داء الليشمانيا Leishmaniasis
يشير مصطلح الليشمانيا إلى متلازمات سريرية متعددة، ويمكن تصنيف هذه المتلازمات بالشكل الجلدي والمخاطي والحشوي، والتي تنجم عن عدوى للبالعات في أدمة الجلد، في مخاطية الأنف والفم والبلعوم، وفي كافة أنحاء الجهاز الشبكي البطاني، على التوالي.
في كل الأشكال الثلاث، يمكن أن تتدرج العدوى من اللاعرضية إلى الشديدة.و يمكن أن تسبب الليشمانيا الجلدية والمخاطية إمراضية كبيرة، في حين أن الليشمانيا الحشوية يمكن أن تكون مهددة للحياة.
سنتكلم في هذا المقال عن أشكال الليشمانيا الثلاثة وكيفية تشخيصها وعلاجها وعن الوقاية منها.
الليشمانيا الجلدية
بشكل عام يُعَّدُ الشكل الجلدي هو الشكل الأشيع لليشمانيا، وبشكل خاص في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنها سوريا والسعودية والعراق والأردن ومصر.
بدون تخصص، يشير مصطلح الليشمانيا الجلدية إلى الليشمانيا الجلدية الموضَّعة، في حين أن هناك أشكال أقل شيوعًا كداء الليشمانيات الجلدية المنتشرة وداء الليشمانيات الجلدية المنتثرة.
تسبب أنواع طفيليات الليشمانيا المختلفة داء الليشمانيا الجلدي في العالم القديم إزاء العالم الحديث، في العالم القديم (نصف الكرة الأرضية الشرقي)، تتضمن العوامل المسببة كل من اللشمانيا المدارية Leishmania tropica، الليشمانيا الكبيرة L. major، والليشمانيا الأثيوبية L. aethiopica، وكذلك الليشمانيا الطفلية L. infantum وليشمانيا دنونفاني L. donovani.
الأنواع الطفيلية الرئيسية في العالم الحديث (نصف الكرة الأرضية الغربي) فهي إما من معقد أنواع الليشمانيا المكسيكية L. mexicana (الليشمانيا المكسيكية L. mexicana، الليشمانيا الأمازونية L. amazonensis، والليشمانيا الفينزويلية L. venezuelensis) أو جنيسات (تحت جنس) الفيانيا Viannia (الليشمنايا الفيانية البرازيلية L. [V.] braziliensis، الليشمانيا الفيانية الغوايا L. [V.] guyanensis، الليشمانيا الفيانية البانامية L. [V.] panamensis، والليشمانيا الفيانية البيروفيانية L. [V.] peruviana). تشير الجنيسات (تحت جنس) الفيانية أيضًا لمعقد أنواع اليشمانيا الفيناية البرازيلية.
بشكل عام، تسبب الليشمانيا الجلدية نُدب جلدية، والتي يمكن أن تستمر لشهور وسنوات في بعض الأحيان.
تتطور النُدب الجلدية غالبًا خلال عدة أسابيع أو أشهر بعد التعرّض للعامل الممرض لكن تظهر لأول مرة في بعض الأحيان بعد سنوات عديدة (على سبيل المثال، في سياق الصدمة أو الكبت المناعي).
تتطور النُّدب بشكل مثالي من حطَاطَات Papules إلى صفيحات عُقيدية nodular plaques إلى نُدب تقرحيّة، مع حدود مرفوعة وانخفاض مركزي، والذي يمكن أن يغَطَّى بجُلبة scab or crust؛ وتتطور بعض النُّدب إلى عُقيدات.
تكون هذه الندب غير مؤلمة عادةً لكن يمكن أن تكون مؤلمة، خاصًّة إذا ما أُصيبت النُّدب التقرحية بعدوى جرثومية أو بحال كانت قريبة من مفصل.
تنتهي العملية الإلتئامية بشكل نموذجي بتندُّب ضموري atrophic.
حتى المرضى المصابون بالليشمانيا الجلدية المتوضّعة، يتطور لديهم أكثر من ندبة بدئية واحدة (على نفس أجزاء الجسم أو أجزاء مختلفة)، النّدب الساتلة، تضخم العقد اللمفية الإقليمي (دُبلي bubonic من حين لآخر)، والتهاب أوعية لمفية عقيدي أو بدون، تُلاحظ تضخم العقد اللمفية أوّلاً في بعض الأحيان، قبل تطور الندب الجلدية.
الليشمانيا المخاطية
تشير الليشمانيا المخاطية (تُدعى أيضًا الإسبونديا) تقليديًّا إلى عقابيل نقيلية metastatic sequela (1) للعدوى الجلدية في العالم الجديد، والذي ينجم عن انتشار الطفيليات من الجلد إلى المخاطية الأنفية الفموية البلعومية.
تنجم الليمشانيا الجلدية عن أنواع من الطفيليات والتي تصنف كتحت جنس (جنيسات) الفيانيا، بشكل خاص الليشمانيا البرازيلية والبنماية والغاينية في بعض الأحيان؛ ويمكن أن تنجم عن الإصابة بالليشمانية الأمازونية.
