شريعة حمورابي واحدة من أقدم الشرائع القانونية المكتوبة وأكثرها اكتمالًا، التي أعلنها الملك البابلي حمورابي، والذي حكم بين عامي 1792-1750 قبل الميلاد. وسّع حمورابي دولة بابل على طول نهر الفرات ليوحد كل جنوب بلاد ما بين النهرين.
شريعة حمورابي مجموعة من 282 قانونًا، أسست معايير للعلاقات التجارية وحددت العقوبات والغرامات بما يحقق مبادئ العدالة. نُحتت القوانين على عمود من حجر أسود ضخم ذي شكل إصبعي، نهبه الغزاة وأعيد اكتشافه لاحقًا في 1901.
حمورابي
كان حمورابي الملك السادس لبابل من سلالته الحاكمة، التي حكمت وسط بلاد ما بين النهرين (العراق حاليًا) من 1894- 1595 قبل الميلاد.
تنحدر عائلته من أصل أموري، وهي عشيرة شبه بدوية من الغرب السوري، ويُظهر اسمه مزيجًا من الثقافات: “حمو” التي تعني الأسرة في الأمورية، و”رابي” التي تعني عظيم في الأكاديّة، لغة أهل بابل.
في أثناء سنوات حكمه الثلاثين، وسع حمورابي مملكته على طول وادي نهري دجلة والفرات، وأطاح بممالك آشور ولارسا (مدينة سومرية يسميها السكان المحليون حاليا بتل السنكرة) وإشونه وماري حتى وحّد كل منطقة ما بين النهرين تحت حكمه.
جمع حمورابي تقدمه السياسي والعسكري مع مشاريع الري وإنشاء التحصينات والمعابد احتفالًا بإله بابل مردوخ (نمرود).
مدينة بابل التي عاصرت حمورابي مدفونة الآن تحت منسوب المياه الجوفية للمنطقة، ومهما تكن الأرشيفات التي احتُفظ بها؛ فإنها قد تعرضت للانحلال لفترة زمنية طويلة، لكن الألواح الطينية المكتشفة في مواقع قديمة أخرى تكشف مقتطفات عن شخصية الملك وكفاءته السياسية.
إحدى الرسائل تسجل شكواه من إجباره على تزويد سفراء ماري بملابس العشاء لمجرد أنه فعل الشيء ذاته مع بعض المبعوثين الآخرين قائلًا: هل تتخيل أنه يمكن التحكم في قصري بموضوع الملابس الرسمية؟
ما شريعة حمورابي؟
نُحت الحجر الأسود الذي عليه شريعة حمورابي من من لوح واحد يزن أربعة أطنان من الديوريت، وهو حجر متين ولكن النحت عليه صعب للغاية.
يوجد في الجزء العلوي منه نقش بارز يبلغ ارتفاعه قدمين ونصف القدم لحمورابي واقفًا يتلقى القانون -ممثلًا بعصا قياس وشريطة- من إله العدل البابلي شماش وهو جالس. غُطي باقي النصب البالغ ارتفاعه سبعة أقدام وخمس بوصات بأعمدة من نقوش كتابة مسمارية. وهذه الكتابة التي جمعت في نهاية فترة حكم حمورابي ليست إعلانًا للمبادئ بقدر ما هي مجموعة من السوابق القانونية المنظومة بأسلوب نثري يحتفي بعدالة حمورابي وقوانينه الجديرة بالثناء.
تقدم شريعة حمورابي بعض الأمثلة المبكرة على عقيدة القصاص والتي تعرف أحيانًا بـ«العين بالعين».
تتضمن شريعة حمورابي العديد من العقوبات القاسية التي تتطلب أحيانًا نزع لسان المذنب أو قطع يديه أو طعن صدره أو فقء عينه أو جدع أذنه. لكن شريعته أيضًا واحدة من أقدم الأمثلة على اعتبار المتهم بريئًا حتى تثبت إدانته.
كُتبت القوانين ال 282 جميعها بالصيغة الشرطية (إذا حدث … فإن …)، على سبيل المثال، إذا سرق الرجل ثورًا، فعليه أن يرد 30 ضعف قيمته. وتتنوع القوانين من قانون الأسرة إلى العقود المهنية والقانون الإداري، وغالبًا ما حدد معايير مختلفة للعدالة تبعًا للطبقة التي ينتمي إليها الفرد من المجتمع البابلي وهي الطبقة المالكة وطبقة الأحرار وطبقة العبيد. أجر الطبيب لمعالجة جرح شديد هو 10 قطع نقدية للرجل النبيل، وخمس قطع نقدية للرجل الحر وقطعتان نقديتان للعبد. عقوبة سوء الممارسة من نفس الممارس: الطبيب الذي قتل رجل ثريًا ستقطع يداه، بينما لا يفرض عليه إلا التعويض المالي في حال كان الضحية عبدًا.
إعادة اكتشاف حجر حمورابي
في 1901 قاد جاك مورغان، مهندس تنقيب فرنسي، حملة تنقيب أثرية إلى بلاد فارس، للتنقيب عن العاصمة العيلامية سوسا، على بعد أكثر من 400 كلم من وسط مملكة حمورابي، وهناك اكتشفوا حجر حمورابي مكسورًا إلى ثلاث قطع، أُحضر إلى سوسا كغنيمة حرب، غالبًا من قبل الملك العيلامي شوتروك ناحونتي في منتصف القرن الثاني عشر قبل الميلاد.
أُخذ الحجر ونُقل بحريًا إلى متحف اللوفر في باريس وعلى مدار عام تُرجم ونُشر على نطاق واسع كأول مثال لشريعة قانونية مكتوبة، شريعة تسبق تلك الموضحة بالعهد القديم، ولكن تحمل أوجه تشابه مذهلةً معها.
يصور مبنى المحكمة العليا الأمريكية حمورابي على المنحوتات الرخامية للمشرعين التاريخيين التي تصطف على الجدار الجنوبي لقاعة المحكمة.
ومع أن قوانين بلاد ما بين النهرين المكتوبة التي اُكتشفت لاحقًا -مثل ليبيط عشتار السومري وأور نامو- قد سبقت شريعة حمورابي بمئات السنين، فسوف تبقى سمعة حمورابي كمشرّعٍ رائدة، الذي عمل على حد تعبير حجره: «لمنع القوي من قمع الضعيف، ولإحقاق العدالة للأرامل والأيتام».
اقرأ أيضًا:
بابل.. قصة مملكة من النهوض حتى الاندثار
ترجمة: وراد الحماده
تدقيق: حسام التهامي