سفن ستغير من مفهوم الإبحار
تعتبر عملية نقل البضائع عبر المحيطات أمر حيوي بالنسبة لاقتصاديات العالم، لكن السفن التي تقوم بعملية النقل تساهم بتلويث الكوكب. وسوف تقدم بعض التصاميم القادمة من الخيال العلمي حلول لهذه المشكلة
ففي الشهر الماضي في سان ديغو، كاليفورنيا، جلس مهندس على جهاز الكمبيوتر الخاص به، وأمسك بعصا التحكم الموجودة على مكتبه، في الواقع هو لم يكن يلعب ألعاب فيديو، لكنه كان يقوم بتجربة التحكم بسفينة نقل بضائع ضخمة موجودة على بعد آلاف الأميال عن ساحل اسكتلندا
تم وصل عصا التحكم التي بيد المهندس إلى السفينة عن طريق الأقمار الاصطناعية سامحة له بالتحكم بها عن بعد. كان ينظر بعناية إلى التغير المفترض لموضع السفينة والذي هو ظاهر على الشاشة أمامه. حيث قام مختصون آخرون بملاحظة تلاؤم عين وقدم المهندس مع استخدام تلك الأجهزة. وذلك في تجربة مدتها 4 ساعات -قامت بها شركة الطاقة والتكنولوجيا الفنلندية (فارتسيلا – Wärtsilä)
وتعتقد شركة فارتسيلا أن السفن الذكية سوف تسمح لأصحاب السفن بالقيام بعمليات تحكم أكثر كفاءة لحركة سفنهم، كما تسمح بتخفيض استهلاك الوقود وبالتالي تخفيض انبعاثات الغازات الضارة للبيئة. إنها فكرة طموحة لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، حيث أن العالم مرتبط مع بعضه بشكل وثيق عبر منظومة التجارة العالمية، ولكننا نواجه بعض التحديات الأخرى والمتمثلة بتغير المناخ والذي سيؤدي إلى تغيير أنماط الطقس ومستويات البحر وهي تشكل خطرًا كبيرًا على نقل البضائع عبر العالم.
ما هو أكثر من ذلك؟ إن هذه السفن المستقبلية يمكن أن تكون تقاد بدون وجود قبطان، حيث يمكن أن يتم التحكم بها من بعد عدة أميال ليس عن طريق البشر، بل عن طريق الكومبيوتر
يعتبر الشحن صناعة عملاقة، ولكنه قطاع يمتاز بعدم استفادته من التقدم التكنولوجيا، إن العديد من السفن التي تجوب بحار العالم هي سفن ضخمة للغاية وهي تستخدم وقود الديزل، لم يطرأ أي تطور جذري على هذه السفن على مدى السنوات العديدة الماضية.
في حربنا ضد التلوث يتوافر توجه عالمي لتحديث السفن حول العالم. في الحقيقة فإن 15 من أكبر السفن في العالم تنتج تلوث يوازي التلوث التي تنتجه جميع السيارات في العالم. ومما يزيد من هذا التحدي اهتمام الشركات بزيادة أرباحها بغض النظر عما تسببه من تلوث للبيئة
تجري شركة فارتسيلا تجاربها لكي تدخل بشكل حقيقي في مجال النقل البحري، وهي تعتقد بأن الاستغناء عن الطاقم البشري في قيادة السفن سيؤدي إلى تخفيض التكاليف بشكل كبير مما سيؤدي إلى إقناع الزبائن بجدوى وأهمية شراء سفنها، كما يقول (أندريا مورغانت – Andrea Morgante) رئيس القسم الرقمي في الشركة، ويقول أيضًا: (يمكنك أن تتخيل أشكالًا جديدة من زوارق القَطِر يتم التحكم بها عن بعد حيث تقوم بمهام دعم السفن في الميناء) وأيضًا من الممكن إيجاد سفن آلية تنقل البضائع إلى الموانئ حول العالم.
في الواقع فإنه يوجد شركة أخرى تعمل مع شركاء لتجربة وبناء سفن ذات تحكم آلي تعمل بدون وجود طاقم بشري وهي شركة (كونغسبرغ – Kongsberg) من النرويج، إن لدى الشركة بالفعل سفينتين في مرحلة التجريب وهما (هرون – Hrönn) و (يارا بيركيلاند – YARA Birkeland)، إن سفينة نقل الحاويات يارا بيركيلاند يبلغ طولها 80 مترا (264 قدما) ستكون كهربائية بشكل كامل وستدخل الخدمة في النصف الثاني من عام 2018
يقول (بيتر دو – Peter Due) مدير التحكم الذاتي في شركة كونغسبرغ 🙁 نظام واحد يمكن أن يرصد ما يشبه عبوة البيرة، أنت لا تستطيع أن تقرر بإن تلك السفينة هي سفينة هاينكن أو سفينة كارلسبرغ، لكنك سترى ما يشبه عبوة بيرة قادمة على سطح البحر) ويتم شرحه بأن من أهم الأشياء هو تعلم نظام التعرف على أنواع الأشياء وذلك لتجنب الاصطدام به. وألمح تقرير صدر مؤخرا عن جامعة ساوثمبتون بأن السفن المؤتمتة ستدخل في الخدمة بشكل أسرع مما كان متوقعا وذلك بسبب انخفاض التكاليف التكنولوجية ومن أجل حل مشكلة نقص العمالة في بعض مجالات الشحن.
