهيارات الصخرية والأوبئة الاستوائية، مثل الملاريا والحمى الصفراء، في أثناء حفرهم القناة في تضاريس الغابات والجبال الأرضية، ما أدى إلى إزاحة كمية من الأتربة والأنقاض -وفقًا لمتحف قناة بنما- تكفي لدفن جزيرة مانهاتن تحت عمق يصل إلى ١٢ قدمًا. وقد توفي 10 بالمئة من 56 ألف عامل عملوا عملًا شاقًا في هذا المشروع بين عامي 1904 و1913.
قد تكون قناة السفن الدولية هذه العملَ التذكاري الأكثر روعة، وقد اكتمل بناؤها في الوقت المحدد، وضمن حدود الميزانية.
2- جسر البوابة الذهبية:
بقي جسر البوابة الذهبية أطول جسر معلق مدة 27 سنة، بعد افتتاحه عام 1937. يرتفع الجسر الذي يبلغ طوله 1.7 ميلًا عاليًا في الهواء، فوق مضيق يبلغ عمقه 400 قدم، ويربط خليج سان فرانسيسكو بالمحيط الهادئ، ولاحتوائه على كابل كافٍ لإحاطة الكرة الأرضية ثلاث مرات، يستطيع الجسر أن يتحرك قرابة القدمين أفقيًا لتحمل رياح المضيق العاتية.
أعطى كبير المهندسين جوزيف شتراوس الأولوية للسلامة في هذا المشروع الغادر، وتوفي فقط 11 عاملًا، 10 منهم ماتوا في حادث واحد في أثناء عملية البناء (على النقيض من ذلك، لقي 28 عاملًا حتفهم في أثناء بناء جسر سان فرانسيسكو أوكلاند باي القريب، الذي افتتح قبل ذلك بستة أشهر)، وقد أنقذت شبكة آمنة ومبتكرة -قد عُلِقت تحت سطح الجسر- حياة 19 عاملًا.
3- نظام الطرق السريعة بين الولايات:
بعد أن رأى الرئيس دوايت دي أيزنهاور نجاح ألمانيا النازية في استخدام شبكة من الطرق السريعة لنقل القوّات نقلًا فعالًا حول أرجاء البلد كافة في الحرب العالمية الثانية، أقر قانون الطرق السريعة الفيدرالية لعام 1956، الذي أجاز أكبر مشروع أشغال عامة في تاريخ البشرية. وقد كانت الغاية من إنشاء 41 ألف ميل من الطرق السريعة -مع إمكانية التحكم في مداخل المنحدرات وعدم وجود تقاطعات على مستوى سطح الأرض (فقط جسور وأنفاق)- تعزيز الدفاع القومي، وتسريع إخلاء المدن في حالات الهجوم الذري، في أثناء الحرب الباردة.
وفي عام 1990، أطلق على المشروع اسم أيزنهاور، وقد أدى نظام الطريق السريع بين الولايات إلى إحداث تحول جذري في الاقتصاد الأمريكي، ونمط الحياة، وتحفيز نمو الضواحي، وتدمير بعض الأحياء الحضرية أيضًا.
4- الكابل الممتد عبر المحيط الأطلسي:
في عام 1854، حاز التاجر الأمريكي كايروس ويست فيلد على رخصة لمد كابل تلغراف عبر قاع المحيط الأطلسي، وبعد أربع محاولات فاشلة، نجح الأسطول البحري الأمريكي والبريطاني في مد نحو ألفي ميل من الكابلات واصلًا إيرلندا ونيوفوندلاند في صيف عام 1858.
واستغرقت الرسالة الافتتاحية -التي تضم ٩٨حرفًا- المرسلة من الملكة فيكتوريا إلى الرئيس جيمس بوكنان نحو ١٦ساعة. ليست بتلك السرعة، ولكنها تبقى أسرع من المدة اللازمة لحمل الرسالة عبر السفن البخارية، التي تستغرق ١٠ أيام.
ورغم توقف ارتباط الاتصال عن العمل بعد أسابيع قليلة، فإن فيلد استمر في عمله وعقد اتفاقًا مع السفينة البريطانية «جريت ايسترين» -أكبر سفينة عائمة في ذلك الوقت- لمد كابل تلغراف دائم عام 1866، ما أدى إلى تسريع الاتصالات عبر المحيط الأطلسي إلى حد كبير.
5- سد هوفر:
بناه أكثر من 21000 عامل، ويبلغ ارتفاعه 60 طابقًا، وكان يعد أضخم بناء إسمنتي، وأعلى سد في عام 1935، وأحد أعظم الأعاجيب الهندسية على مر العصور. تطلّب المشروع تحويل مسار نهر كولاريدو عبر حفر أربعة أنفاق، وقد اكتمل قبل عامين من الموعد.
يتحكم سد القوس الثقلي الواقع على تخوم أريزونا في تدفق نهر الكولاريدو، مخزنًا مياهًا كافية لري مليوني فدان، ومزودًا أكثر من مليون منزل بطاقة كهرمائية. حفز سد هوفر تطور مدن، مثل لاس فيجاس وفينيكس، خالقًا بحيرة ميد (أكبر خزان في الولايات المتحدة من ناحية سعة المياه).
