في بعض الأحيان؛ لا تتمكن سحب الغاز والغبار المنهارة من أن تكوِّن نجومًا؛ تعرف إذن هذه الأجسام باسم الأقزام البنية ، وتحتوي هذه الأجسام على العديد من العناصر الموجودة عند أقاربها الأكثر شهرة (النجوم)؛ ولكنها تفتقر إلى الكتلة اللازمة لتحفيز الانصهار النووي داخل نواها، ولأن الأقزام البنية لا تنصهر أبدًا من نواها؛ فإن العلماء يشيرون إليها أحيانًا على أنها «نجوم باهتة».
قصور التكوين
يبدأ تكوين الأقزام البنية مثل نُسبائها في السلسلة الرئيسة: تنهار سحابة من الغبار والغاز على نفسها، ثم تتراكم المكونات بانتظام مُحكمٍ تحت تأثير الجاذبية؛ حتى يتشكل نجم أوليّ حديث السن في المركز.
بالنسبة إلى نجوم السلسلة الرئيسة؛ فإن الجاذبية تضغط نحو الداخل حتى يتحفز انصهار الهيدروجين في نواها؛ لكن الأقزام البنية لا تصل إلى هذه المرحلة الحاسمة أبدًا، بدلًا من ذلك، وقبل أن تصبح درجات الحرارة ساخنة بشكل كاف لبدء انصهار الهيدروجين؛ تبلغ المادة المرصوصة حالةً مستقرة، وتصبح قزمًا بنيًا.
إيان مكليان -Ian McLean وهو عالم فلك بجامعة كاليفورنيا -University of California في لوس أنجلس -Los Angeles قال في تصريح له: «الأقزام البنية هي الحلقة المفقودة بين الكواكب الغازية العملاقة مثل كوكب المشتري، والنجوم الصغيرة مثل الأقزام الحمراء».
المعالم والتصنيفات والمشاهدات
تأتي الأقزام البنية في تشكيلات متباينة في الكتلة وفي درجات الحرارة؛ تتراوح كتلها ما بين 13 إلى 90 ضعف كتلة المشتري، أيّ: حوالي عُشر كتلة الشمس. تصنف النجوم وفقًا لنمطها الطيفي، أو الطاقة التي تشعها؛ وكذلك أيضًا تصنف الأقزام البنية.
النجوم M هي أروع النجوم المشعة في الكون، وأكثرها وفرة، معظم النجوم M هي أقزام حمراء، ولكن البعض منها أقزام بنية. تُحدد كل من الأقزام L والأقزام T بواسطة العناصر التي تظهر في طيفها.
الأقزام Y هي أروع الأقزام المعروفة؛ يبلغ بعضها درجات حرارة منخفضة مماثلة للفرن المنزلي؛ في حين أنّ البعض الآخر مماثل لجسم الإنسان. نظرًا لأن الأقزام البنية تبعث القليل من الضوء والطاقة؛ فقد يكون من الصعب تحديد موقعها؛ لقد كانت في الأصل أجسامًا نظرية، ولم نستطع رؤيتها حتى أواخر الثمانينيات؛ حين تطورت الأدوات الفلكية (وما تزال تتطور) إلى أدوات أكثر حساسية ودقة؛ اُكتشف المزيد من الأقزام البنية؛ ولكنها ما تزال تشكل تحديًا.
كانت الأقزام البنية تُدعى في الأصل «الأقزام السوداء»، بينما يُستخدم هذا المصطلح الآن للإشارة إلى المرحلة الأخيرة من التطور النجمي لنجم من السلسلة الرئيسة؛ وهو قزم أبيض أتمَّ إشعاع كل ما يملكه من حرارة.
الخلفية الكونية كما ترى على بعد 30 سنة ضوئية:
لماذا ليست كواكب؟
لأن الأقزام البنية تمتلك كتلة قليلة جدًا، لذا يسهل الخلط بينها وبين الكواكب الضخمة، خاصة مع تنامي قائمة الكواكب الغازية العملاقة، بالمثل؛ فإن افتقارها إلى الانصهار يمكن أن يثير مخاوف مشابهة.