العلاج الجهازي الكافي لليشمانيا الجلدية الناجمة عن الإصابة بهذه الأنواع هو محاولة تقليل الأخطار على مرض المخاطيَّات، ولكن بعض الأخطار يمكن أن تبقى، لم تُفهم مقادير ومحددات أخطار الإنتشار المخاطي والمرض المخاطي بحد ذاته؛ حتى بنفس الأنواع (على سبيل المثال، الليشمانيا البرازيلية)، تظهر المخاطر بتنوّعٍ بين المناطق الجغرافية في أميريكا.
تصبح الليشمانيا المخاطية عادةً واضحة سريريًّا خلال عدة سنوات (أحيانًا لعقود) من ظهور النُّدب الجلدية الأصلية، والتي لم يتم علاجها أبدًا أو عولجت بشكل غير مثالي.
على أية حال، يمكن أن تُلاحظ الندب الجلدية والمخاطية مع بعضها (الليشمانية الجلدية المخاطية)، ويظهر لبعض المرضى عدوى جلدية تحت سريرية (2).
تكون المظاهر البدئية لليشمانيا المخاطية دائمة عادةً، وهي الأعراض الأنفية الغير عادية كالإختناق والنزف، على الرغم من أن الأعراض الفموية والبلعومية تُشاهد أوَّلًا أحيانًا. إنْ لم يُعالج المريض، يمكن أن يتطور الداء إلى تخرّب تقرحي للمخاطية الأنفية الفموية البلعومية (كانثقاب الحاجز الأنفي).
الليشمانيا الحشوية
يشير المصطلح العام “الليشمانيا الحشوية” إلى طيف واسع من الوخامة والمظاهر. تكون بداية المرض مزمنة، تحت حادة، أو حادة.
على الرغم من أن فترة حضانة المرض يمكن أن تتراوح من أسابيع لأشهر، يمكن أن تصبح العدوى اللاعرضية ظاهرة سريريًّا خلال سنوات لعقود بعد التعرض للعامل الممرض لدى الناس منقوصي المناعة لأسباب طبية أخرى كالإيدز HIV/AIDS.
تنجم الليشمانيا الحشوية عادةً عن الإصابة بطفيلي الليشمانيا الدونوفانية والليشمانيا الطفلية (ليشمانيا شيغازي L. chagasi تعتبر مرادفة لليشمانيا الطفلية بشكل عام) وتصيب الأعضاء الداخلية (بشكل خاص، الطحال، الكبد، ونقي العظم).
التظاهرات المبسطة التي تظهر سريريًّا عند الإصابة الحشوية تتضمن:
● الحمى
● خسارة الوزن (دنف؛ هزال)
● ضخامة كبد وطحال (تكون ضخامة الطحال أكثر بروزًا من الكبد، عادةً)
● قلة الكريات الشاملة في الدم، بمعنى آخر فقر الدم، قلة الكريات البيض، وقلة الصفيحات
● زيادة بمستوى البروتين العام وانخفاض مستوى الألبومين، مع فرط غاما غلوبولين الدم
يمكن ملاحظة ضاخمة العقد اللمفية أيضًا، خاصًّة في بعض المناطق الجغرافية، كالسودان.
يمكن أن يكون لدى المرضى المصابين بعدوى فيروس الإيدز HIV والليشمانيا معًا تظاهرات لا نموذجية، كاكتناف السبيل الهضمي وأجهزة عضوية أخرى.
يعبّر مصطلح كالا-آزار kala-azar (الذي يعني الحمى azar السوداء kala باللغة الهندية) عن حالات شديدة ومتطورة لليشمانيا الحشوية، على الرغم من أن المصطلحين كالا-آزار والليشمانيا الجلدية تُستخدم بشكل متبادل عادةً.
إذا لم تُعالج، تكون الحالات الشديدة من الليشمانيا الحشوية مميتة نموذجيًّا، إما بشكل مباشرة بسبب المرض، أو بشكل غير مباشر بسبب المضاعفات، كعدوى جرثومية ثانوية بالمتفطرات أو النزف مثلًا.
يطور بعض المرضى ليشمانيا جلدية تالية للكالاآزار post kala-azar dermal leishmaniasis (PKDL)، وهي متلازمة تتميز بندب جلدية حماموية erythematous، بقعية ناقصة التصبغ hypopigmented macules، حطاطية papules، عقيدية، ولطخية patches، تُلاحظ أوّلًا بشكل نموذجي وبارز على الوجه، فهي تتطور بفترات مختلفة بعد (أو أثناء) معالجة الليشمانيا الحشوية.
توصف PKDL بأفضل شكل في حالات الإصابة بالليشمانيا الدونوفانية في جنوب آسيا وشرق إفريقيا. بشكل عام، PKDL شائعة أكثر، تتطور أبكر، وأقل إزمانًا عند المرضى في شرق إفريقيا.
على سبيل المثال، في السودان، PKDL شائع عند أكثر من 60% من المرضى، وخاصًّة من اليوم الأول لمعالجة الليشمانيا الحشوية وحتى الشهر السادس، وتُشفى آنيًّا عادةً.
