لقد سقط الدواء الأخير. حيث تم العثور على بكتيريا تحمل جينًا يسمح لها بمقاومة المضاد الحيوي البوليميكسين – الملاذ الاخير لبعض الأمراض في الدنمارك والصين، مما دفع إلى إقامة أبحاث عالمية حول هذا الجين.
وفقًا لهذا الاكتشاف، فإن البكتيريا سالبة الغرام (gram-negative bacteria) التي تسبب التهابات القناة الهضمية، المسالك البولية، والتهابات الدم عند البشر، يمكن أن تكون “مقاوم عام”، بوجود الجينات التي تهزم كل أنواع المضادات الحيوية المتاحة حاليًا. مما سيجعل بعض الالتهابات غير قابلة للشفاء، مالم يتم إيجاد أنواع جديدة من المضادات الحيوية في وقت قريب في الأسواق.
الكوليستين، النوع الأكثر شيوعًا من البوليميكسين، هو الملاذ الأخير كعلاج للالتهابات التي تسببها بكتيريا مثل كولاي (coli) وكليبسيلا (Klebsiella) التي تقاوم جميع أنواع المضادات الحيوية الأخرى المتاحة.
اكتشف يي يان ليو (Hi-Yun Liu) وزملاؤه في جامعة جنوب الصين في غوانغزو (South China Agricultural University in Guangzhou) جينًا مقاومًا للكوليستين في الماشية المصابة، اللحوم، والبشر. ويمكن لجين (MCR-1) أن ينتقل بسهولة بين البكتيريا، وقد توقع العلماء أنه سينتشر عالميًا في وقت قريب.
الانتشار
وبشكل مبهم، لقد حصل ذلك وحسب. وفورًا بعد الإعلان عن ذلك، قام فرانك أريستراب (Frank Aarestrup) من الجامعة التقنية الدنماركية في لينغبي (Danish Technical University in Lyngby) بالبحث عن التسلسل الجيني في قاعدة البيانات الدنماركية الخاصة بالحمض النووي للبكتيريا المأخوذة من البشر، الحيوانات، والطعام. ووجدها عند شخص كان قد أصيب بالتهاب في الدم في وقت سابق من هذه السنة، وأيضاً في خمسة عينات من بكتيريا أخذت من لحوم الدواجن المستوردة من ألمانيا بين عام ٢٠١٢ و ٢٠١٤.
ممكن للدواجن أن تكون قد نشأت خارج ألمانيا، هذا ما قاله أريستراب، حيث أنه لا يعلم منشأها. والأدهى من ذلك أن تلك البكتيريا حملت أيضًا جينات تمنحها القدرة على مقاومة العديد من المضادات الحيوية الأخرى، بما في ذلك البنسلين (penicillin) و السيفالوسبورين (cephalosporins).
إن الجينات المكتشفة في الدنمارك والصين هي نفسها، يقول أريستراب، و رجح أن يكون جين (MCR-1) قد انتقل بين البلدين على أن يكون قد نشأ بشكل مستقل في كل بلد. ومن المعتقد أنه قد نشأ أصلاً في مزرعة تعطي حيواناتها الكوليستين في الطعام كمضاد حيوي داعم للنمو.
المنشأ في الماشية
لم يتم العثور على هذا الجين في أمريكا الشمالية بعد، يقول لانس برايس (Lance Price) من جامعة جورج واشنطن (George Washington University) في العاصمة واشنطن، ولكن الباحثين يتحققون من قواعد البيانات الوراثية في مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في أطلنتا – جورجيا (Atlanta, Georgia). قد يرجع السبب في ذلك أن مزارع الماشية في أمريكا الشمالية تستخدم كميات قليلة نسبيًا من الكوليستين، رغم أن ذلك لن يمنع الجين من الانتقال بين البكتيريا.
“نحن لا نعلم حاليًا أين كانت نشأتها في العالم”، يحذر أريستراب. ويسعى فريقه الآن للحصول على أية فكرة عن ذلك من خلال جمع المعلومات و السلالات المختلفة عبر المشاريع البحثية العالمية والأوروبية التي تصنف التسلسلات الجينية من مسببات الأمراض.
ويُرّجح أن يكون المنشأ في الصين حيث تُستخدم المضادات الحيوية في طعام الحيوانات على نطاق واسع لتعزيز النمو. ويُستخدم مقدار ١٢,٠٠٠ طن من الكوليستين في طعام الماشية في الصين سنويًا، وهو نفس المقدار المُستخدم عالمياً، حسب قول ليو وزملاؤه، مما يساعد في تطور جين (MCR-1). وقد تم حظر المضادات الحيوية الداعمة للنمو في أوروبا لانها تحفز البكتيريا المقاومة للأدوية بشكل خاص. وطبعًا كانت الدنمارك من أوائل الدول الحاظرة.
القلق العالمي
ورغم ذلك، فماتزال تلك الأدوية تستخدم على نطاق واسع لمعالجة الأمراض الشائعة في حظائر الماشية المزدحمة. وفي ٢٠١٢ اعتبرت منظمة الصحة العالمية (World Health Organization) الكوليستين بالغ الأهمية بالنسبة لصحة الانسان، مما يعني ضرورة الحد من استخدامه عند الحيوانات لتجنب نشوء مقاومات الأدوية. ومع ذلك ففي ٢٠١٣، وحسب تقارير وكالة الأدوية الأوروبية (European Medicines Agency)، فإن البوليميكسين كان النوع الخامس الأكثر استخدامًا من المضادات الحيوية في الماشية الأوروبية.
يُستخدم الكوليستين في الهند لكل من البشر والحيوانات على حد سواء، حيث يقول عبد الغفور من مستشفى أبولو (Apollo Hospital) في تشاناي (Chennai). تشكل البلد مرتعاً آخر لمقاومات المضادات الحيوية بسبب ضعف الضوابط المفروضة على الأدوية. “لقد سبق وتعاملت مع التهابات مقاومة للكوليستين” يقول عبد الغفور، ويخطط الباحثون في الهند الى اختبار عينات من البكتيريا بحثًا عن ذلك الجين.
“إذا وُجِدَ جين (MCR-1) في الهند، فإنها ستكون كارثة” يقول عبد الغفور الذي يخشى من انتشار هذا الجين بسرعة كما حصل مع الجينات المقاومة لنوع أخر من المضادات الحيوية – الكاربابينيم – الذي يعتبر الملاذ الأخير لبعض الأمراض.