يتكون الدماغ من مليارات الخلايا العصبية، وهي خلايا ضعيفة تتطلب بيئة واقية لتعمل بصورة صحيحة. هذه البيئة الحساسة يحميها نحو 644 كيلومتر من الأوعية الدموية المتخصصة، المُصمَّمة للحد من المواد التي تصل إلى الدماغ. هذا الحاجز الدموي الدماغي ضروري لحماية العضو من السموم ومسببات الأمراض.
تقول الدكتورة آن أيشمان، أستاذة علم وظائف الأعضاء الخلوية والجزيئية، عند وجود مرض عصبي، فإن الحاجز «يصبح أسوأ عدو لك»، إذ يمنع عبور الأدوية أيضًا.
كان هدف علماء الأعصاب وعلماء أحياء الأوعية الدموية لسنوات إيجاد الحل السحري لفتح الحاجز مؤقتًا لإيصال الدواء، ثم إغلاقه. طوّر فريق أيشمان جسمًا مضادًا، أداةً لفتح الحاجز الدموي الدماغي بضع ساعات في كل مرة، ما يسمح بإيصال الأدوية إلى الدماغ المصاب. ونُشرت النتائج في مجلة (Nature Communications).
تقول أيشمان: «للمرة الأولى نكتشف كيفية التحكّم في الحاجز الدموي الدماغي باستخدام جزيء».
يعتمد تطوير الحاجز الدموي الدماغي والحفاظ عليه على ما يسمى بمسار (Wnt) لنقل الإشارات، الذي ينظم عددًا من العمليات الخلوية المهمة. سعى فريق أيشمان لمعرفة هل يمكن تعديل هذا المسار لفتح الحاجز «عند الحاجة»؟
اختار كيفن بوييه، الباحث المشارك في الدراسة، دراسة الجزيء (Unc5B)، وهو مُستقبِل يوجد في بطانة الأغشية، يُعبر عنه في الخلايا البطانية للشعيرات الدموية. وُجد أنه بتعطيل المستقبل في الفئران، فإنهم يموتون في وقت مبكر من نموهم الجنيني، لأن الأوعية الدموية لا تتشكل تشكلًا صحيحًا، ما يشير إلى أهمية هذا الجزيء في تطور الأوعية الدموية. اكتشف أيضًا أن البروتين (Claudin5)، المهم لإنشاء وصلات قوية بين الخلايا البطانية للحاجز الدموي الدماغي، قد انخفض انخفاضًا ملحوظًا. توصل الفريق إلى أن المستقبل مهم للحفاظ على هذا الحاجز.
لم نعرف سابقًا بوجود علاقة بين الجزيء (Unc5B) ومسار (Wnt) لنقل الإشارات. اكتشف الفريق في الدراسة الجديدة أن المستقبل (Unc5B) يتحكم في المسار، ويعمل منظمًا «عند المنبع».
ذهب بوييه أبعد من ذلك، إذ استأصل المستقبل من الفئران البالغة -حيث الحاجز الدموي الدماغي موجود بالفعل- ووجد أن الحاجز ظل مفتوحًا في غياب المستقبل. أراد بعد ذلك تحديد الروابط -التي ترتبط بالمستقبلات وترسل الإشارات بين الخلايا أو داخلها- المسؤولة عن تأثير الحاجز. اكتشف أن رابطة تسمى (Netrin-1)، تسبب حدوث خلل بالحاجز الدموي عند إزالتها.
طوّر الفريق جسمًا مضادًا يمكنه منع (Netrin-1) من الارتباط بمستقبله. عند حقن الجسم المضاد، تمكّن الفريق من تعطيل مسار (Wnt) لنقل الإشارات، ما سبّب فتح الحاجز الدموي الدماغي مؤقتًا عند الحاجة.
يقول بوييه: «كانت رحلةً رائعة، خصوصًا تطويرنا للأجسام المضادة الحاصرة. وأن نرى إمكانية فتح الحاجز الدموي الدماغي بطريقة حساسة جدًا للوقت، لتعزيز توصيل الأدوية».
نظرًا إلى أن الحاجز الدموي الدماغي يمنع دخول جميع الجزيئات، عدا القليل جدًا من الجزيئات الصغيرة، فإن الحالات العصبية مثل مرض ألزهايمر والتصلب المتعدد وأورام المخ والاكتئاب يصعب جدًا علاجها. سيكون التحكم في الحاجز مفيدًا لمشاريع إيصال الأدوية المستقبلية. لم يحدد الفريق بعد أي مضاعفات محتملة، لكنه يخطط لتقييم الفعالية والسُمّية المحتملة للجسم المضاد لاحقًا.
يقول أيشمان: «هذا يمهّد الطريق لمزيد من الأبحاث الأساسية المثيرة للاهتمام حول كيفية بناء الجسم مثل هذا الحاجز الضيق لحماية الخلايا العصبية، وكيف يمكن التأثير فيه بهدف إيصال الأدوية، من ثم يمكن استخدام ذلك منصةً لإيصال الأدوية إلى الدماغ».
يأمل الفريق في الدّراسات المستقبلية فهم كيفية تطبيق نتائجه على إيصال العلاج الكيميائي لعلاج أورام الدماغ. ويعملون حاليًا لمعرفة هل يمكن تطبيق الأجسام المضادة على مناطق أخرى من الجهاز العصبي المركزي خارج الدماغ.
اقرأ أيضًا:
للمرة الأولى: علماء ينجحون في اختراق الحاجز الدموي الدماغي، لعلاج ورم في دماغ مريضة
بدء التجارب على لقاح محتمل لعلاج إدمان المواد الأفيونية في نيويورك
ترجمة: رنا بدر أبو عباس
تدقيق: أكرم محيي الدين