كشفت القبور القديمة عن جثث مثبتة بقضبان حديديّة في صدورها ومناجل في أعناقها وأقفال في أقدامها.
الاعتقاد أن الموتى يمكن أن يقوموا من قبورهم، والرغبة في التأكد من بقاء هذه الجثث مدفونة هي اعتقادات قديمة، واستعمل النّاس على مرّ العصور الأحجار والقضبان الحديدية والمناجل والأقفال ووسائل أخرى لمنع الجثث من العودة للحياة، وكانت هذه الممارسات نابعة من فكرة أن الجثة إذا نهضت فمن الممكن أن تؤذي الأحياء.
طرح العلماء نظريات عديدة حول سبب خوف الإنسان القديم من الموتى السائرين، فمن الممكن أنّ البعض قلقوا من الموتى الذين توفوا في ظروف غامضة أو غير اعتيادية، ظنًا منهم أنّهم سيعودون للحياة مرة أخرى وربما اعتقد آخرون أن الناس الذين ماتوا بسبب أمراض معينة يمكن أن يستمروا في نشرها بعد الموت.
وأيًا كانت الأسباب، إليك في هذا المقال بعض الطرق التي حاول بها الناس الاحتفاظ بالجثث في قبورهم.
1- الدفن تحت الحجارة:
كان الإغريق القدماء قلقين من أن الجثة بمجرد دفنها من الممكن أن تنهض من بين الأموات وتؤذي الأحياء كنوع من الانتقام، وتشير الاكتشافات الأثرية أن الإغريق القدماء حاولوا منع ذلك بدفن الجثث تحت أشياء ثقيلة، وفي مستعمرة يونانية قديمة في صقلية أظهر قبران ممارسات محتملة ضد عودة الموتى إلى الحياة، احتوى القبر الأول على جثة بالغة، غطي رأسها وأقدامها بقطع من السيراميك. أما القبر الثّاني فقد احتوى على جسد طفل غطي بخمسة أحجار كبيرة.
اُكتشفت هذه القبور في مقبرة كبيرة يعود تاريخها إلى القرنين الثالث والخامس قبل الميلاد.
2- قضيب حديدي في الصدر:
خشي الأوربيون في العصور الوسطى من الموتى الأحياء أيضًا، واختلفت الخرافات حول الكائنات التي تشبه مصاصي الدماء حسب المنطقة واختلفت المعتقدات حول كيفية التأكد من بقاء الجثث تحت الأرض خوفًا من قتل البشر وإيذائهم أو نشر الأمراض إذا عادوا للحياة بعد موتهم.
في بلغاريا وفي مدينة بيربيريكون perperikon القديمة اكتشف علماء الآثار بقايا رجل من القرن الثالث عشر وُضع في صدره قضيب حديدي من محراث وكانت ساقه اليسرى مفصولة عن جسده وملقاة إلى جانبه، بالإضافة إلى ذلك وجد الباحثون هيكلين عظميين من القرن الرابع عشر في مدينة سوزوبول sozopol دفنوا بقضيب حديدي من محراث أو قطعة حديديّة أخرى مخترقةً لأجسادهم.
3- الطوب في الفم:
ربما ساعدت قصص مصاصي الدماء والموتى الأحياء المجتمعات على تفسير تفشي الأمراض، وافترض الباحثون أنّهم نفذوا طقوسًا ضد مصاصي الدّماء على الأشخاص الذين ماتوا بسبب مرض معين، يمكن أن يكون وسيلة منهم لمحاولة منع هذا الشخص من النهوض ونشر مرضه.
واقترح علماء الآثار هذا التّفسير لوجود امرأة من القرن السادس عشر في قبر الطاعون في مدينة البندقية في إيطاليا وُجدت مدفونة مع وضع قالب طوب بين فكيها، ولربما كان الطّوب وسيلة لمنعه من إيذاء الآخرين ونشر الطّاعون بعد موتها.
4- التراب في الفم:
كان للأقاليم المختلفة في أوروبا مفاهيم مختلفة عن ماهية مصاصي الدماء وكيف استخدموا قواهم.
في ألمانيا كان Nachzehrer مخلوقًا يشبه مصاص الدماء الذي بقي في قبره واستطاع إيذاء الناس بشكل خارق للطبيعة من خلال مضغه لكفنه، وقد اعتقدوا أن الجثث مضغت كفنها نتيجة تمزق الكفن في منطقة الفم، لكن الحقيقة أن الكفن قد تمزّق نتيجة سائل التطهير، وهو سائل يخرج من الفم والأنف بسبب ضغط الغاز في الأمعاء بعد الوفاة نتيجة تحلل الجهاز الهضمي، ما جعل الأمر يبدو كأن الجثة كانت تمضغ على كفنها.
وفي عام 1679 نشر Philip Rorh منشورًا دينيًًا مكونًا من 24 صفحة باسم: (On the Chewing Dead) ذكر فيه أنّه يمكن لأي شخص أن يمنع Nachzehrer من إيذاء الأحياء بحشو فم الجثة بالتربة لمنعه من المضغ، واقترح المنشور أن صخرة أو عملة معدنية في الفم يمكن أن تؤدي الغرض أيضًا.
5- المنجل حول العنق:
طريقة تاريخية أخرى لمنع الموتى من النهوض، كان الدّفن بوضع منجل حول عنق الجثة وكانت هذه طريقة للتأكد أنّ الجثة إذا حاولت النهوض فسيقطع رأسها.
في دراوسكو بولندا اكتشف علماء الآثار أربع جثث مدفونة بخطافات تحيط بأعناقها في مقبرة اُستخدمت بين القرن السّادس عشر والقرن السّابع عشر، بالإضافة إلى ذلك تعرف علماء الآثار على جسد امراة دفنت بخطاف حول حوضها بالإضافة إلى حجر على عنقها وعملة معدنية في حلقها.
6- الأقفال على الأقدام:
اكتشف علماء الآثار في بيين في بولندا جثة امرأة دفنت بخطاف حول عنقها في مقبرة تعود للقرن السّابع عشر، لكن بالإضافة للخطاف كان هناك قفل مربوط بإصبع قدمها الكبير، وبالقرب من قبرها اُكتشفت جثة أخرى مثبتة بقفل على القدم، وكانت هذه الجثة لطفل صغير لم يكن فقط مسحوبًا للأسفل بقفل، بل دفن ووجهه للأسفل وتشير هذه الأقفال إلى أنّ مَن دفن هذه الجثث كان خائفًا من عودتها إلى الحياة مرة أخرى وأراد تثبيتهم في قبورهم للأبد.
7- حرق الأعضاء:
في القرن التّاسع عشر انتشر مرض السّل في نيو إنجلند في الولايات المتحدة الأمريكية، ما سبب للنّاس سعالًا مصحوبًا بالدم ووفيات كثيرة. وفي محاولة منهم لوقف انتشار السّل بدأ بعض السكان في نبش جثث الأشخاص الذين ماتوا بسبب السّل وحرق أعضائهم، وقد فعل السّكان ذلك لاعتقادهم أن الذين توفوا بالسّل كانوا ينشرون المرض بعد موتهم للآخرين بطريقة ما.
ويعد هذا الخوف من مصاصي الدماء في القرن التّاسع عشر أحد أوضح الأمثلة التي تربط الخوف التاريخي من مصاصي الدماء والمخلوقات الأخرى بالأمراض.
اقرأ أيضًا:
الكشف عن لغة سرية مفقودة منذ 3000 عام
ترجمة: لؤي بوبو
تدقيق: حُسام الدِّين طَلعَت