إنْ سنحت لك الفرصة لتسأل أرسطو عن رأيه في فكرة الكتابة عن العلوم الطبيعية للقُرّاء غير المتخصّصين، لما فهم ما تتكلّم عنه.
فكل كتاباته، في الفيزياء والفلك وكذلك في السياسية والأستاطيقا (فلسفة الجمال)، كانت متاحة لأيّ إغريقي مُتعلّم آنذاك.
هذا ليس دليلًا على مهارات أرسطو ككاتب، ولا على تميّز التّعليم اليوناني، ولكنه دليل على الحالة البدائيّة للعلوم الطبيعية الإغريقية والتي لم تقم بأي استخدام فعّال للرياضيات.
إنها الرياضيات فوق كل شيء ما تمثّل عائق للتواصل بين العلماء المحترفين والجمهور العام المُتعلّم.
في أيام أرسطو، كان تطور الرياضيات البحتة قائم بالفعل، ولكن استخدامها في العلم من قِبَل أفلاطون وفيثاغورس كان طفوليًا، وأرسطو نفسه كان غير مهتم باستخدام الرياضيات في العلم.
لقد استنتج بشكل إدراكي من مظهر السماء الليليّة من زوايا مختلفة بأنّ الأرض كروية، ولكنه لم يأبه لاستخدام هذه الملاحظات (كما قد كان من الممكن له أن يفعل) لحساب حجم كوكبنا.
بدأ العلم الطبيعي في الاستفادة جدّيًا من الرياضيات فقط بعد وفاة أرسطو عام 322 ق.م، حين انتقل المركز الحيويّ للعلم من أثينا إلى الأسكندرية.
ولكن الاستخدام الضروري للرياضيات من علماء الفيزياء والفلك الهيلنستيين بدأ في إعاقة التواصل بين العلماء والعامة.
بالنظر إلى الأعمال الرياضية جدًا لأرسطرخس، أرخميدس، وبطليموس، يمكننا أن نشعر بوخزة تعاطف مع اليونان والرومان المتحدثين باليونانية الذين حاولوا مسايرة الاكتشافات الأخيرة عن الضوء، السوائل أو الكواكب.
لم يمر كثيرًا حتّى بدأ كُتّاب يدعوا “مُعلّقين” بمحاولة سد هذه الفجوة.
من المثير للسخرية أنهم ككُتّاب كانوا أكثر شهرة من العلماء المتخصّصين لدرجة أن في حالات كثيرة، كانت تعقيباتهم وتعليقاتهم هي ما يتمّ نسخها وإعادة نسخها بدلا من تقارير الأبحاث نفسها، مما أعطى كتبهم فرصة البقاء بعد إنهيار الحضارة القديمة.
فمثلا، نحن نعلم عن قياسات إراتوستينس لقُطر الأرض في حوالي عام 240 ق.م ليس من كتاباته هو، والتي فُقِدَت، بل من شرح قليوميد (Cleomedes) التي كُتبَت بعد بضع قرون.
هذا يبدو وكأننا بعد سيناريو مخيف لنهاية العالم في المستقبل، سيتعرّف الباحثون عن نيوتن وأينشتاين من المقالات الناجية في مجلات Scientific American وNew Scientist.
بعد سقوط الحضارة الرومانية في الغرب، العُرف المتخصّص في الرياضيات الفيزيائية والفلكية قد تلاشت تقريبًا في نصف الحضارة اليونانية المتبقية، رغم أنها نجَت في الأراضي الإسلامية.
هذا العُرف قد تمّ تجديده وإعادة إحياءه في أوروبا في العصور الوسطى حتّى وصلت لأوجها مؤخرًا بعد قرنين في أعمال كبلر، هوجنس، والأهم، في أعمال نيوتن.
لايزال كتاب نيوتن (الأصول Principia) هو أهم كتاب في العلوم الطبيعية على الإطلاق، ولكنه صعب على أي قارئ.
نيوتن نفسه لم يبذل أي محاولة لتوصيل نظرياته عن الحركة والجاذبية للقرّاء العوام.