بالمقارنة مع جنوب آسيا، فإن PKDL يظهر بشكل وسطي وبعد عدة سنوات من المعالجة من المعالجة البدئية عند تقريبًا 5-15% من المرضى، وتتطلب عادةً معالجة إضافية. يمكن أن يشكّل مرضى PKDL المزمنين مستودع مضيف هام للعدوى.
التشخيص
يمكن استخدام طرائق مخبرية عديدة لتشخيص الليشمانيا، لتحديد الطفيلي والتعرف على أنواع الليشمانيا، ويُشخّص داء الليشمانيا من خلال تحديد طفيليات الليشمانيا (أو حمضها النووي) في خزع النسيجية التي تؤخذ من الندب الجلدية عند الشك بالليشمانيا الجلدية، أو نفي العظم عند الشك بالليشمانيا الحشوية، ويتم ذلك بالفحص المباشر بالمجهر الضوئي للشرائح الملونة، تقنيات زرع مخصصة، أو بطرق بيولوجية جزيئية أو حتى بتقنيات كيميائية حيوية كالتحليل النظير أنزيمي isoenzyme analysis للطفيليات المزروعة.
يُعد التعرف على نوع الطفيلي من الأمور الهامة جدًّا، خاصًّة إذا تم العثور على أكثر من نوع من الليشمانيا حيث عاش المريض أو سافر وبحال كان لديه مضاعفات سريرية وإنذارية مختلفة.
بالنسبة لليشمانيا الحشوية، فإن الفحص السيرولوجي serologic testing يمكن أن يؤمن دليل داعم للتشخيص.
يمكن أن يتنوع أداء مختلف الاختبارات السيرولوجية تبعًا للمنطقة الجغرافية وعوامل المضيف (على سبيل المثال، تكون حساسية الفحص السيرولوجي أخفض بشكل عام عند المصابين بالإيدز، بشكل خاص إن كانت عدوى الإيدز تسبق عدوى الليشمانيا).
لا تميز معظم الاختبارات المصلية (السيرولوجية) بشكل موثوق بين الإصابة الخامدة أو النشطة.
على الرغم من أن الحساسية التشخيصية للرشافة الطحالية عالية (أكثر من 95% مقارنًة مع 90% في الخزع النسيجية والعضوية الأخرى)، قد يرتبط إجراء رشافة طحال بنزف مهدد للحياة. رشافة نقي العظم أكثر أمانًا.
المعالجة
المعالجة الكيميائية:
تعد مشتقات الأنتيموان Pentavalent antimonial (SbV) compounds هي الأساس في علاج الإصابات الجلدية المعزولة، وتكون الإصابات الجلدية المخاطية مقاومة للعلاج لذا نلجأ إلى استخدام الأمفوتريسين-ب amphotericin-B ومركبات الميترونيدازول، ومضادات البرداء التركيبية، والنيريدازول والصادات الحيوية.
المعالجة الجراحية:
يتم فيها تجريف الآفة أو استئصالها جراحيًّا وترميم الندبات المشوهة في الأماكن المكشوفة والحساسة كالوجه.
المعالجة المناعية والجينية:
تعتمد على تحريض الخلايا التائية وانتاج الأنترفيرون بمستضدات طفيلية ميتة. وقد أعطت المعالجة المناعية المجربة على عدد من المرضى استعمل فيها الليشمانية الأمازونية المقتولة حراريًّا، نتائج مشابهة للأشخاص الذين أخذوا معالجة كيميائية ومازالت الأبحاث جارية حتى الآن حول الموضوع.
الوقاية والمكافحة
لا يوجد لقاحات أو أدوية لمنع العدوى.
الطريقة المثلى للوقاية من العدوى لدى المسافرين هو حماية أنفسهم من لدغات ذبابة الرمل. تتضمن تدابير الحماية الشخصية التقليل من النشاطات الليلية خارج المنزل، ارتداء ثياب حماية، وتطبيق مواد طاردة للحشرات على الجلد المعرض لها.
بشكل عام، يجب أن تكون تدابير الوقاية والمكافحة مضبوطة وفق التعليمات المحلية وبالحالة النموذجية صعبة المحافظة عليها.
على أية حال يمكن أن تكون تدابير المكافحة ضد ذبابة الرمل الناقلة أو الحيوانات المضيفة الخازنة فاعلة في بعض الحالات.
في كثير من المناطق الجغرافية حيث يوجد داء الليشمانيا لدى الناس، ليس من الضروري وجود ناس مصابين للمحافظة على الدورة الحياتية للطفيلي في الطبيعة؛ الحوانات الخازنة المضيفة (كالقوارض أو الكلاب)، إلى ذبابات الرمل، هي من تحافظ على الدورة.
(1) العقابيل النقيلية: انتقال الطفيليات إلى أماكن أخرى غير أماكن اللدغ
(2) تحت سريرية: إصابة دون أعراض سريرية
ترجمة: مصطفى بجود
تدقيق: عبدالله الصباغ
المصدر