الأقزام البنية مثل الكواكب: تمتلك أغلفة جوية فيها الشفق والسحب وحتى العواصف. وهي أيضًا مثل النجوم؛ يمكنها استضافة كواكبها الخاصة.
طريقة واحدة تخبرنا الفارق بينها وبين الكواكب وهي أن الأقزام البنية مثل كل النجوم؛ تًكوِّن ضوءَها الخاص، وتتوهج الأقزام البنية في الطيف الأحمر وتحت الأحمر إلى أن تبرد بشكل كافٍ مصدرةً كُلًا من الأشعة السينية والأشعة تحت الحمراء التي يستطيع العلماء قياسهما.
وقال مكليان: «الأقزام البنية مربكة للغاية؛ ويصعب العثور عليها، قد يمكن اكتشافها على أحسن حال ضمن طيف الأشعة تحت الحمراء، وحتى ضمن طيف الأشعة تحت الحمراء؛ فمن الصعب اكتشافها للغاية، نحن نكشف توهج الحرارة من هذه الأجسام الخافتة ضمن طيف الأشعة تحت الحمراء، كما هو متوقع؛ فيجب أن تكون الأقزام البنية قريبة نسبيًا في حدود 100 سنة ضوئية؛ كي نستطيع حتى الكشف عن البصمة الحرارية».
ومع ذلك، قد يكون الخط الفاصل بين قزم بني بارد وكوكب خطًا رفيعًا للغاية؛ فبعض الأقزام البنية تكون باردة بدرجة تكفي للحفاظ على أغلفة جوية كما في الكواكب العملاقة الغازية، ويمكن للأقزام البنية أن تستضيف الكواكب؛ بينما يمكن أن يكون للكواكب العملاقة الغازية أقمارًا في مدارات معينة؛ فكيف تحدد بشكل قاطع ما إذا كان الجسم العائم بشكل حر هو كوكب أم قزم بني بارد جدًا؟
في النهاية يعتبر الاتحاد الفلكي الدولي – International Astronomical Union أن أي جسم يملك كتلة كافية لدمج (الديوتيريوم* -deuterium) هو قزم بني، في حين أن الأجسام التي تحتوي على كتل أقل من ذلك -حوالي ثلاثة عشر ضعفًا من كتلة كوكب المشتري- تعتبر كواكب.
ولأنها تسد الفجوة بين النجوم والكواكب؛ فيمكن للأقزام البنية أن تقدم رؤًى حول كل من النجوم والكواكب. قال عالم الفلك ترينت دوبوي -Trent Dupuy من مركز هارفارد سميثونيان للفيزياء الفلكية Harvard-Smithsonian Center for Astrophysics لموقع Space.com في عام 2013: «يبحث الفلكيون دائمًا عن أجسام عائمة بشكل حر، تشبه النجوم؛ لكن أكثر برودة منها، وأحد الأسباب الرئيسة لذلك؛ هو أن أغلفتها الجوية يكون لها درجات حرارة مشابهة لكثير من الكواكب الغازية العملاقة التي قد اكتشفت وهي تدور حول نجوم أخرى غير الشمس، لذلك فهي مثل المختبرات الصغيرة حيث يمكنك دراسة فيزياء الغلاف الجوي لدى الكواكب الموجودة خارج المجموعة الشمسية؛ لكن دون وهج نجمها المضيف».
هامش:
(*) الديوتيريوم: هو الذرة التي تحتوي نواتها على بروتون واحد ونيوترون واحد، ويعتبر أحد نظائر الهيدروجين، ويسمى أيضًا بالهيدروجين الثقيل. بينما ذرة الهيدروجين تتكون من بروتون واحد فقط دون نيوترونات.
ترجمة: رولان جعفر
تدقيق: محمد الصفتي