خلايا السرطان هي خلايا تغش الموت، فبدلًا من أن تنمو لتموت كما تفعل الخلايا الطبيعية، فإنها تستمر بالانقسام والنمو وتغيير أيضها لكي تتابع الانتشار والتكاثر عبر الجسد كله. هذا التكاثر الذي تقوم به الخلايا الخبيثة هو مايخلق السرطانات والأورمة. التحدي الذي يواجهه الباحثون الطبيون هو منع هذا السلوك غير الطبيعي من الحدوث.
أحد طرق قيام خلايا السرطان بزيادة نموها وتوسعها هو عن طريق زيادة استهلاكها للسكر، والآن يبحث العلماء في كيفية إيقاف هذه الخدعة لكي يحاربوا انتشار الخلايا. قامت دراسة حديثة بالتعرف على PARP 14، وهو البروتين المسئول عن الإنتاج الزائد للجلوكوز (السكر). وتتم زيادة صنع هذا البروتين في كل السرطانات البشرية تقريبًا ، ولكنه شبه معدوم في الخلايا الصحيحة الطبيعية.
أوضحت الاختبارات الجينية والجزيئية أن تقليل مستويات PARP 14 في خلايا السرطان يقوم حرفيًا بتجويع هذه الخلايا حتى الموت؛ يخلق حالة قريبة من المجاعة. وعِلاوةً على ذلك، اكتشف العلماء أن مستوى PARP 14 يؤثر على احتمالية نجاة المرضى من السرطان، مما قد يساعد الأطباء في التعرف على مدى توحش سرطان معين وبالتالي التخطيط لجدول علاج ملائم طبقًا لوحشية السرطان الذي يتم محاربته.
يجب أن نتذكر أن الأدوية المضادة لـPARP 14 هي حلم بعيد حاليًا عن الواقع، ولكن هذه الأبحاث تزيد من تشجيع شركات الأدوية لتطوير واختبار عقار بهذا الشكل، وسيخلق هذا فارقًا عظيمًا في علاجات السرطان فور حدوثه. على عكس العلاج الكيميائي والإشعاعي، فإن مانعًا لـPARP 14 سيقوم فقط بالتأثير على الخلايا السرطانية، مما سيوفر علاجًا يعامل جسم المريض معاملة ألطف من المتوافر حاليًا.
يعتقد مؤلفو هذه الدراسة، التي تم نشرها في مجلة Nature Communications، أن طرقًا مثل العلاج الكيميائي ستظل ضرورية حتى بعد توفر هذا الدواء. ولكن سيقوم هذا الدواء بجعل الخلايا السرطانية أكثر عرضة للموت بواسطة العلاج الكيميائي، مما سيؤدي إلى تقليل جرعات العلاج أو تقليل فترات العلاج. وهذا أمرٌ يحلم به كل مريض سرطان يخضع لهذا العلاج القاسي.
أهمية الجلوكوز البالغة للخلايا السرطانية لا تكمن فقط في كونه يوفر الطاقة لها، ولكنه أيضًا يحرسها من الجزيئات التي تتسبب في الموت الطبيعي للخلايا. إذا تمت إزالة هذا الجلوكوز، فإن دفاع الخلايا الخبيثة سيتلاشى. ولكن، بالتأكيد، العملية ليست ببساطة أن يقوم الانسان بمنع نفسه من تناول السكر في أطعمته. حيث أن الخلايا السرطانية تتأقلم لكي توفر مصدرًا آخر للجلوكوز، حيث أنها قد تقوم بتكسير الجليكوجين في العظم، أو تحويل الأحماض الأمينية (البروتين) إلى جلوكوز في عملية بيولوجية تُعرف باسم gluconeogenesis.
gluco = جلوكوز
neo = من مصدر غير سكري
genesis = تصنيع
يحتاج الباحثون أولًا إلى تصميم دواء يمنع أو يقلل من PARP 14، ثم عليهم التأكد من أن الدواء آمن وفعّال على البشر. ولكن فهمنا لطريقة انتشار السرطانات، وكيفية منعها، تنمو مع الوقت، واكتشاف مثل PARP 14 قد يكون من أهم الاكتشافات حتى الآن. فإذا وجدنا طريقةً لإيقافه، يمكننا أن نجد طريقة لإيقاف السرطان.