انخفض عدد الفقراء في أمريكا حسب التعريف الرسمي إلى نحو 36.8 مليون في 2023، وفقًا لما أعلنه مكتب الإحصاء في 10 سبتمبر 2024. تُظهر البيانات أن نسبة الفقر انخفضت قليلًا. مع ذلك، باستخدام طريقة بديلة للقياس، نجد أن نسبة الفقر ارتفعت، إذ يزداد عدد الأشخاص الذين يواجهون صعوبات اقتصادية.

طلبت مجلة The conversation الأمريكية من «مارك رانك» عالم الاجتماع الذي يبحث في الفقر والتفاوت الاقتصادي، أن يشرح الأرقام الأخيرة ويشارك بعض أفكاره حول الفقر في أمريكا.

الجانب الأكثر إثارة للاهتمام في التقرير هو الاتجاهات المختلفة التي سلكها مقياسا الفقر عام 2023. من جهة، انخفض المؤشر الرسمي لنسبة الفقر من 11.5% سنة 2022 إلى 11.1% سنة 2023. في الوقت ذاته، ارتفع مقياس الفقر التكميلي، وهو طريقة بديلة لقياس نسبة الفقر اعتُمِدت منذ عام 2011، من 12.4% عام 2022 إلى 12.9% عام 2023.

انخفض معدل الفقر رسميًا لأن الدخل الإجمالي للأسر ازداد زيادةً طفيفة في 2024 -حتى باحتساب التضخم- وفقًا لمعطيات الإحصاء الأخرى. مع ذلك، يعتقد مارك مثل كثير من الخبراء، أن مقياس الفقر التكميلي مؤشر أفضل لأنه يحتسب نفقات الأسر والائتمان الضريبي وتأثيرات البرامج الحكومية في مكافحة الفقر.

السبب الرئيسي للارتفاع الحالي في مؤشر الفقر التكميلي هو أن مزايا الضمان الاجتماعي وبرنامج المساعدة الغذائية التكميلية ساعدا عددًا أقل من الأشخاص لتجاوز عتبة الفقر عام 2023 مقارنةً بعام 2022.

ارتفع مقياس الفقر التكميلي أيضًا نتيجة لارتفاع النفقات الطبية المباشرة عام 2023 مقارنة بعام 2022.

طرق أكثر جدوى لتقييم ظاهرة الفقر:

التقرير السنوي لمكتب الإحصاء يمثل فقط عينة للفقر كل سنة. يعتقد مارك أن المنهجية الأكثر جدوى هي تقدير مخاطر الفقر على المدى البعيد في حياة المواطن العادي.

لذلك، أجرى بحثًا قائمًا على مجموعة بيانات جمعها باحثو جامعة ميشيغان، إذ تتبعوا الأسر ذاتها كل سنة منذ عام 1968. وفقًا لهذا التحليل، وجد أن أغلبية واضحة من الأمريكيين يعانون الفقر مدة سنة على الأقل في حياتهم البالغة.

يعيش نحو 58.5% من الأمريكيين تحت خط الفقر مدة عام على الأقل بين سن 20 و75، ويختبر 76% الفقر، إذ ينخفض دخلهم إلى أقل من 150% من نسبة خط الفقر.

تشير الأرقام التي وردت في التقرير السنوي لمكتب الإحصاء أن 1 من 9 فقط من الأمريكيين يواجهون الفقر اليوم. لكن أبحاث مارك تظهر أن 3 من كل 4 أمريكيين يعانون الفقر في مرحلة ما من حياتهم. لذلك فإن مشكلة الفقر هي مشكلتنا جميعًا وليست مشكلة فئة بعينها.

المقارنة بين الفقر في الولايات المتحدة والاقتصادات المشابهة:

نسبة الفقر في الولايات المتحدة من أعلى النسب في البلدان الصناعية الغربية. سواء بالتركيز على البالغين في سن العمل أو على الأطفال أو من تجاوزوا سن 65 أو على السكان عمومًا، تكاد الولايات المتحدة تحتل المراكز الأولى في مدى الفقر وعمقه.

