استنادًا إلى تقرير الجمعية الخيرية العالمية لبحوث أمراض السرطان، تنقذ الأبحاث العملية أرواح الملايين حول العالم. لذلك تبدأ تلك الجمعية الآن في البحث عن علاجاتٍ جديدةٍ للسرطان، والأمر المذهل في تلك الأبحاث هو أنّ الإنجازات الطبية التي ستتحقق سيُستفاد منها في علاج أمراضٍ أخرى أيضًا، وذلك من خلال تقديم المعرفة الأساسية حول كيفية عمل أعضاء الجسم، وأنسجته وخلاياه. ولذلك ما عليك إلا أن تلقي نظرةً على أعظم الإنجازات الطبية التاريخية التي ما زالت تعود بالفائدة علينا حتى يومنا هذا.
1- اللقاح
كان من نتائج جائحة فيروس كورونا أن هيمنت اللقاحات على عقول الناس هذا العام، إلا أنّ هذه الجائحة لم تكن المرة الأولى التي نلجأ فيها إلى اللقاحات لقلب الموازين خلال أزمةٍ صحيةٍ عالميةٍ. ففي عام 1796، ابتكر إدوارد جينر أول لقاح ناجح ضد الجدري، إذ لاحظ جينر أنَّ حلابات الأبقار اللواتي حُفِزت أجهزتهنّ المناعيّة، أو اللواتي أُصبن بجدري البقر سابقًا، لم يُصبن فيما بعد بالجدري. فهنَّ مُلَقحات وأقل عرضًة لخطر الإصابة بالمرض.
لقد كان داء الجدري أحد أكثر الأمراض فتكًا في تاريخ البشرية، وتراوح معدل وفياته بين 300 إلى 500 مليون نسمة خلال القرن التاسع عشر. وفي غضون قرنين من ظهور ذلك الإنجاز الطبي (اللقاح) قُضي على المرض كليًا باستخدام اللقاح، وفي عام 1978 أودى المرض بحياة امرأة تدعى جانيت باركر في برمنغهام، وذلك بعد تسرب الفيروس من المختبر. وما زالت تلك المرأة آخر ضحية مسجلة لمرض الجدري حتى تاريخه.
2- التخدير
لا شك أن العمليات الجراحية تنقذ الأرواح. ومن المعروف أنّه كلما كانت العملية الجراحية أكثر تعقيدًا، استغرقت الجراحة مدةً زمنيةً أطولًا. ولكن هل تعلم أنّه قبل وجود ذلك الإنجاز الطبي (التخدير)، كان الجراحون مقيدين إلى حدٍ كبيرٍ بالمدة الزمنية التي تستغرقها الإجراءات الجراحية!؟ والآن، تعد العمليات الجراحية أمرًا مألوفًا نسبيًا، إلا أنها كانت أمرًا مستحيلًا فيما سبق بسبب حاجتها إلى فترةٍ زمنيةٍ طويلةٍ، وكانت مسكنات الألم المتوفرة في ذلك الوقت أيضًا غير كافية، ولا سيما الأفيون.
في السادس عشر من أكتوبر من عام 1846 في ولاية بوسطن الأمريكية، نُفِذَت أول عملية جراحية باستخدام التخدير من أجل استئصال ورم سرطاني في الرقبة. وحتى الوقت الراهن، ما زالت الجراحة هي الخيار العلاجي الرئيسي لمرضى السرطان، فيما إذا اكتشف الورم في مراحله المبكرة.
3- علم الأوبئة
بينما ظن الجميع سابقًا أن الكوليرا -وهي أحد أكثر الأمراضً فتكًا على مر العصور- تنجم عن «تلوث الهواء»، اعتقد الطبيب اللندني جون سنو -الذي يعد أحد الآباء المؤسسين لعلم الأوبئة (علم يدرس أنماط وأسباب المرض في مجموعة سكانية)- خلاف ذلك. ولكي يبرهن سنو اعتقاده بأنّ إمدادات المياه المحلية الملوثة هي منشأ الكوليرا، أنشأ خريطةً لتعقب تفشي الوباء، واستطاع أن يثبت بأن هناك رابطًا بين مجموعةٍ من حالات تفشي الكوليرا الشاذة وبين مضخة مياهٍ معينةٍ بالقرب من شارع بوند في لندن.
ويعد هذا الإنجاز الطبي أحد العلوم الهامة التي تبحث في جميع الأمراض، مثل السرطان. فمن خلال إدراك معدلات الإصابة به في مجتمع معين من جهة، وإدراك العناصر الوراثية، والبيئية وأنماط الحياة اليومية التي تجمع بين هؤلاء السكان من جهةٍ أخرى، أصبح من السهل فهم الأسباب الكامنة وراء المرض والعمل على تطوير أساليبٍ جديدةٍ لمكافحته.
4- النظرية الجرثومية
نظرية جرثومية المرض هي نظرية علمية مقبولة منذ القرن التاسع عشر فقط، التي تفترض أن الميكروبات هي سبب العديد من الأمراض.
