شهد يوليو 2023 حدثًا مهمًا في هوليوود وسط إضراب ضخم للكتاب والممثلين، إذ افتُتح فيلمان كبيران في نفس اليوم: أوبنهايمر لكريستوفر نولان وباربي لغريتا جيرويغ.
يصور الأول رجلًا غيّر العالم بالفيزياء، أما الآخر فيصور امرأةً تعيش في عالم يتحدى جميع قوانين الفيزياء، وعليه يبدو السؤال عن طبيعة قوانين الفيزياء لهذا العالم مثيرًا للاهتمام لمن يدرس فلسفة العلوم، وهو مثير أيضًا لمن لعب بهذه الدمية منذ الصغر.
إليكم في هذا المقال ما نستطيع فهمه عن باربي والعالم الذي تعيش فيه باستخدام مفاهيم الفيزياء النظرية وملخص تحرياتنا عن الأكوان المتعددة.
من بين تأملات الفلاسفة للبحث في العوالم الميتافيزيقية الممكنة الوجود، يستحق كون باربي البلاستيكي الوردي التأمل بالتأكيد، لكن البحث في غوغل عن فيزياء باربي يعطي نتائج مخجلة، فلا حصر للناقشات حول حس باربي بالموضة ومكياجها، ولكن لم يُفكر أحد تقريبًا في كيفية عمل عالمها وقوانينه الفيزيائية، فمن المحتمل أن تختلف معاييره الفيزيائية عن معاييرنا.
عند وضع نظرية علمية علينا غالبًا التعامل مع احتمالات لم نتصور وجودها من قبل، وفي الفلسفة والفيزياء النظرية غالبًا ما تُستخدم التجارب الفكرية لاستكشاف نتائج النظريات التي يستحيل التحقق منها تجريبيًا، فقطة شرودنجر وصديق وينر ومفارقة أينشتاين-بودولسكي-روزين كلها أمثلة على تجارب فكرية كانت أساسية للفيزياء المعاصرة.
وفي علم الكونيات خاصةً، يجب على العلماء وضع نظريات على مقاييس فلكية تتجاوز قدرتنا على التجربة. يستخدم علماء الكونيات المعاصرون نماذج لتغيير الثوابت الأساسية من أجل تجربة أكوان أخرى محتملة.
اللعب التخيلي مع باربي يفعل الشيء نفسه، فأجيال الأطفال تستكشف عددًا لا متناهيًا من الطرق التي من الممكن أن يكون فيها هذا العالم، ويشاركون بتأملاتهم الخيالية بطريقةٍ ما في عملية بناء ذلك العالم على غرار التجارب الفكرية والنمذجة. اللعب مع باربي هو عكس التفاهة، إذ تكثر الأسئلة المتعلقة بإمكانية وجود أكوان متعددة، فإن التخيل التكراري سيكون ضروريًا في عملية بحثنا.
بالطبع، لدينا معلومات قليلة جدًا عن المعايير الفيزيائية في عالم باربي. ويبدو أن هذا العالم يتمتع بفلسفة سببية وإطار زمني مختلف تمامًا عن عالمنا، تمامًا مثل الأكوان التي تفترضها بعض نماذج نظرية الأوتار. لكن هذه المعلومات القليلة تسمح لنا بصياغة استنتاجات مذهلة حول الجانب المادي لهذا العالم.
بالنسبة لمعايير البشر يكون طول باربي 1.55 متر بوزن 50 كيلوغرام، ويعد هذا حالة خطيرة من نقص الوزن في عالمنا، ولكن عمومًا، الوزن هو مقياس لقوة الجاذبية التي تجذب بها الأرض الكتل نحو مركزها، فربما يمتلك عالم باربي ثابت جاذبية مختلفًا فيختلف وزنها، أو ربما تكون اختلافات الجاذبية في عالم باربي سببًا في تطور الأجسام هناك بطريقة مختلفة، ففقدان رواد الفضاء لوزنهم في الفضاء ظاهرة مثبتة.
في مقابلة عام 2018 مع Popular Science، افترض سكوت سميث، رئيس مختبر الكيمياء الحيوية الغذائية التابع لناسا، أن انعدام الوزن يعطل تمدد المعدة ما يُرسل إشارة الشبع إلى الدماغ، وبإرسال هذه الإشارة قبل أوانها سينعكس ذلك على الجسم، وربما يُظهر عالم باربي تأثيرات مماثلة.
عند مراقبة بعض عروض الرسوم المتحركة المستوحاة من عالم باربي، يتضح أنها تظهر قوانين فيزياء غريبة ومحيرة. في مسلسل (باربي وأخواتها في مطاردة جرو) يُظهر عالمها خصائص غير نيوتونية غريبة، في إحدى المشاهد، يركب الكلب حصانًا، ولكن بدل التحرك للخلف بسبب أثر عزم القصور الذاتي، يبدأ الكلب في الاهتزاز لأعلى وأسفل ثم يطير للخلف، في حين يستمر الحصان في التحرك للأمام. هذا يتفق مع نظرية أرسطو في الفيزياء، التي تُعد علمًا زائفًا ولا تأخذ في الاعتبار تأثيرات قانون نيوتن الأول للحركة.