لذلك، كان من المهم لفولتير أن يأخذ على عاتقه مسؤولية شرح هذا العمل للفرنسيين، والذين كانوا متوحّلين في أخطاء ديكارت.
في 2006، حقّ على إيان ماك إيوان (Ian McEwan) إدراج كتاب “رسائل عن إنجلترا” لفولتير ضمن قائمته في “قاعدة للكتب العلمية”.
بعد تزايد كون العلوم الطبيعية رياضية أكثر من بعد نيوتن، التواصل مع العامة أصبح أصعب وأصعب.
في القرن العشرين، قَبِلَ عالميّ الفيزياء جورج جاموف وسير جيمس جينز، قَبِلا تحدي شرح التطور الجديد المثير في النسبية وميكانيكا الكم، بنجاح مشوب.
بالنسبة لي، حين كنتُ لاأزال أبدأ في الاهتمام بالفيزياء في مراهقتي، كانت كتب جاموف وجينز ملهمة.
الأمر ليس أن هذه الكتب جعلت كل شيء واضحًا.
على العكس.
هذه الكتب زودتني بصورة حيّة عن عالم تحكمه قوانين أساسيّة غير بديهية، هذا (كما قد شرح جالاليو في كتاب “الفاحص”) لا يمكن فهمه إلا عن طريق شخص يعرف اللغة التي كُتبت بها هذه القوانين، لغة الرياضيات.
أنا أتذكر قراءة في أحد كتبهما (أعتقد أنه كان “الكون الغامض” لجينز) مناقشة عن مبدأ اللايقين لهايزنبرج والتي ذكرت معادلة qp-pq=ih/2π.
أنا لم أكن أعرف المقصود من الجانب الأيمن من المعادلة، ولكنني كنت أعلم إن كان p وq أي رقم، فإذن p ضرب q هي نفس الشيء كـ q ضرب p، فكيف لـ pq منقوص منها qp تكون أيّ شيء غير الصفر؟
لقد كان واضحًا لي أنني أحتاج لتعلّم الكثير قبل أن أتمكّن من هذا الأمر العميق.
لذلك أثناء الكتابة عن الفيزياء ليس من المهم دائمًا أن يكون كل شيء واضحًا للقارئ العام.
المهم هو احترام القُرّاء، عدم تضليلهم بالاعتقاد بأنّ كل شيء سيكون واضحًا إن لم يكونوا حمقى بهذا الشكل، أو أن الإبهام دليل على العمق.
في مقدمة كتابي عن الإنفجار العظيم، “الدقائق الثلاثة الأولى”، قلتُ أنه “حين يكتب محامي للعامة، هو يفترض أنهم لا يعرفون القانون الفرنسي أو …..، ولكنه لا يتوقع منهم أنهم الأسوأ، وهو لا ينزل بنفسه إلى مستواهم.
أنا أتخيّل القارئ في شكل محامي ذكي متقدّم في السّن، والذي لا يتحدث لغتي، ولكنه رغم ذلك يتوقع سماع حجج مقنعة قبل أن يقرر”.
حين يكتب العلماء العاملون مثلي للعامة، نخوضُ في فرصة أن ندخل في جدال.
الأسلوب الجدالي للكتابة العلمية يعود على الأقل إلى العصر الذهبي للعلم الإسلامي، حينَ تمّ التركيز على قيمة العلم وعلاقته بالإسلام.
أحد أبرع علماء الفلك المسلمين، وهو البيروني الفارسي، اشتكى التصرّفات المضادة للعلم بين المتطرفين الإسلاميين.
بينما عالم الطب الرازي، الذي كان يعشقه البيروني، قال بأنّ العلماء مفيدين أكثر للبشرية من قادة الدين وأنّ المعجزات مجرّد خِدَع.
كردّ عليه، قال الطبيب المشهور ابن سينا أنّ الرازي كان يجب عليه أن يكتفي بالأشياء التي يفهمها، مثل دمل البشرة والبراز.
كانت هنالك جدالات عنيفة أيضًا في كتابات العلماء الأوروبيين للعامة أثناء الثورة العلمية.
