ينتحر يوميًا نحو 130 شخصًا حسب إحصائيةٍ أُجريت في الولايات المتحدة. في العام 2021، وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، فكر 12.1 مليون أمريكي بجدية في الانتحار، 3.5 مليون منهم وضعوا خطة للانتحار فعلًا.
يخيم الحزن والندم والشعور بالذنب على الأشخاص المقربين من المُنتحر، حيث يدخلون في دوامة من التساؤلات النادمة: لماذا لم يُدركوا أن الأمور كانت سيئة للغاية بالنسبة للمُنتحر؟ هل كان من الممكن أن يوقفوه؟
رغم أن العديد من عوامل خطر الانتحار معروفة جيدًا كالاكتئاب والألم المزمن والعنف الأسري ووجود الأسلحة، فإنّه من غير الواضح سبب انخراط بعض الأشخاص دون غيرهم في التفكير والتخطيط للانتحار ممن لديهم نفس عوامل الخطر.
كشف بحث جديد النقاب عن دليلٍ أو مؤشرٍ في الدماغ قد يُحدد الأشخاص المعرضين إلى إنهاء حياتهم.
وجد باحثون من جامعة بوسطن ونظام VA- بوسطن للرعاية الصحية في ورقةٍ بحثيةٍ نُشرت في مجلة الاضطرابات العاطفية أن الروابط المهمة في الدماغ تختلف لدى الأشخاص الذين لديهم تاريخ من محاولات الانتحار حتى قبل أن يحاولوا إنهاء حياتهم عن أولئك الذين لديهم نفس الأعراض النفسية، لكن من دون تاريخ انتحار.
كانت الاختلافات على مستوى الاتصال الوظيفي بين شبكات الدماغ المشاركة في التحكم المعرفي (الذي يُعنى بتعديل السلوك أو الاختيارات لتلائم مهمةً أو هدفًا معينًا) والمعالجة الفكرية المرجعية الذاتية (تعكس ما يحدث اليوم أو تُعيد ذكرى شيء محرج حدث منذ سنوات أو التفكير فيما يجب فعله في الغد).
تقول الأستاذة المساعدة في الطب النفسي في جامعة بوسطن والمؤلفة الأساسية لهذا البحث أودريانا جاغر-ريكلز: «تقدم الدراسة دليلًا على أنه يمكن التعرف على مؤشر الاتصال الدماغي هذا قبل محاولة الانتحار، بالتالي قد يُحدّد الأشخاص المعرضين لخطر الانتحار، قد يؤدي هذا أيضًا إلى علاجات جديدة تستهدف مناطق الدماغ هذه والوظائف الأساسية لها».
من أجل البحث عن مؤشرات خطر الانتحار في طريقة عمل الدماغ الداخلية، لجأ الباحثون إلى أشخاص تعرضوا للصدمة بعد حادثة 11 أيلول. خضع المشاركون إلى فحص التصوير بالرنين المغناطيسي في أثناء الراحة، والذي يتتبع الاتصال بين مناطق وشبكات الدماغ عند عدم تنفيذ أي مهمة، هي طريقة شائعة لرسم خرائط الدماغ وكيفية تفاعل المناطق المختلفة. ثم ركز الباحثون على أولئك الذين أبلغوا عن محاولة انتحار خلال فترة متابعة من عام إلى عامين، لكن لم يبلغوا عن أي محاولات سابقة. فحصوا اتصالات الدماغ قبل وبعد محاولة الانتحار وقارنوه مع مجموعة مرجعية متطابقة من أشخاصٍ يعانون أعراضًا مماثلة من الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، ممن لم يُبلغوا عن محاولات انتحار.
كشفت المقارنة أن الاتصالات الدماغية بين التحكم المعرفي وشبكات المعالجة المرجعية الذاتية كانت غير منظمة لدى مجموعة محاولات الانتحار، الذين كانوا جميعًا جزءًا من مركز أبحاث للبحوث الانتقالية في بوسطن لإصابات الدماغ الرضية واضطرابات التوتر (TRACTS) وقياس الصحة العقلية والمعرفية والجسدية والنفسية. كان هذا المؤشر في اتصالات الدماغ موجودًا قبل المحاولة وبعدها، ما يشير إلى أن هذا المؤشر قد يكون عامل خطر جديد خاص بالانتحار.
حسب قول جاغر-ريكلز قد تساعد النتائج الأطباء في النهاية على التغلب على أحد التحديات الرئيسية في تقييم مخاطر الانتحار: «يقتصر التدخل للحد من خطر الانتحار على الأشخاص الذين يشعرون بالراحة الكافية للإبلاغ الذاتي أو الكشف عن الأفكار والسلوكيات الانتحارية، قد يساعد هذا المؤشر في اتخاذ التدابير وتحديد الأشخاص الذين لا يقومون بالإبلاغ الذاتي، وقد يطوّر أيضًا علاجات جديدة تستهدف آليات الدماغ الكامنة وراء الأفكار والسلوكيات الانتحارية».
كما أشارت الدراسة إلى اختلاف اتصالات اللوزة الدماغية اليمنى، منطقة دماغية مهمة لتعلم الخوف والصدمات، بين مجموعة محاولة الانتحار والمجموعات المرجعية، لكن فقط بعد الإبلاغ عن محاولة الانتحار.
تقول جاغر-ريكلز، هي أيضًا باحثة رئيسية في المركز الوطني لاضطراب ما بعد الصدمة في نظام فيرجينيا بوسطن للرعاية الصحية: «يشير هذا إلى أن هناك تغيرات في الدماغ تحدث بعد محاولة الانتحار، التي قد ترتبط بالظروف المحيطة بمحاولة الانتحار أو بسبب صدمة محاولة الانتحار نفسها».
قد يشير هذا إلى أن محاولات الانتحار نفسها تؤثر في الدماغ، ما قد يزيد من مخاطر الانتحار في المستقبل.
اقرأ أيضًا:
ما الذي يمكن فعله لمساعدة صديق يتحدث عن الانتحار؟
كيف يجب التعامل مع علامات السلوك الانتحاري لدى الأطفال والمراهقين؟
ترجمة: هيا منصور
تدقيق: فاطمة جابر