وهذا مثير للاهتمام لأن عالم عالم الفيزياء الفلكية لوك بارينز من جامعة ويسترن في أستراليا شرح في يوليو في جامعة روتجرز أن ماريو ولويجي (شخصيتي ألعاب ننتندو الشهيرتين) يعيشان أيضًا في عالم تحكمة قوانين أرسطو الفيزيائية، إذ يسقطان الى الوراء حتى على منصة تتحرك للأمام.
ما زالت الظروف المناخية في عالم باربي غامضة، وعادة ما تظهر باربي وهي تقود سيارتها المكشوفة وردية اللون بشعرها المثالي، هل يعني ذلك أن عالم باربي لا يوجد فيه رياح؟
تحدث الرياح نتيجة لامتصاص الهواء فوق الأرض للحرارة من الشمس بطرق مختلفة عن الهواء فوق الماء، ما يؤدي إلى حدوث حركة. فماذا يعني هذا فيما يتعلق بالهواء في عالم باربي؟ هل يعني أن الهواء فيه يمتص الحرارة بالتساوي بغض النظر عن مكان وجوده؟ أم أن له كثافة ثابتة؟
أما بالنسبة لمنزل أحلام باربي فيُعد نسخةً طبق الأصل من منزل حقيقي في ماليبو كاليفورنيا، لكنه لا يبدو أنه معرض لحرائق الغابات، وهذا أمر منطقي في عدم وجود رياح. ومن جهة أخرى، لم ينل هذا المنزل أي تعديل بعد الزلازل التي ضربت ماليبو، ما يشير إلى أن ماليبو في عالم باربي لديها أيضًا خصائص جيوفيزيائية تختلف تمامًا عن خصائص عالمنا.
تُظهر معظم منازل أحلام باربي ميزات معمارية عجيبة، فهي قابلة للطي، مقسومة إلى نصفين، بغرفة مفتوحة من الأمام، ما يؤكد الفرضية القائلة بأن باربي تعيش في عالم بلا رياح ولا أمطار حتى. ومن الغريب جدًا إهمال طريقة عمل دورة المياه في عالم باربي، ناهيك بإهمال التأثير النفسي للعيش على المدى الطويل في هذه المنازل المكشوفة جدًا.
تُعد باربي شكل حياة قائم على الكربون مثلنا، فالبلاستيك أساسًا بوليمر عضوي ذو وزن جزيئي عالي، يدخل الكربون في تكوينه بنسبة تصل إلى 80%، لكن اعتماد البلاستيك بوصفه ركيزة أساسية للحياة سيكون له بالتأكيد عواقب مثيرة للاهتمام، وهل ستكون الحياة في البلاستيك رائعة بالفعل كما تدّعي أغنية أكوا 1997.
وإضافةً إلى هذه الألغاز التي يتغاضي عنها الجميع في عالم باربي، توجد ألغاز تشمل باربي نفسها. فلديها إنجازات مبالغ بها، فهي بنفس الوقت عالمة فيزياء فلكية ومهندسة ورائدة فضاء ما يدل على نهجها العلمي واسع النطاق ومتعدد التخصصات.
في حين أن الكثيرين سيتعلمون من إنجازات روبرت أوبنهايمر في الفيلم، يجب ألا ننسى مسيرة باربي المهنية التي تستمر إلى الآن وبعد 64 عامًا منذ ظهورها لأول مرة في عام 1959، بينما كان أوبنهايمر نشطًا حوالي 44 عامًا في مجاله.
بغض النظر عن ذلك، فإن تأثير كل من باربي وأوبنهايمر على الثقافة الشعبية لا يمكن تجاهله، إذ خضعا لتدقيق شديد وتحليل مستفيض وكثير من التملق والنقد والثناء، وكلاهما يدفعنا إلى تصور عوالم جديدة للأفضل أو الأسوأ.
يجادل البعض أن اللعب بالدمى للصغار فقط، لكن الانخراط في عملية بناء عالم بهذه الطريقة أو غيرها أمر لا يجب إغفاله، يرى الناس في باربي التي قدمتها ماتيل بطلة نسوية أو أداة للسلطة الأبوية، لكنها في الواقع ليست أكثر من مجرد دمية، لكنها لكل الأطفال، وبإضافة كين ودائرته الاجتماعية المتزايدة، يستطيع الأطفال أن يحلموا بعوالم جديدة، وستكون هذه العوالم كما يرغبون، وربما سيصبح عالمنا مثلما يرغبون أيضًا.
اقرأ أيضًا:
هل وجود الأكوان المتوازية ممكن فيزيائيًا؟
ترجمة: يوسف عبد الكريم الشيخ
تدقيق: محمد حسان عجك