جالاليو لم يعصي فقط أوامر محكمة التفتيش حين عرض في كتابه Dialogo أن الشمس وليست الأرض هي الساكنة.
لقد كتب هذا الكتاب بالإيطالية بدلا من اللاتينية التي استخدمها العلماء، وباستخدام القليل من الرياضيات، حتى يمكن لإيطالي متعلّم قراءة الكتاب وفهمه.
أولاد بلده لم يكونوا غير مُقدّرين؛ فحتّى قمعت الكنيسة الكتاب، كان قد بيعت نسخه كلها.
كتاب داروين “عن أصل الأنواع” مثالٌ فريد تقريبًا لتقرير عن بحث علمي محترف بأعلى المنازل والذي كان في نفس الوقت على الأقل ضمنيًا جداليًا – كما قال داروين، “حجة مناقشة واحدة طويلة” – عن شأنٍ عام، أسس الاعتقاد الدينيّ.
لقد حطّم إلى الأبد الفرضية الكونية تقريبًا بأنّ التدخّل الإلهي ضروري لشرح قدرات النباتات والحيوانات.
كتابه يُعتبر جداليًا إلى حدٍ ما لأنه سهل القراءة بشكل رائع.
(بالطبع، داروين ككاتب حاظ بميزة أن علم الأحياء في وقته لم يكن متقدم بالشكل الكافي حتى يكون استخدام الرياضيات مناسبًا، فلم يكن عليه أن يواجه مهمة شرح الأفكار الرياضية للعامة).
الجدالات العنيفة بخصوص العلم والدين، بصورة ملحوظة في كتابات ريتشارد دوكنز (كذلك تمّ إدراجه في قاعدة ماك إيوان) وسام هاريس على جانب، وجون بولكينجهورن وفرانسيس كولنز على الجانب الآخر.
لقد كتبتُ رأيي بخصوص هذا الشأن من قبل.
جاليليو جاليلي
منذ بضع سنوات بدأتُ بالكتابة كثيرًا عن سؤال آخر: الدعم العام للعلم.
في بدايات الثمانينات، ساندت الحكومة الأمريكية خطط لبناء مسارع جسيمات أساسية كبير جدًا، المصادم الفائق فائق التوصيل Superconducting Super Collider.
بدأ العمل، وبعد صرف 1.5 مليار دولار، الدعم المستمر أصبح موضع شك.
مع علماء فيزياء آخرين، تمّ استدعائي لأشرح للجان الكونجرس ولمجالس التحرير وللإجتمعات العامة لِمَ هذا المسارع فكرة جيدة.
عادةً ما وجدت نفسي أدافع عن الأهداف الإختزالية لفيزياء الطاقة العالية لدرجة أنني كتبت كتابًا عنها، “أحلام نظرية نهائية”.
للأسف، تمويل المصادم الفائق تمّ إلغائه في 1983، ورغم أنني حزين بأننا الفيزيائيين لم نستطع إقناع الكونجرس، أنا على الأقل فخور بأن كتابي حصل على مكان في “قاعدة” ماك إيوان.
في “لشرح العالم”، أنا أجادل مع مؤرخي العلم هؤلاء الذين يحاولون الحكم على العمل العلمي لكل عصر حسب معايير ذاك العصر وليس عصرنا الآن، وكأن العلم ليس تراكمي وآخذ في التقدّم، وكأن تاريخه يمكن كتابته كتاريخ الموضة.
يمكن للمرء أن يدرك الطاقة العظيمة والذكاء لشخص مثل أرسطو، بينما في نفس الوقت يلاحظ أن فكرته عن كيفية التعلّم عن العالم كانت عائقًا أمام التقدّم.
أنا أحترم جليًّا مؤرخي العلوم المحترفين، والذي منهم تعلّمت الكثير، ولكن كتابي يأخذُ نظرة أفضل مما يقوم به بعض المؤرخين، ليس فقط مع أرسطو، ولكن أيضًا مع رموز أخرى مثل ديموقريطوس، أفلاطون، ابن سينا، جروسيتيست، فرانسيس بيكون، وديكارت.