هل سبقَ أن سمعتَ عن العالِم الكيميائي الفرنسي «لوي باستور» الذي يعد أحد أهم الداعمين للنظرية الجرثومية، والذي أثبتَ أيضًا أنّ الكائنات الحية الدقيقة تسبب تخمر النبيذ وتحمض الحليب.
كذلك هل سبقَ أن صادفتَ اسم «جوزيف ليستر»؟ فهو أستاذ الجراحة في جامعة غلاسكو، ويعد الأول في استخدام ذلك الإنجاز الطبي عندما أحدث ثورة باختراعه علم التعقيم في العمليات الجراحية. وكذلك وجد ليستر طريقةً لتجنب عدوى الجروح خلال العملية وبعدها. فخلّف ذلك الإنجاز الطبي المتمثل بهذا التغيير الصغير نسبيًا أثرًا كبيرًا، وكانت النتيجة هبوطًا حادًا في عدد الإصابات والوفيات ما بعد العمل الجراحي. والآن تعد الجراحة علاجًا منشرًا للعديد من الحالات الصحية، فبدون علم التعقيم، قد تكون حتى أصغر الإجراءات الجراحية مميتةً إذا دخلت العدوى الجسم.
5- الإنسولين
يعد السكري مرضًا خطيرًا، إلا أنّه يمكن التحكم به وضبطه، والفضل بذلك يعود إلى معرفة أنماط الحياة اليومية التي تساعد في مكافحة الأعراض، كما وتلعب التطورات في العلاج، مثل إبر الإنسولين، دورًا مهمًا في حل المشاكل المرتبطة بالسكري.
في عام 1922، استخدامت إبر الإنسولين لأول مرة كعلاج للسكري، ذلك الإنجاز الطبي الذي اكتشف من قبل مجموعة من العلماء في جامعة تورنتو. إلا أنّه وقبل وجوده، لم تكن إبر الإنسولين علاجًا ناجحًا لمرضى النمط الأول من داء السكري الذين تُشخَص إصابتهم في عمر الشباب عادة، وذلك لأنه من المتوقع أن يعيش الأطفال الذين يعانون من النمط الأول من داء السكري حوالي سنة ونصف فقط بعد التشخيص. بينما بالنسبة للبالغين فیتوقع أن يعيش شخص واحد فقط من بين كل خمسة مصابين بالغين حوالي 10 سنين. ورغم أنّهم يعيشون مدة زمنية أطول، ويعانون خلالها أيضًا من أعراض وهن، إلّا أنّهم يعيشون حياًة عاديًة نسبيًا.
6- العلاج الجيني
إذا أردت الاستطراد في البحث عن إنجازات طبية جديدة، فالعلاج الوراثي مصداق جيد لذلك، الذي ينطوي على إدخال المادة الوراثية في خلايا الجسم من أجل مكافحة الأمراض. وفي عام 1990، أُطلقَ أول اختبار لذلك الإنجاز الطبي عندما جُرِب بنجاح على فتاة في الرابعة من عمرها، كانت تعاني مرضًا وراثيًا نادرًا أضعفَ جهازها المناعي بشدة. والآن، تستخدم الهيئة الوطنية للخدمات الصحية ذلك الإنجاز الطبي من أجل علاج حالات معينة من العمى، يبشر بالخير لعلاج مجموعةٍ كبيرةٍ من الأمراض الأخرى مثل أمراض القلب، والهيموفيليا والتليف الكيسي.
يقوم الباحثون في جميع أنحاء العالم بالبحث ودراسة سُبُل استخدام هذا الإنجاز الطبي (العلاج الجيني) في علاج أمراض السرطان بتعزيز جهاز المناعة، ما يجعل علاجات الأمراض الأخرى تعمل بصورة أفضل وتعرقل نشاط العمليات الجزئية في الخلايا السرطانية.
7- الطباعة ثلاثية الأبعاد
في عام 1980، طور تشاك هال أول طابعة ثلاثية الأبعاد من أجل طباعة النماذج الصلبة في البناء. ولكن تنبّه عالم الطب لذلك الإنجاز الطبي بعد فترةٍ زمنيةٍ قصيرةٍ، وبدأ الباحثون باستخدامه في زراعة الأسنان والأطراف الصناعية، ويريدون الذهاب بتلك التقنية إلى ما هو أبعد من ذلك وطباعة أعضاء الجسم بشكلٍ كاملٍ.
بينما ما يزال الطريق طويلًا أمام تحقيق مسعاهم هذا، استخدموا أيضًا ذلك الإنجاز الطبي في طباعة خلايا الجسم وأنسجته من أجل ابتكار مواد حيوية لدراسة آلية عمل الجسم. لذلك من المتوقع أن تنتفي الحاجة إلى إجراء التجارب على الحيوانات وذلك من خلال استخدام تلك الأعضاء المطبوعة في اختبارات العقاقير الجديدة.
اقرأ أيضًا:
و ماذا لو ” سرق ” الغرب أسس ثورته العلمية من علماء العرب ؟
خمس صور تروي أعظم إنجازات الطب على مر العصور
ترجمة: جوليت كامله
تدقيق: أسعد الأسعد