6- نفق القنال:
افتتح نفق القنال عام 1994 بعد ست سنوات من البناء، رابطًا بين بريطانيا العظمى والقارة الأوروبية لأول مرة منذ العصر الجليدي. يتضمن النفق -المعروف باسم تشانيل (Chunnel)- ثلاثة أنابيب خرسانية شيّدت بآلات حفر الأنفاق بوزن 1100 طن.
يمتد نظام النفق -الذي يبلغ طوله 31 ميلًا، ويحمل الركاب والشحن والمركبات- تحت الماء بطول 23 ميلًا، وهو الأطول في العالم، بمتوسط عمق 150 قدمًا تحت قاع البحر. وقد سمح النفق لركاب قطارات يوروستار عالية السرعة بالسفر من لندن إلى باريس في غضون ساعتين وبضع دقائق.
7- سكة الحديد العابرة للقارة:
مع احتدام الحرب الأهلية في الشرق، بدأ العمل في الغرب لبناء خط السكة الحديدية، الذي سيربط الولايات المتحدة من الساحل إلى الساحل. بموافقة قانون السكك الحديدية للمحيط الهادئ لعام 1862، وضعت شركة سينترال باسفيك للسكك الحديدية مسارات باتجاه الشرق من ساكرامنتو كاليفورنيا، بينما تحركت شركة يونيون باسيفيك للسكك الحديدية غربًا من أوماها نبراسكا.
وبينما كان جميع العمال يكدحون في فصول الشتاء القاسية والصيف الحار، واجهت العمالة الصينية المهاجرة -بصفة خاصة- في شركة سينترال باسفيك مهمة شاقة تتمثل بتفجير الأنفاق عبر جبال سييرا نيفادا. منذ إعلان اكتمال الخط في عام 1869، سهّل خط السكة الحديد الممتد عبر القارة توسع البلاد باتجاه الغرب، نتيجة لتقليص أوقات السفر عبر البلاد من أشهر إلى أقل من أسبوع.
8- تمثال الحرية:
يعد رمز الصداقة بين فرنسا والولايات المتحدة، وإحدى أعظم الأعاجيب الهندسية في العالم، وقد كُرِّس تمثال الحرية الذي يبلغ ارتفاعه 151 قدمًا في عام 1886.
صنع النحات الفرنسي فريدريك أوغست بارتولدي صفائح نحاسية ضخمة لخلق بشرة التمثال، وعُبئت هذه الصفائح في ٢٠٠ قفص شحن، ونقلت بحرًا إلى مدينة نيويورك.
على مدى أربعة أشهر، جمع العمال أجزاء التمثال معًا، وثبتوه على قاعدة وربطوه بهيكل عظمي من الحديد والصلب، الذي صممه يوجين إيمانويل فيوليت لو دوك وألكسندر جوستاف إيفل (مصمم برج إيفل)، ما سمح للجلد بالتحرك باستقلالية في أثناء هبوب الرياح القوية.
9- أشغال الحماية الهولندية في بحر الشمال:
مع قبوع أجزاء من البلد تحت مستوى سطح البحر، بنَت هولندا نظامًا من بوابات الفيضانات وحواجز العواصف والسدود لمنع الفيضانات والاستحواذ على مساحات شاسعة من زاوديرزي (خليج صغير ضحل شمال البحر)، وقد عدت جمعية أمريكا للمهندسين المدنيين المشروع إحدى عجائب الدنيا السبع في العالم الحديث.
وقد بدأ المشروع في عام 1927 ببناء سد يبلغ طوله ١٩ ميلًا، محيطًا بزاوديرزي. وتلا ذلك عقود من مشاريع استصلاح الأراضي في الفترة الممتدة بين عامي 1954 و1997، وقد نُفِّذ مشروع ضخم آخر للسيطرة على جريان المياه في مدخلي نهري الراين والميوز.
10- أنفاق مدينتي نيويورك وبوسطن:
بينما كانت عربات جر الأحصنة تسد طرقات نيويورك وبوسطن، والقطارات الشاهقة تمطر سخامًا على المشاة، سعى القادة المدنيون إلى إيجاد بديل للنقل أسرع وأنظف. وقد تحولوا إلى حل جذري (قطار الأنفاق)، الذي رآه الكثير من مواطني أمريكا حلًا خطيرًا وغير عملي.
افتتحت بوسطن أول مترو أنفاق أمريكي في عام 1897، وتبعتها نيويورك بعد سبع سنوات. ورغم أن أول مترو أنفاق في العالم كان في لندن ويستخدم القوة البخارية، فإن النظام الأمريكي اختلف عنه بتوظيف القطارات المزودة بالطاقة الكهربائية، وقد جعلت حلول القطارات السريعة من مدينة بوسطن الأمريكية ثم نيويورك نموذجًا احتذت به باقي المدن الامريكية تباعًا.
اقرأ أيضًا:
ترجمة: عطاء نضال الصوفي
تدقيق: نور عباس
مراجعة: حسين جرود