من الأسباب الرئيسية أن الحكومة الفيدرالية تفعل أقل من نظيراتها بكثير لحماية الناس من الفقر. الحماية الاجتماعية في الولايات المتحدة ضعيفة نسبيًا في حماية الأمريكيين من المعاناة الاقتصادية.

ينتج من ذلك ارتفاع نسبة الأمريكيين الذين يعانون الفقر كل سنةٍ إلى أعلى النسب مقارنةً بالبلدان التي تعيش ظروفًا مشابهة.

إضافةً إلى ذلك، فإن مدى التفاوت في الثروة والدخل عادةً ما يكون أعلى في الولايات المتحدة مقارنةً بالبلدان الأخرى ذات الدخل المرتفع.

تفسير أنماط تغير معدل الفقر على المدى الطويل:

أحرزت الولايات المتحدة تقدمًا كبيرًا في الحد من الفقر في منتصف القرن العشرين. انخفض معدل الفقر إلى النصف، من 22.4% عام 1959 إلى 11.1% عام 1973.

يعود هذا إلى تحسن الاقتصاد في الستينيات والمبادرات الحكومية مثل «الحرب على الفقر». على كل حال، تراوحت نسبة الفقر بين 11% و15% منذ عام 1973. ومالت النسبة إلى الانخفاض إلى حد ما خلال فترات النمو الاقتصادي، في حين ارتفعت خلال فترات الركود الاقتصادي.

نسبة الفقر الرسمية البالغة 11.1% في 2023 تعادل نسبة الفقر في 1973. أما مقياس الفقر التكميلي الذي بلغ 12.9% في 2023 فيشير إلى عدم التحسن. وقد احتُسب أول مرة سنة 2009 وكانت نسبته حينها 15.1%.

مع ذلك توجد قصتان مهمتان ناجحتان. الأولى أن كبار السن الأميركيين أقل عرضة للفقر.

عام 1959، بلغت نسبة المسنين الذين تجاوزوا سن 65 ويعانون الفقر 35.2% وهي النسبة الأعلى بين كل الفئات العمرية. في 2023، بلغت نسبة المسنين تحت خط الفقر 9.7% فقط، وهي من أدنى النسب بين الفئات العمرية.

السبب الرئيسي لهذا الانخفاض هو توسيع نطاق منح الضمان الاجتماعي وتقديم برامج الرعاية الطبية والمساعدة الطبية عام 1965. من دون هذه البرامج، كان من المتوقع أن ترتفع معدلات الفقر بين كبار السن الأميركيين إلى نحو 40%.

قصة النجاح الرائدة الأخرى هي انخفاض نسبة الأطفال الذين يعانون الفقر في الولايات المتحدة بشكل ملحوظ سنة 2021، نتيجةً لتوسيع الائتمان الضريبي للأطفال، والتأثير الاقتصادي للمدفوعات التي خصصتها الحكومة الفيدرالية لجميع الأمريكيين ابتداءًا من 2020 عندما ضربت جائحة كوفيد 19 الاقتصاد.

نتيجةً لهذه السياسات وغيرها، انخفض معدل الفقر التكميلي عند الأطفال بما يقارب النصف، من 9.7% سنة 2020 إلى 5.2% سنة 2021. مع انتهاء هذه المنح، عاد معدل فقر الأطفال إلى مستويات ما قبل الجائحة. وفقًا لمقياس الفقر التكميلي، ارتفعت هذه النسبة إلى 13.7% سنة 2023، وهي النسبة القصوى منذ 2018.

اقرأ أيضًا:

لماذا يكون التضخم أعلى في بريطانيا مقارنة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة؟

هل اقتصاد الولايات المتحدة اقتصاد مخطط؟

ترجمة: زياد نصر

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر