تعذر تحديد سرعة الصوت القصوى في أي وسط حتى بعد تقديم النظرية النسبية الخاصة لآينشتاين الحدَ الأعلى للسرعة في الكون، وهي سرعة الضوء في الفراغ.
يُعد قياس سرعة الصوت في كل وسط في الكون مستحيلًا، لكن، تمكن العلماء من وضع حد أقصى لها استنادًا إلى بعض الثوابت الأساسية في الكون التي بفضلها فهمنا الفيزياء في الكون.
بلغت سرعة الصوت وفقًا للحسابات الأخيرة 36 كم/ث وهي ضعف سرعة الصوت في الألماس.
يسلك الصوت والضوء سلوك الموجات باختلاف قليل بينهما. الضوء المرئي هو طيف من أطياف الإشعاع الكهرومغناطيسي، سمي بهذا الاسم بسبب تكون موجات الضوء من مجالين متذبذبين أحدهما كهربائي والآخر مغناطيسي. يولد هذان المجالان موجة كهرومغناطيسية تتحرك في الفراغ بسرعة تصل إلى 300,000 كم/ث وهي السرعة القصوى للضوء. وتقل تلك السرعة مع السفر في أوساط مختلفة كالسفر في الماء أو الغلاف الجوي.
أما الصوت فهو موجة ميكانيكية تنشأ باهتزاز في الوسط، تتصادم جزيئات الوسط وتمرر الطاقة عند انتقال الموجة خلال الوسط.
ينتقل الصوت بسرعة أكبر إذا ازدادت صعوبة ضغط الوسط في حال كان أكثر صلابة. الماء هو مثال على ذلك إذ يتكون من جزيئات مصفوفة بإحكام أكثر من تلك الموجودة في الهواء. لهذا السبب تستطيع الحيتان التواصل مع بعضها عبر تلك المسافات الشاسعة تحت الماء.
أما في الوسط الصلب كالألماس، ينتقل الصوت بسرعة أكبر، ويستفيد العلماء من هذه الخاصية في دراسة باطن الأرض عند انتقال الموجات الصوتية الناتجة عن الزلازل، ويمكننا استخدام خاصية انتقال الصوت عبر الوسط الصلب في دراسة ما داخل النجوم.
قال عالم المواد كريس بيكارد، من جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة: «الموجات الصوتية التي تمر عبر المواد الصلبة أساسية لدراسة الكثير من المجالات العلمية»، وأضاف: «يستخدم علماء الزلازل الموجات الصوتية من الزلازل في باطن الأرض لفهم طبيعة الأحداث الزلزالية وخصائص تكوين الأرض. إضافةً إلى ذلك يهتم علماء المواد بتلك الموجات لأنها مرتبطة بخصائص المرونة التي تشمل القدرة على مقاومة الضغط».
قد تفكر في السؤال عن كيفية تحديد سرعة الصوت، وكيفية دراسة كل المواد الممكنة في الكون لتحديد سرعة الصوت القصوى.
تبرز هنا أهمية الثوابت الأساسية لحساب سرعة الصوت، فقد وجد فريق من جامعة كوين ماري في لندن وجامعة كامبريدج في المملكة المتحدة ومعهد فيزياء الضغط العالي في روسيا أن إيجاد سرعة الصوت القصوى تعتمد على ثابتين أساسيين.
يميز ثابت البناء الدقيق قوة التفاعلات الكهرومغناطيسية بين الجسيمات الأولية المشحونة ونسبة كتلة البروتون إلى الإلكترون، وهي الكتلة الساكنة لدى البروتون مقسومة على الكتلة الساكنة للإلكترون.
كتب الباحثون في ورقتهم البحثية: «تجري التفاعلات الكيميائية كانحلال البروتون والتركيب النووي في النجوم استنادًا إلى القيم المسجلة من ثابت البناء الدقيق ونسبة كتلة البروتون إلى الإلكترون والموازنة بينهما، التي تؤدي إلى تكوين العناصر البيوكيميائية الأساسية كالكربون. يتيح هذا التوازن منطقة ضيقة صالحة للحياة في الفضاء حيث تتكون النجوم والكواكب وتظهر التراكيب الجزيئية الداعمة للحياة».
وأضاف الباحثون: «أظهرت الدراسة أن جمع ثابت البناء الدقيق ونسبة كتلة البروتون إلى الإلكترون ينتج كمية أخرى بلا أبعاد لها تأثير محدد غير متوقع في خاصية رئيسة للمراحل المكثفة، السرعة التي تنتقل بها الموجات في المواد الصلبة أو السوائل وهي سرعة الصوت».
أجرى العلماء تجربة عملية لتأكيد صحة معادلتهم لحساب سرعة الصوت في عدد كبير من العناصر الصلبة والسائلة وحصلوا على نتائج مقاربة لتوقعاتهم.
أحد توقعات الفريق النظرية هو انخفاض سرعة الصوت مع كتلة الذرة، وفقًا لتوقعات الفريق يتحرك الصوت بسرعة أكبر خلال هيدروجين ذري صلب، لا توجد تلك الذرة إلا في مناطق ضغط مرتفعة جدًا، ما يقارب أكثر من مليون ضعف ضغط الغلاف الجوي للأرض عند مستوى البحر (100 غيغاباسكال).
تعذر أخذ عينات تؤكد توقعات الفريق لذلك اعتمد الفريق على الحسابات المبنية على خصائص الهيدروجين الذري الصلب تحت ضغط جوي بين (250 إلى 1000 غيغاباسكال) وتوافقت الحسابات مجددًا مع توقعاتهم.
قد تثبت الحسابات أنها أداة قيمة جدًا لو حافظت نتائج تطبيق المعادلة على استمراريتها، ليس على مستوى مواد معينة فقط، بل سنفهم بفضلها الكون كله.
تقول الفيزيائية كوستيا تراشينكو، من جامعة كوين ماري في لندن: «نؤمن بأن ما وجدناه في هذه الدراسة قد يقدم تطبيقات علمية جديدة لمساعدتنا على إيجاد حدود الخصائص المختلفة وفهمها مثل اللزوجة والموصلية الحرارية ذات الصلة بالموصلية الفائقة في درجات الحرارة العالية بالإضافة إلى فهم بلازما كوارك-غلوون أو حتى فيزياء الثقوب السوداء».
نشر البحث في دورية Science Advances.
اقرأ أيضًا:
كيف حسب العلماء سرعة الصوت وسرعة الضوء؟
«الهايبرلوب» تقنية جديدة تسافر بك بسرعة الصوت
ترجمة: حازم أبو العمرين
تدقيق: عون حدّاد