لو استطعنا رؤية ما بداخل العنقود المجري آيبل 980 منذ 260 مليون سنة، لوجدنا شيئًا مدهشًا بالفعل.
أدى نشاط الثقب الأسود العملاق داخل هذا العنقود المجري إلى ثوران في مجرة لامعة، من ثم تشكلت فقاعات ضخمة تشع ضوء راديوي إلى الفضاء الخارجي.
قال قائد فريق الدراسة «سوراجيت بول» من جامعة سافيتريباي فول بيون في الهند، إن هذه الفقاعات المكتشفة حديثًا داخل عنقود مجري، التي يسمونها الآن فصوص راديوية أو مجرة راديوية، هي الأقدم من نوعها على الإطلاق.
عُثر أيضًا على زوج من الفصوص الراديوية حديثة الولادة. تيقن الفريق أن أصل هذا الزوج الجديد من الفصوص الراديوية مصدره العنقود المجري ذاته، ما يجعل من هذه الأزواج القديمة والحديثة مثالًا نادرًا عما يُسمى بالفصوص الراديوية المزدوجة، أوضح الفريق أن سبب وجود مثل هذا الجسم يعود إلى ثوران الثقب الأسود الهائل دوريًا.
تؤدي طبيعة امتداد الفصوص الراديوية التي تصل إلى ملايين السنين الضوئية إلى إحداث تأثير واضح في الوسط المجري، الذي يُشكل مكان تجمع الغازات قليلة الكثافة. تساعد دراسة هذه البنى على فهم أفضل للوسط المجري، إضافةً إلى فهم طبيعة الثوران الدوري للثقب الأسود الهائل، الذي أدى إلى وجود الفصوص في العنقود المجري.
وجود هذه الفصوص في الكون أمر شائع، حتى مجرة درب التبانة تحوي بعضها. تتشكل هذه الفصوص في المرحلة النشطة للثقب الأسود الهائل، إذ يبتلع كل ما يحيط به.
مع أن معظم المواد تسقط داخل الثقب الأسود، فإن بعضها يزداد تسارعه عند عبور حقل الجاذبية الخارجي للثقب الأسود وصولًا إلى أقطابه. ثم تندفع هذه المواد المُسرعة إلى الخارج بسرعة قريبة جدًا من سرعة الضوء على شكل نفاثتين.
تصطدم هذه النفاثات بالمساحة التي تتداخل فيها المجرات وتتوسع إلى فصوص متفاعلة مع الوسط المجري. تعمل هذه الفصوص بوصفها مسرعًا دورانيًا متزامنًا يُسرع الإلكترونات، ما يؤدي إلى انبعاث الأشعة الراديوية.
تتمثل المشكلة في سرعة زوال هذه الأجسام، ما يصعب رصدها. من النادر العثور على فصوص راديوية عمرها أكثر من 100 مليون سنة. مع ذلك تحوي هذه البقايا معلومات قيمة عن الظروف التي أدت إلى تشكل الأجرام التي تحتويها.
افترض الفريق أن البيئة المناسبة لبقاء الفصوص فترة أطول قبل تلاشيها هي عنقود مجري يتميز بوسط حار، وبيئة مستقرة وهادئة، وكتلة منخفضة.
باستخدام تلسكوب الأمواج المترية الراديوي العملاق في الهند، بدأ علماء الفلك رحلة البحث عن بيئة لها المواصفات السابقة، وقد عثروا على واحدة بالفعل، في عنقود آيبل المجري الذي يبعد نحو ملياري سنة ضوئية، حيث اكتشف الفريق بنى راديوية خافتة الإشعاع، وصفوها بأنها فصوص يبلغ عمرها 260 مليون سنة، تبعد 1.2 مليون سنة ضوئية.
كانت الخطوة التالية معرفة مصدر هذه الفصوص. تتبع الفريق مصدر هذه الفصوص إلى ألمع مجرة في العنقود المجري آيبل 980، واتضح أن الفصوص توجد في مركز العنقود المجري. لكن هذا لم يكن موقعها الدائم، إذ هاجرت الفصوص خلال 260 مليون سنة، نحو 250 ألف سنة ضوئية، من موقعها الأساسي حيث ظهر الزوج الأول منها.
ثارت المجرة مرة أخرى بعد وصول أول زوج من الفصوص إلى مركزها، ما أدى إلى ولادة زوج آخر من الفصوص الراديوية. حتى الآن، عثر العلماء على عدد محدود من المجرات المحتوية على زوجين من الفصوص الراديوية، وتُسمى مجرات راديوية ثنائية الازدواج.
أدت هجرة المجرة الأم لزوجي الفصوص الراديوية في عنقود آيبل 980 المجري إلى الفصل بينهما. ما أدى إلى ظهور نوع جديد: المجرات الراديوية المنفصلة ثنائية الازدواج، وهو أندر من النوع السابق. حتى الآن، وجد العلماء مرشحين آخرين فقط يستوفيان شروط المجرة الراديوية المنفصلة ثنائية الازدواج، أما المجرة المكتشفة حديثًا فهي أفضل مثال عنها حتى الآن.
من المتوقع أن تُظهر تجارب رصد الأشعة الراديوية المزيد من هذه المجرات مستقبلًا، ما سيساعد على فهم سبب ثوران الثقوب السوداء الهائلة مرارًا وتكرارًا.
اقرأ أيضًا:
رصد أقرب تدفق راديوي من الفضاء من مكان غير متوقع
رصد رشقات راديوية سريعة غامضة من الفضاء
ترجمة: طاهر قوجة
تدقيق: هادية أحمد زكي