إن هيئات مثل المنظمة البحرية الدولة (إيمو) سوف تحتاج إلى سنوات لتقوم بتجهيز نظم تحكم عمل السفن المتحكم بها عن بعد، بيد أن القوانين المحلية يمكن أن تقدم بشكل أسرع قوانين تحكم عمل هذه السفن.
بغض النظر عمن سيقود هذه السفن سواءً كانوا البشر أم الروبوت، فإن التغيير في تصميم السفن التي تسبب الانبعاثات سيكون طريقة أخرى لتقليل تأثيرها على كوكبنا.
نستطيع على سبيل المثال تصنيع سفن من المواد المركبة مثل الألياف الزجاجية والبلاستيك، والتي ممن الممكن أن تقلل كثيرًا من وزن السفن وبالتالي زيادة في كفاءة استهلاك الوقود وزيادة في السعة التخزينية للبضائع، حيث أطلق الاتحاد الأوروبي مؤخرًا برنامج (Fibreship) لتطوير مواد مركبة تستخدم في صناعة سفن الشحن التي يزيد طولها عن 50 مترا (165 قدما).
وكما يقول (فولكر بيرترام – Volker Bertram) أستاذ تصميم السفن ومدير المشروع في (DNV GL) إن ذلك التطور سيكون مفيدًا لبعض الأنواع الأخرى من السفن مثل سفن الركاب، لكن بالنسبة للسفن الكبيرة والتي تقوم بشحن البضائع الثقيلة فإن معدن الصلب سوف يظل هو المفضل لصناعة مثل هذه السفن، ويوضح ذلك قائلًا: (إذا كان لديك ناقلة نفط وكان 90% من وزنها للنفط المنقول، فإن هذه النسبة لن تدفعك لبناء سفن أقل وزنًا)
تعمل شركة إيكو مارين باور والتي تتخذ من اليابان مقرًا لها، على صناعة أشرعة الصلبة تثبت عليها ألواح للطاقة الشمسية بحيث يتم تركيبها على سفن نقل البضائع.
يقول (جريج أتكينسون – Greg Atkinson) مدير مكتب التكنولوجيا في الشركة: (عندما بدأنا لأول مرة بدا من غير الممكن تثبيت الألواح الشمسية على الأشرعة الصلبة لكن التكنولوجيا الخاصة بهذه الألواح تتحسن وتكلفتها تقل) ويضيف بأنه في الوقت الحالي فإن السفن التي يركب عليها هذه الأشرعة ما زالت تحتاج إلى محركات بالوقود التقليدي, لكن باستخدام الرياح والطاقة الشمسية فإنه من الممكن أن نقلل من استخدامها لذلك الوقود, ويعتقد بأنه من الممكن مستقبلًا أن تستخدم الرياح بنسبة 80% لدفع هذه الأشرعة بينما ستبلغ نسبة مساهمة الطاقة الشمسية 20%.
تأمل شركة إيكو مارين باور بتجريب نظامها على سفن الشحن والتي تسمى بـ (ناقلة الصب) والتي تستخدم في نقل البضائع الغير معبئة مثل خام الحديد والفحم أو الحبوب، ويشرح أتكينسون ذلك بقوله: (من الممكن أن نستهدف في أنظمتنا هذا النوع من السفن، حيث أنها تبحر ببطيء كما أنها تبحر ضمن البحار الأكثر ملائمة لاستخدام طاقة الرياح)
يتوافر لدينا بعض الأنظمة الأخرى التي تقترح استخدام الأشرعة الصلبة لدفع السفن ولكن هذه المرة يتم تطويرها لدفع السفن التي تنقل ما يصل إلى 2000 سيارة، لكن يترتب على هذه التصاميم المزيد من التكاليف هذا بالإضافة إلى المخاطر المحدقة من جراء هبوب الرياح العاتية وذلك في حال كان من الصعب أن تطوى هذه الأشرعة وتوضع أسفل السفينة.
يقول (بيرترام – Bertram): (إن من الصعب بمكان أن نرى الكثير من هذا الأفكار على أرض الواقع) ويعتقد أن التكنولوجيا الرقمية تساعد مصممي السفن بتقديم محاكاة أكثر دقة لكيفية أداء سفنهم في ظروف مختلفة في البحر، حيث قد يتبين أن هذه التصاميم سوف توفر القليل من استخدام الطاقة التقليدية.
إن تقنيات الطباعة الثلاثية الأبعاد سوف تغير من كيفية إنتاج بعض مكونات السفن. حيث تم إنتاج مروحة دفع باستخدام الطباعة الثلاثية الأبعاد وذلك من قبل مجموعة من شركات النقل البحري في روتردام، هولندا. ويمكن بطبيعة الحال استخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد الموجودة على متن السفن لاستبدال الأجزاء المكسورة وهذا سيكون جذاب لبعض من مالكي السفن الأكبر في العالم.
إن هذه السفن المستقبلية والتي قد صنعت من مواد تساهم في تخفيض انبعاثات الغازات الضارة وقد تساعد الطاقة الشمسية في دفعها هي التي ستغير وجه محيطات الأرض إلى الأبد
- ترجمة: عامر السبيعي
- تدقيق: يحيى أحمد
- تحرير: زيد أبو الرب