اخترع العُلماء ساعة جديدة تُحافظ على دقة الوقت أكثر من أي وقت مضى، فهذه الساعة دقيقة للغاية، لدرجة أنها لا يُمكن أن تتأخر أو تتقدم أكثر من ثانية واحدة لمدة 14 بليون سنة، وهذه المدة تقريبًا مساوية لعُمر الكون، بالإضافة إلى أن دقات هذه الساعة ثابتة جدًا، فنسبة تغيرها خلال اليوم الواحد تساوي 0.000000000000000032%، وهذه نسبة ضئيلة جدًا أو تكاد تكون معدومة التأثير.
بالتأكيد نحن العامة لا نهتم بهذا المستوى من الدقة، لزيارة الطبيب أو رؤية الأصدقاء، ولكن مجرد الوصول لهذا المستوى من الدقة في قياس الزمن وتحديده، ليس إلا مجرد بداية لرصد بعض الظواهر الكونية الهامة، مثل التعرف على المادة المظلمة أو قياس موجات الجاذبية، التي تتحرك في نسيج الزمكان، بالإضافة لتحديد حقل الجاذبية الأرضية بشكل غير مسبوق، بالإضافة للكشف عن المزيد من أسرار الكون، كما يقول الخبراء.
وقد صرح «أندرو لودلو» الفيزيائي بالمعهد القومي للمعايير والتكنولوجيا ببولدر كولو، وهو أحد المُساهمين في صنع هذه الساعة الجديدة ” إن التوصل لمثل هذه الدقة في القياس، قد يمنحنا ميكروسكوبًا لمعرفة أدق تفاصيل الكون وأسراره”.
منذ عام 1960، ويتم قياس الوقت باستخدام «الساعات الذرية»، والتي تعتمد في قياساتها على ذبذبات ذرة عنصر السيزيوم، كبندول مُعلق بها، وتهتز بمُعدل 9 بليون مرة في الثانية الواحدة، ولكن هذه الساعة الفائقة الجديدة، التي توصل إليها « أندرو لودلو» ورفاقه، يمكنها أن تُصدر اهتزازات أسرع من الاهتزازات المعتاد عليها في ساعة السيزيوم، فهذه الساعة الجديدة تحتوي على بندول من عنصر الأيتربيوم، وتهتز بمعدل 500 تريليون مرة في الثانية، أي بمعدل 10000 مرة أسرع من اهتزاز ذرة السيزيوم.
ويضيف « أندرو لودلو» ” بأن ساعة السيزويوم الذرية، تُعد نظامًا رائعًا ومتكاملًا، ولكننا بالفعل قد توصلنا لأقصى استفادة من هذا النظام، وما علينا إلا تجربة نظام جديد باستخدام الأيتربيوم، الذي يمنحنا دقة كبيرة للغاية في قياس الزمن”.
وهذه الساعات موجودة منذ 15 عامًا فقط، ولكن يطرأ عليها تحسينات بشكل مٌستمر، والتحسينات التي أجراها عليها «أندرو لودلو»، هي إضافة درع واقٍ لذرات الأيتربيوم، مما يمنع تأثرها بشكل مباشر بالمجالات الكهربية، التي قد تؤثر على دقة ذبذباتها واهتزازها، فرغبة فريق العمل المُعلنة هي قياس الاهتزازات الفعلية لذرات الأيتربيوم التي منحتها الطبيعة الأم لذلك العنصر، بدون أي تشوهات أو تدخلات خارجية، قد تؤثر عليها.
وبدراسة تلك الاهتزازات بشكل دقيق، يًمكننا رصد أي تحول أو تغير قد يطرأ في مجال الجاذبية الخاص بكوكب الأرض، فكما تُخبرنا نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين، بأن الزمن يمر بشكل مختلف اعتمادًا على مكان رصدك له في مجال الجاذبية، فلو أجرينا تجربة بوضع ساعتين إحداهما على قمة جبل، والأخرى عند قاعدة الجبل، فالساعة التي في القمة ستدق بشكل أسرع من مثيلتها التي عند القاعدة، وهذا ليس خطأ ميكانيكي، ولكن الزمن بيمر بشكل أسرع عند القمة كلما ابتعد عن مجال الجاذبية الارضية التي تعمل على تباطئه.
معظم الساعات الأرضية ليست دقيقة بشكل كافٍ، لرصد مثل هذا التغير الدقيق، فبعد 10 ألاف عام سنجد أن الساعتين الموجودتين عند قمة الجبل وقاعه، سيحدث فارق زمني بينهما قدرها 31 مليون جزءًا من الثانية، وقد أثبت العلماء أنه يمكن قياس الاختلاف في مجال الجاذبية الأرضية، بمقارنة معدل الذبذبات لساعتين ذريتين بمكانين مختلفين، ولكن بالرغم من ذلك يمكننا رسم خرائط الجاذبية الارضية باستخدام تقينات أرخص، ولكن باستخدام تلك التقنية الجديدة لهذه الساعة الدقيقة، يمكننا رصد أي انحراف بدقة في مجال الجاذبية ولو كان بمقدار 1سم.
ويساهم « أندرو لودلو» بفريقه العلمي مع فريق آخر يحاول استخدام تلك الساعة للكشف عن المادة المظلمة، وهي المادة التي تملأ الكون بمقدار أكثر من خمس مرات من المادة العادية، ويصرح « أندرو لودلو» في هذا الشأن ” بأن القليل جدًا معروف عن المادة المظلمة، ولكن المعروف أنها ستتفاعل مع الذرات بطريقة تغير من تذبذب تلك الذرات”.
ويأمل الفريق أيضًا أن يستخدم تلك الساعات لرصد موجات الجاذبية التي تم رصدها بمرصد LIGO، كتدعيم آخر لنظرية أينشتاين، ولكن بالرغم من كل هذا إلا أن الفريق لم يصل بعد لأقصى طموحاته واستفادته من تلك الساعة، آملين أن يحدث ذلك في المستقبل القريب.
- ترجمة: مازن عماد
- تدقيق: محمد قباني
- تحرير: تسنيم المنجّد
- المصدر