لقد ظهرت قناة أخرى لتوصيل الأفكار العلمية للعامة في العقود الأخيرة.
إنه الأدب.
أنا لا أشير إلى الخيال العلمي، والذي منذ حوول فيرن قد تعامل مع تأثير التطبيقات التكنولوجية للعلم.
أصبح بعض الأدباء مؤخرًا – توم ستوبارد، مثلا – مهتمين بتأثير عمل العلم وأفكار العلم، بدلا من تطبيقاته.
لقد قاموا بالكثير لجعل العلم ما آمل بعض العلماء دائمًا له أن يكون: جزء من ثقافة عصرنا.
هذا حقًا هدف واحد أعتقد أنه حثّ علماء فيزياء أمثال برايان جرين، ديفيد ديوتش، لاري كراوس، وعلماء أحياء أمثال ريتشارد دوكنز، ستيفن جاي جولد، و إ. و. ويلسون، على أن يأخذوا وقتًا من وقت أبحاثهم للكتابة للجمهور العام.
هنالك بالتّأكيد أهداف أخرى.
أتذكر أنه كان إ. م. فوستر الذي قال بأنه يكتب ليحظى باحترام أولئك الذين يحترمهم، وليكسب قوت يومه.
أما بالنسبة لقوت اليوم، فلقد كنت أعمل كثيرًا كمستشار في مسائل الدفاع، حتى علمت أنّ تأليف الكتب مكافئ أكثر من كل النواحي، وبما أنّ هذا لم يتضمن التعامل مع مواد محظورة، أمكن لي إنجازها في البيت.
الأهم هو الفرصة لترك البرج العاجي لأبحاث الفيزياء النظرية، والإتصال بالعالم الخارجي.
أفضل 13 كتاب علمي للقارئ العام بالنسبة لستيفن واينبرج.
القائمة التالية تفتقر بشكل ملحوظ كتب مكتوبة من نساء.
هذا لأن النساء لم يكن مرحبًا بهن في العلم خلال معظم تاريخه.
كانت الاسكندرية أقل ظلمًا بهذا الشأن عن أثينا، ولكن مع هذا، من الفلاسفة الطبيعييات في العالم القديم من النساء، تبرز لنا هيباتيا فقط.
لحسن الحظ، رغم ذلك، هذا العيب يتمّ تصليحه.
رغم قلّتهن، هنالك الآن نساء رائعات في كثير من الفروع العلمية، إحداهن مذكورة في القائمة.
- رسائل فلسفية (1733) فولتيير – Philosophical Letters (1733) Voltaire
- أصل الأنواع (1859) تشارلز داروين – The Origin of Species (1859) Charles Darwin
- على قطعة طباشير (1868) توماس هاكسلي – On a Piece of Chalk (1868) Thomas Huxley
- الكون الغامض (1930) جيمس جينز – The Mysterious Universe (1930) James Jeans
- ميلاد وموت الشمس (1940) جورج جاموف – The Birth and Death of the Sun (1940) George Gamow
- ميزة القانون الفيزيائي (1965) ريتشارد فاينمان – The Character of Physical Law (1965) Richard Feynman
- الكون الأنيق (1999) برايان جرين – The Elegant Universe (1999) Brian Greene
- الجينة الأنانية (1976) ريتشارد دوكنز – The Selfish Gene (1976) Richard Dawkins
- تصنيع القنبلة النووية (1986) ريتشارد رودس – The Making of the Atomic Bomb (1986) Richard Rhodes
- الكون المتضخم (1997) آلان جوث – The Inflationary Universe (1997) Alan Guth
- الأمر برمته (1997) تيموتي فريس – The Whole Shebang (1997) Timothy Ferris
- الإختباء في المرآة (2005) لورانس كراوس – Hiding in the Mirror (2005) Lawrence Krauss
- ممرات مُعوجّة (2005) ليزا راندال – Warped Passages (2005) Lisa Randall
- إعداد: أحمد الريس.
- تحرير: عيسى هزيم.
- المصدر